عبدالحفيظ أدمينو: لا يجب أن تتدخل اللجنة في صلاحيات الحكومة وصلاحيات الملك -حوار

10 فبراير 2020 - 00:00

هل ترى أن خطوات مثل الحكم ضد اتصالات المغرب وتشكيل لجنة للنموذج التنموي الجديد.. من شأنها بناء ثقة جديدة في المؤسسات؟

مسألة التنمية اليوم، لم تعد فقط انشغال الفاعل العمومي لوحده، بمعنى أن هذا الفاعل ليس لوحده مسؤولا عن ضمان التنمية وضمان تكافؤ الفرص والتوزيع العادل للثروات. اليوم، هناك أدبيات على مستوى الأمم المتحدة مرتبطة، أساسا، بما يُسمى «بيزنيس هيومن رايتس»، وهي مقاربة ترتكز على دور القطاع الخاص في أن يكون قطاعا خاصا مواطنا يحترم الحقوق والحريات، بما فيها حق المنافسة وتكافؤ الفرص، ثم إن هذه الإجراءات تأتي في هذا السياق. صحيح أنها مرتبطة بالثقة لأنها متعلقة بالمظاهر التي كان يعاني منها الاقتصاد المغربي، وهي الاحتكار وعدم ضمان تكافؤ الفرص ما بين الفاعلين الاقتصاديين، وهي تأتي في مرحلة انتقل فيها المغرب من الاحتكار العام للأنشطة الاقتصادية إلى عملية الخوصصة، والتي تجري وفق معايير معروفة في اقتصاد السوق وفي الأنظمة الليبرالية. لقد عشنا أن القطاع الخاص، الذي خلف القطاع العام، كان يشتغل بمنطق القطاع العام عينه، وهو احتكار النشاط الاقتصادي والهيمنة على أي نشاط اقتصادي، الأمر الذي أدى إلى نوع من الاحتكارات، وهو مثل ما لاحظناه في مجال اتصالات المغرب وفي مجال الطاقة والمواد الغذائية. إذن، هذه العملية ليست وليدة اليوم، بل هي نتاج مسلسل طويل مرتبط، أساسا، بمراجعة دور «أونا» وتراجعها عن بعض المجالات الاقتصادية التي كانت تحتكرها، واستمرت اليوم مع هذه الاختيارات التي ينهجها المغرب، خاصة أن الملك لما استقبل رئيس مجلس المنافسة أكد أنه لا بد من أن يؤدي دوره، فيما يتعلق بضمان تكافؤ الفرص ومحاربة الاحتكار والاحتكام لقواعد السوق. اليوم، لاحظنا ما جرى اتخاذه ضد اتصالات المغرب من خلال قرار هيئات الحكامة، وهذا التحول يؤسس لمنطق آخر على المستوى التجاري، وهو أن القطاع الخاص عليه أن يحترم، أيضا، حقوق المواطن، كما القطاع العام ويساهم في التنمية.

أشرت إلى دوري مجلس المنافسة وهيئات الحكامة، في قضية اتصالات المغرب هناك من يرى أن المجلس لم يقم بدوره..

الوكالة الوطنية لتقنين الاتصالات هي من لعبت هذا الدور، لأنه بمقتضى القانون المنظم لها، موكول لها تنظيم مجال الاتصالات، لذلك كان من الطبيعي والعادي أن تتدخل. الوكالة الوطنية في جوهرها وأهدافها مثل مؤسسات الحكامة، مرتبطة، أساسا، بتأطير وتنظيم قطاع الاتصالات، خاصة بعد قانون التحرير لسنة 2002، حيث جرى تحرير القطاع السمعي البصري، كما اتجهت الدولة نحو خوصصة مجال الاتصالات. إضافة إلى خلق هذه الوكالة وما تسهر عليه، ضرورة احترام المتعاهدين بقواعد المنافسة. واليوم، إذ تقوم الوكالة الوطنية لتقنين الاتصالات بدورها، فلأن من حقها إصدار عقوبات ضد الشركات المخالفة، وهو ما قامت به. صحيح، أيضا، أن الأمر يدخل ضمن صلاحيات مجلس المنافسة، لكن تقنيا من يدبر هذا الأمر، هو الوكالة الوطنية لتقنين الاتصالات.

قبل أن تضع اللجنة تصورها للنموذج التنموي الجديد، خرجت الدولة بمجموعة من التدابير، منها ما يتعلق ببرامج جديدة لتمويل المشاريع.. هل تتفق مع الرأي القائل بأن ذلك بمثابة قفز على ما من المفروض أن تخرج به اللجنة؟

لجنة النموذج التنموي لا تتدخل في الإجراءات. وهنا يجب التمييز بين ضوابط اللجنة التي من المفروض أن تقدم سيناريوهات واختيارات يتبناها المغرب، وهي ذات بعد استراتيجي وليست تدابير إجرائية، لأن هذه التدابير هي من مسؤولية واختصاص الفاعل العمومي سواء تعلق الأمر بالحكومة أو البرلمان أو بالمؤسسة الملكية. إذن، قرار إلزام القطاع الخاص بالانخراط في التنمية ومحاربة البطالة والتخفيف من نسب الفائدة، التي كانت عائقا أمام المقاولين، يدخل في إطار توجه دولي. وكما أشرت إلى ذلك، هناك أدبيات التزم بها المغرب، أي ما يتعلق بـ»البيزنيس هيومن رايتس»، بمعنى أن يساهم القطاع الخاص في تكريس الحقوق والحريات.

الحق في الشغل ليس مسؤولية الدولة لوحدها، بل هو مسؤولية، كذلك، القطاع الخاص بمنطق المواطنة، وليس فقط بمنطق أن يستفيد ويخلق الأرباح ويراكم الثروات، ويمس بحقوق الناس ويكرس التفاوت الاجتماعي، ولا يساهم في التوزيع العادل للثروة الوطنية.

هل من الممكن في رأيك أن تُصلح مثل هذه الإجراءات أعطاب النموذج القديم؟

من الممكن ذلك، لأن النموذج التنموي يحدد الخيارات والاستراتيجيات فيما يتعلق بالشغل والمقاولة، لكن التدابير الإجرائية ليست من مسؤولية اللجنة وإلا ستكون بذلك تتدخل في صلاحيات الحكومة التي من المفروض أنها من يأتي ببرامج حكومية، وتتدخل، أيضا، في صلاحيات الملك. اللجنة لا يجب أن نجعل منها فاعلا عموميا، بل هي مجرد آلية للتفكير والاستشارة، تطرح الخيارات فقط.

بهذا المنطق هناك من يرى أن لجنة النموذج التنموي قد تكون شكلية، وأن تشكيلها هو مجرد كلام ولا فائدة منها..

هذه ليست أول تجربة نعيشها بالمغرب. وفي هذا الصدد أسوق تجربة اللجنة الاستشارية للجهوية، التي كانت تكلفت بإعداد مشروع الجهوية، لاحظنا المقاربة التي اشتغلت بها، فضلا عن تحضير السيناريو، الذي يمكن أن تشتغل به الجهوية المغربية. وهذا الأمر عينه الذي يمكن أن نسقطه على لجنة النموذج التي لا يجب تُحمل أكثر مما تحتمل.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *