بعد عام من الانتظار.. مجلس النواب يفتح صفحات قانون الطب الشرعي

18 ديسمبر 2019 - 19:00

بعد تأخر بين يدي الحكومة، دام أزيد من أربع سنوات، إضافة إلى سنة من الانتظار في مجلس النواب، شرع هذا الأخير، أمس، في مناقشة مشروع قانون الطب الشرعي، الذي تعول عليه الحكومة في النهوض بهذا التخصص الطبي، بينما يرى المهنيون أن القانون وحده « غير كاف »، لأن التعامل مع الأموال مسألة ثقافية ومجتمعية أكثر منها طبية.

وزير العدل، محمد بنعبدالقادر، أوضح في كلمة تقديمية لمشروع القانون أمام أعضاء لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب، أنه قانون يأتي في إطار « استكمال آليات العدالة الجنائية »، بهدف « تعزيز مرفق الطب الشرعي وتحديثه »، وكذا « تطوير وتحديث المهن المساعدة للعدالة ». وأكد بنعبدالقادر أن « الطب الشرعي يعد من أهم الوسائل التي تساعد في الكشف عن بعض أنواع الجرائم، وضبط مرتكبيها »، كونه يلعب دورا حيويا في « مساعدة السلطات القضائية المختصة، سواء في البحث التمهيدي أو التحقيق، لكشف بعض جرائم القتل، والتسميم، وبعض جرائم الجنس »، فضلا عن دوره في « تشكيل قناعات القاضي الجنائي ».

غير أن الواقع العملي يشير، بحسب الوزير، إلى أن « التشريحات الطبية المأمور بها من طرف القضاء يمارسها أطباء ليس لهم تخصص طبي معترف به في هذا المجال »، هو معطى يفسر بضعف النقص الكبير في عدد الأطباء الشرعيين، حيث « لا يتجاوز عددهم 13 طبيبا شرعيا يعملون أساسا بمستشفيات بعض المدن الكبرى ». وأبرز بنعبدالقادر أنه و »إن كان الطب الشرعي نشاطا مهنيا قائما بذاته، إلا أن ممارسته لا تخضع لأي إطار تشريعي أو تنظيمي خاص ومضبوط »، وهو ما دفع وزارة العدل إلى إعداد مشروع القانون الذي انطلقت مناقشته أمس بمجلس النواب.

ووصف محمد الطويل، برلماني عن فريق العدالة والتنمية، واقع ممارسة الطب الشرعي بـ »البئيس »، بالنظر إلى العناية المتأخرة به من قبل المغرب، مقارنة بالوضع المتقدم في أوروبا وبعض الدول العربية مثل الجزائر وتونس، مشيرا إلى أن الجزائر مثلا، تتوفر على ما يناهز 300 طبيب شرعي. وعبّر الطويل عن أمله في أن يشكل مشروع القانون « خطوة نحو تصحيح الوضع »، مضيفا أن فريق « البيجيدي » يريد « تسريع مناقشة مشروع القانون حتى يدخل حيز التطبيق، وحتى لا يتعرض لعملية السحب مرة أخرى ».

وكان مشروع القانون الحالي قد أعد على ضوء مخرجات الحوار الوطني حول منظومة العدالة في عهد الحكومة السابقة، لكنه ظلّ بين يدي الأمانة العامة للحكومة لمدة أربع سنوات، قبل أن يُصادق عليه من طرف الحكومة الحالية في شتنبر 2018، ثم إحالته على مجلس النواب.

ومن شأن مشروع القانون الحالي، بحسب هشام بنيعيش، طبيب شرعي، أن يوفر « رؤية بخصوص ممارسة الطب الشرعي »، على اعتبار أن « ممارسة هذا التخصص لم يكن مؤسسا لها بالمغرب حتى اليوم، ويمكن أن تمارس من قبل مختلف الأطباء دون أن يكون لهم تكوين متخصص أو كفاءات محددة ». وأضاف بنيعيش أن « مشروع القانون حدد لأول مرة من هم الأطباء الشرعيون الذين يمكنهم ممارسة الطب الشرعي، واعتبرهم أحد مساعدي القضاء، وفي ذلك اعتبار معنوي مهم وحصانة لهم من مختلف التأثيرات ».

لكن البرلماني والطبيب، علال العمراوي، عن الفريق الاستقلالي، أثار عدة إشكاليات قال إن « القانون لا يمكنه تغييرها، لأنها مرتبطة بالثقافة والمجتمع »، واعتبر أن النهوض بالطب الشرعي « غير ممكن بقانون واحد مهما كان متقدما، بل لا بد من عدة تخصصات علمية دقيقة تعمل إلى جانبه، على غرار المنهجية المعمول بها من قبل الشرطة العلمية مثلا ». وفي هذا الصدد، تناول العمراوي عدة إشكالات « مصدرها البيئة المحيطة بالطب الشرعي »، مثال ذلك، مشكل الشواهد الطبية، حيث أبرز أن « الأطباء يرفضون على وجه العموم تسليم شواهد طبية، لأنهم نزهاء، ما يفتح الباب أمام مؤسسات معينة إلى التدخل وتعيين أطباء مكلفين بتسليم مثل هذه الشواهد، وهؤلاء الأطباء يقبلون هذا الوضع لتجنب المشاكل »، وتابع أن الشواهد الطبية التي تسلم، حاليا، « لا تساهم في المحاكمة العادلة، ولا إرجاع الحق للمظلومين ». أما الإشكال الثاني، فهو المتعلق بالوفاة. وأوضح العمراوي أن « تشخيص الوفاة في المغرب عملية صعبة جدا، وصعوبتها في انعكاساتها على المحيط، لذلك فأغلب الوفيات يتم تشخيصها اليوم من قبل غير الأطباء المختصين، وفي ظروف غير مطمئنة، كما تساهم الثقافة المتفشية، والتي تقول بأن إكرام الميت دفنه في تعقيد الوضع »، مؤكدا أنه في كثير من الحالات التي وقف عليها كطبيب « كانت الوفاة غير حقيقية ». وينطبق الوضع عينه، على التشريح الطبي، حيث كشف العمراوي أن « التشريح اليوم بالمغرب يقوم به أناس غير مختصين، ويجري بشكل بدائي جدا ». وأكد العمراوي أن الخطوة الأولى نحو تغيير هذا الواقع، هي توفير المتخصصين في الطب الشرعي، لكن القانون وحده لن يحل الإشكال، لأن الموضوع ثقافي ومجتمعي، كذلك.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي