غويتيسولو: كرة القدم في المغرب أقوى من الأحزاب -الحلقة5

06 يوليو 2019 - 10:20

بعد مرور سنتين على وفاته يوم 4 يوينو 2017، تعيد «أخبار اليوم» خلال هذا الصيف نشر، في حلقات، مجموعة من المقالات التي سبق ونشرها الكاتب الإسباني العالمي خوان غويتيسولو (ازداد سنة 1931) ، في صحيفة «إلباييس» منذ سنة 2000 حول المغرب، بشكل خاص، والمغرب الكبير والعالم العالم، عامة.

لست ممن يطلقون على أنفسهم عشاق كرة القدم. فقدمي لم تطآ ملعبا لكرة القدم إلا في ثلاث مناسبات؛ الأولى كانت في بداية الأربعينيات من القرن الماضي، عندما اصطحبني شقيقي الأكبر إلى ملعب لاس كورتس ببرشلونة (ملعب البارصا قبل تشييد الملعب الحالي الكامب نو). في الحقيقة، لم تثر المقابلة إعجابي، لكنني استفدت من ذلك الحضور بالملعب لأحفظ عن ظهر قلب أسماء لاعبي برشلونة لكرة القدم؛ من حارس المرمى والمدافعين (ميرو، أنجويرا، بينيتو)، وصولا إلى المهاجمين (سوسبيدرا، غراسيا، مارتين، إسكولا وبرافو). (في تلك الأيام من الذاكرة الطفولية كنت أستظهر أسماء المؤسسات الاستعمارية الفرنسية في الهند وبراكين الأنديز في الإكوادور). أما المرة الثانية، فكانت بعد حوالي أربعة عقود، حيث كنت شاهدا على مواجهة في اسطنبول بين الخصمين الأبديين، بشيكطاش وغلاتساراي. كنت مع صديق في منطقة المدرجات الوسطية، والتي احتلتها جماهير الفريقين وصيحاتهم وشتائمهم، بعدها تطورت الأمور إلى إلقاء قطع من الأكمام وأشياء أخرى كانت موجهة أكثر إلى أرداف الخصوم، قبل أن يحاولوا الاشتباك بالأيدي. كنا في قلب ساحة المعركة المتوقعة، ولم يكن أمامنا أي خيار سوى التسلل بعيدًا مع القليل من المجد، لكن بارتياح الهارب من الفوضى والهيجان.

المرة الثالثة والأخيرة، كانت قبل عشر سنوات في المدينة التي أكتب منها هذه السطور. أتحدث عن مباراة جمعت بين فريقين من مدينتي مراكش والدار البيضاء. في الواقع، لم تُسجل أحداث عنف، لكن كانت هناك بعض مظاهر روح الدعابة العدوانية في الشوارع. كان الجمهور البيضاوي الزائر يصف اللاعبين المحليين بمصطلح «الكرَّابة»، في إشارة إلى بائع الماء المعروف بساحة جامع الفنا بارتداء لباس فلاحي وقبعة قش كبيرة تجذب انتباه السياح؛ ورداً عليهم، كان أنصار الفريق المراكشي يهتفون: «أمك بيضاوية وأبوك سعودي»، وهو تعبير لفظي لا أساس له في الواقع. ومع ذلك، لم تسل الدماء في المدرجات، وتكفلت قوات الأمن بتنظيم عملية خروج جماهير الفريقين من الملعب عبر أبواب مختلفة.

منذ قرن من الزمن، «تأسبنت» الجماهير الكروية المغربية. إذ إنه رغم نقل القنوات الفضائية مباريات الدوريات الفرنسي والإنجليزي والإيطالي، فإنه لا صوت يعلو في الشوارع على صوت الليغا الإسبانية. ونتيجة لعولمة ثقافة الفرجة، فإن سمعة إسبانيا في المغرب مرتبطة بشكل كبير بكرة القدم، أكثر من التغيرات الكبيرة التي عرفتها بعد سقوط الديكتاتور فرانكو. فالشباب في المدن يحفظون تشكيلتي فريقي ريال مدريد وبرشلونة، وكل واحد يدافع عن فريقه المفضل. وفي مدن الشمال والدار البيضاء ومراكش والرباط، تنتشر الجمعيات الكروية المرتبطة بفريقي برشلونة وريال مدريد. هذه الجمعيات تكون في بعض الأحايين مدعومة من لدن مجالس إدارة الناديين. وهي الجمعيات التي تفوق قدرتها على الحشد قدرة الأحزاب السياسية، التي فقدت مصداقيتها، وصارت غير قادرة على التجديد.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي