-->

مساحات الصراع الثلاث في المغرب

22 يوليو 2019 - 14:01

سيعرف مجلس النواب مساء هذا اليوم استكمال مسطرة التشريع بخصوص مشروع قانون الإطار رقم 51.17، المتعلق بمنظومة التربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي، وذلك عندما يجتمع النواب في جلسة عامة، تلك الجلسة التي كان من المفترض أن تكون لحظة توافق وإجماع وطني، على اعتبار أن قضايا التعليم لا تحتمل المزايدات السياسية، كما لا تتحمل منطق الغلبة السياسي…، لكن الواقع العنيد لبلادنا يُصر على أن يجعل من هذا اليوم لحظة جديدة من لحظات الانكسار التي سيكون لها ما بعدها بلا شك. فهذا اليوم سيسجل لحظة فشل جديدة، لا يتعلق الأمر هنا فقط، بكثير من مضامين مشروع القانون، ولكن، أساسا، بانعدام القدرة على الحوار ودفع الحجة بالحجة، والإصرار على تكريس البرلمان كغرفة للتسجيل فقط، علما أن القطاع الوصي على التربية والتكوين، شرع منذ فترة طويلة في تنزيل مقتضيات المشروع المعروض اليوم على البرلمان، وذلك عبر عدة مذكرات ومناشير، ما يطرح السؤال عن الحاجة إلى قانون إطار أصلا؟

عندما نطلع على مشروع قانون الإطار 51.17، سواء في الصيغة التي عرضتها الحكومة على البرلمان، أو في الصيغة التي انتهى إليها في لجنة التعليم، ونتذكر أن مسار هذا النص انطلق منذ 2014، تاريخ التكليف الملكي للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي بوضع خارطة طريق كفيلة بإصلاح المدرسة المغربية، وعندما نعلم أن الملك طالب بوضع الرؤية التي خلص إليها المجلس الأعلى في صيغة قانون إطار ملزم لجميع الأطراف، وذلك منذ 30 يوليوز 2015، دون أن ننسى أن آجال الرؤية الاستراتيجية التي جاء مشروع قانون الإطار لأجرأتها، والتي تبدأ سنة 2015 وتنتهي سنة 2030، علما أن مشروع قانون الإطار وضع آجالا تمتد إلى ستة سنوات، ولا حاجة إلى التذكير، اعتمادا على تلك الآجال، أن النص لا يمكن أجرأته سوى سنة 2020، وذلك بتفاؤل شديد. معنى كل هذا أن الرؤية التي كان من المفروض انطلاق العمل بها سنة 2015، على أن تقدم نتائجها سنة 2030 ، فإنها لن تنطلق عمليا سوى سنة 2026، وعوض أن تمتد على 15 سنة، فإنها لن تتجاوز أربع سنوات، ولا حاجة بالطبع إلى ذكاء خارق لتوقع النتائج، فالنتائج من جنس المقدمات كما يقول الفقهاء…

شخصيا، لا أعتبر الذين صاغوا مشروع قانون الإطار المتعلق بالتربية والتكوين والبحث العلمي، هدفهم هو تخريب المدرسة المغربية، إذ لا يعقل تخريب شيء مخرب أصلا، كما أنه بلا شك أن كثيرين ممن ساهموا في صياغة النص، لا تعوزهم الروح الوطنية، لكن ذلك كله لم يشفع للنص أن يكون عند أفق الانتظار وأن يزرع اليقين في النفوس بخصوص المستقبل، وأسوأ ما ميز هذا المشروع، هو أن من حمله كان متأكدا من مروره دون عقبات، وقد نجح في ذلك، لكن، ولأنه قانون سيربط مصير البلاد وأجيال متعددة، فإن مروره دون عقبات بمنطق الغلبة السياسي ليس مدعاة للفخر على أي حال، والمستقبل سيُظهر ذلك بكل بوضوح.

لقد تم التركيز في معركة مشروع القانون الإطار على مسألة اللغة وذلك لإخفاء الجوانب الأخرى، وإن كانت الجهة الحاملة للمشروع قد قدمت « تنازلات » بخصوص فرض الرسوم ونظام التعاقد، فإنها توسعت في موضوع اعتماد اللغة الأجنبية حتى أبعد مما اعتمده المجلس الأعلى للتربية والتكوين بعد سجال طويل، والذي خلص إلى تدريس بعض المجزوءات والمضامين في بعض المواد وخاصة العلمية، بلغات أجنبية، هذه اللغة بالطبع هي الفرنسية وهي واضحة من خلال المذكرات الوزارية ذات الصلة، بينما جاء في مشروع قانون الإطار الذي قدمته حكومة العثماني تدريس بعض المواد دفعة واحدة، هذا التوسع لم يؤسس على أي معطيات علمية، كما أن الحكومة والوزير الوصي، لم يبسطا للنقاش ولو دليلا واحدا يعزز وجهة نظرهما، ولا حاجة إلى التذكير أن مختلف التقارير الدولية التي بحثت في أزمة المدرسة المغربية لم تطرح أبدا موضوع لغة التدريس كعائق أمام التحصيل العلمي، بل يمكن العودة إلى تقرير المجلس الأعلى للتربية والتكوين لسنة2008 ، والذي حدد العوائق والإخفاقات في منظومة التربية والتكوين؛ أساسا في الهدر المدرسي: « حيث يتمكَّن 50% من المسجَّلين في الابتدائي فقط، من الوصول إلى السنة النهائية من المرحلة الإعدادية، وينقطع عن الدراسة سنويًّا نحو 390000. ففي الموسم 2006/ 2007 غادر المدرسة 180000 تلميذ لأسباب غير الطرد أو الفشل الدراسي ». وحسب التقرير نفسه، دائما، فأسباب الهدر تعود إلى: « ضعف مستويات تأهيل المدرسة العمومية، والفقر وتدنِّي المستوى الثقافي وارتفاع تكلفة التمدرس »، هذه هي الأسباب التي تكشف هزالة المدرسة المغربية، أما اللغة، فليست سوى مبرر يُراد له أن يلعب دور الشجرة التي تخفي الغابة….

 

يمكن القول إن النقاش الذي ينفجر بين الفينة والأخرى، مواكبةً لعدد من القرارات والقوانين، ليس سوى رجْع صدى، لصراع يدور في المغرب على مستويات ثلاثة، أو في مساحات ثلاث.

المغرب شأنه شأن العديد من الدول، عاش ويعيش تفاعلا بين قوى فاعلة، سواء داخل بنية الدولة، أو وسط المجتمع، وتتحكم في فاعلية دينامية هذه القوى، معطيات يتداخل فيها الداخلي بالخارجي، وتجمعها علاقات تختلف بين التحالف والتنافر، بحسب تباعد أو تقارب المرجعيات، أو تباعد وتقارب مجالات الاشتغال والفعل.

المستويات الثلاثة، أو المساحات الثلاث، تتعلق أولا، بالسلطة والنفوذ في الإدارة، وثانيا، بعالم المال والاقتصاد، وثالثا، بالهوية والقيم.

ولطالما جرى الصراع في هذه المساحات الثلاث بشكل متوازٍ، وظلت تناقضاته تتفاعل في المساحة الواحدة، لكن مع التغير الحاصل في وظائف الدولة، بات الصراع ثلاثي الأبعاد، وأصبح ما يجري داخل إحدى المساحات يؤثر بالضرورة على المساحتين المتبقيتين، مما فرض على القوى الفاعلة تغيير استراتيجية الصراع، والعمل على خلق نخب تخوض من خلالها الصراع خارج – مساحة التخصص- إذا جاز التعبير، أو العمل على استمالة النخب المؤثرة في كل مساحة، أو تجريد الخصوم والمنافسين من عناصر القوة وعناصر التأثير، بما يُبطئ حركتهم أو يضعف موقعهم التفاوضي. ومع موجة الانفتاح، التي تسود العالم نتيجة الثورة التكنولوجية وبلوغ اهتزاز مفهوم السيادة مستويات عالية، عملت عدد من القوى على استغلال ما يحدث خارجيا، إما استقواءً، أو لعب دور الوكالة، خاصة القوى الفاعلة في مساحة المال والاقتصاد، على الرغم مما ينطوي عليه هذا الأمر من تهديد للبنية وللاستقرار السياسي والأمني.

وهذا ما يفسر حجم الاستهداف الذي يطال النخب الجديدة، التي تبرز في كل مساحة من المساحات الثلاث، إما بفعل تقدمها الانتخابي، وما يتيحه من التموقع في مؤسسات السلطة والإدارة، خاصة إذا كانت تنتمي إلى قوة مؤثر في مساحة الاقتصاد والمال أو مساحة الهوية والقيم.

وفي هذا الصدد يمكن فهم الاستهداف المتواصل لحزب العدالة والتنمية، أولا، باعتباره يمثل نخبة تملك نفوذا داخل مساحة الهوية والقيم، وباعتبار الموقع الذي بات يحتله داخل أجهزة السلطة، وباعتبار ما تسمح به المرجعية الإسلامية التي ينطلق منها، من بناء تحالف موضوعي واستراتيجي مع مؤسسات أخرى في البلاد.

كما يمكن، كذلك، فهم الحرب التي تُخاض ضد مكونات داخل مساحة المال والأعمال، ولعل مؤشراتها تبرز في تغيير رئاسة اتحاد مقاولات المغرب، والتوتر الحاصل بين مسؤوليه، وفي حملات مقاطعة بعض المنتجات، والحملات الإعلامية ضد رجال أعمال يجمعون بين موقع في مساحة الاقتصاد وموقع في مساحة السلطة، سواء أكانت حكومة أو مجلس جماعة ترابية، أو مؤسسة عمومية. أما عن مساحة القيم والهوية، فإن تراجع الترافع على قضاياها، واستنزاف النخب الفاعلة فيها، جعلها المساحة الأكثر تضررا بالنسبة إلى المغاربة، حيث جرى التضييق على حضور مكونات الهوية في المجال العام، من خلال حملات التشكيك فيها والتنقيص من أهميتها وضرورتها بالنسبة إلى الدولة والمجتمع حاضرا ومستقبلا، من خلال إطلاق العنان لنخب مسلطة على مجالات مختلفة إعلامية وثقافية وأكاديمية، لبث خطابات التشويش والتسميم، بل وتمكينهم من التموقع داخل مؤسسات عمومية، إمعانا في إضعاف القوى التي تنطلق من المرجعية الناظمة لهوية وقيم المجتمع، وتحتل مواقع في مساحة السلطة والنفوذ في الإدارة.

هكذا يمكن على سبيل المثال، أن نضع استهداف اللغة العربية في القانون الإطار للتربية والتكوين، في مكانته ضمن الصراع القائم في البلاد، لفهم مداخل المواجهة الممكنة، ولو بعد حين، دفاعا عن هوية المغاربة، وهكذا يمكن وضع مختلف الأحداث والقرارات في موضعها والنظر إليها نظرة بانورامية، لاستيعاب ما يقع حولنا، من صناعة أزمات ومشاكل لمؤسسات مؤثرة هنا وهناك، واستهداف لشخصيات إعلامية وسياسية وحقوقية، تنتمي إلى نخب مؤثرة في هذه المساحة أو تلك، ومن تثبيت عناصر حزب معروف لفظه المجتمع انتخابيا، في مواقع داخل العديد من المؤسسات، لأنه اختار الارتماء في حضن فاعل آخر يؤمّن له الحضور، كثمن على دور في الصراع داخل مساحة القيم والهوية، مقابل حملات ظالمة تُجاه حزب العدالة والتنمية المتمتع بالشرعية الانتخابية، تتهمه بتعيين أعضائه والموالين له في الإدارات والمؤسسات، وهكذا يمكن فهم ضرب كل محاولات التقارب بين النخب الوطنية في كل مساحة من المساحات المذكورة، وتعميق التناقضات فيما بينها، وهكذا يمكن فهم لماذا لم تنجح وصفة حزب الأصالة والمعاصرة، لأنه أراد تسيد كل المساحات، وهي الوصفة نفسها التي يستنسخها حزب أخنوش في هذه الفترة، وإن بمقادير مختلفة.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

مرافعة مواطن منذ 4 سنوات

السلام عليكم ... • الإخوة في هيئة التحرير ، المرجو التنبه لخطإ تسلل لأحد مقالات الرأي . لقد تم نشر نفس متن مقال واحد بعنوانين لكاتبين ، المقال المقصود هو : ــ "مساحات الصراع الثلاث في المغرب" لحسن حمورو ــ "الشجرة التي تُخفي الغابة" … لعادل بنحمزة ... المقال نشر يوم : 22 07 2019 المرجو التنويه و استدراك الخطإ و إعادة نشر مقال كل كاتب على حدة ... • ملاحظة ليست لها علاقة بما سبق : المرجو أيها الإخوة عدم منح مهاجمي العربية و التعريب و مناصري الفرنكوفونية المجال لبث سمومهم أكثر ، لأن لهم منابر عديدة مدعومة ماديا و لوجستيا من طرف "حزب فرنسا" ، في حين أن أبناء الشعب و الشرفاء من هذا الوطن ليس لهم إلا منابر معدودة ـ محاصرة و محاربة و يتم التضييق عليها من طرف الدولة العميقة و تابعيها ـ كجريدة :" أخبار اليوم" و اليوم 24 ... الهدف سام ، فالعربية تعتبر ثابتا و عاملا موحدا ... و المسألة مسألة مبدأ .. هذا باختصار شديد ، أرجو أن تكون الفكرة واضحة ... تقديري وتحياتي ... السلام عليكم

عبد الرحمان منذ 4 سنوات

الشطر الاول هو مقال غادل بنحمزة

التالي