بلال التليدي يكتب: المغرب المختلف

02 نوفمبر 2020 - 20:30

في كل محطة يظهر شكل تعاطي المغرب مع التحديات حساسية قراره السيادي، واختلاف حساباته وتقديراته عن كثير من الدول التي تعرف التحديات نفسها.

ففي اللحظة التي اختارت عدد من الدول الخضوع للضغط الإقليمي، ومسايرة طلب بعض القوى الديمقراطية في إحداث ردة ديمقراطية، والدخول في مناكفة مع بعض القوى الإصلاحية، اختار المغرب أن ينأى بنفسه عن هذه الاعتبارات، وأن يدير معادلته الداخلية، وفق ما يشترطه الاستقرار الاجتماعي والسياسي، فاستمرت حكومة بنكيران في عز لحظة خريف الديمقراطية رغم وجود شروط سياسية (انسحاب حزب الاستقلال) كانت تبرر تحول الموقف.

وفي اللحظة التي ضغطت فيها الولايات الأمريكية على المغرب، وبدأت تسرب مخططات عدائية لملف وحدته الترابية تتضمن مشاريع للتقسيم، أعلن المغرب بكل قوة في القمة الخليجية المغربية رفضه لهذه المشاريع، مشهرا ورقة “حريته في نسج تحالفاته” في وجه هذه المخططات، فاتجه الملك عقبها للقاء بوتين وإبرام اتفاقات استراتيجية مع موسكو.

قبلها، اتخذ المغرب موقفا ممانعا إزاء السلوك الذي اتخذته فرنسا في حق أحد رموز المؤسسة الأمنية (الإشعار باعتقاله فوق الأراضي الفرنسية وهو يشارك في لقاء أمني)، وكان المغرب يدرك أن تبرما من سياسته في التمدد في إفريقيا كان يقف وراء هذا السلوك، فاضطر في فعله الممانع أن يوقف التعاون القضائي مع فرنسا، حتى ألجأها ذلك إلى مراجعة موقفها والقبول بواقع حق المغرب في بناء سياسته الخارجية المستقلة.

وتكرر ذلك مع الأزمة الخليجية الخليجية، حينما أرادت بعض المحاور الإقليمية الضغط على المغرب، ومقايضته بضرورة الاصطفاف إلى جانبها في حصار قطر، فاختار المغرب الموقف المبدئي، برفض حصار شعب عربي شقيق، مع البقاء في الموقع الحيادي، الذي يسمح له بالتوسط وبذل المساعي الحميدة  للمصالحة، وربما تحمل المغرب كلفة هذا الموقف، وأيضا كلفة موقفه في صراع الأطراف الليبية، فاهتم ببناء مقاربته الخاصة، بعيدا عن الاصطفاف الإقليمي، تعتمد عدم التدخل وعدم الوساطة، بل فقط إتاحة الفرصة لليبيين للحوار المباشر بينهم، وخلق فضاء إيجابي على أرض المغرب الحيادية، للتوصل إلى اتفاق سياسي مع رفض كل أشكال التدخل الأجنبي في ليبيا من أي جهة كانت.

اليوم، يترسخ هذا المنهج في التعاطي من خلال حدثين اثنين، أولهما موقفه من الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم، والذي جرى التعبير عنه بطريقين، سياسي، من قبل وزارة الخارجية والتعاون، وديني صادر عن المجلس الأعلى العلمي، إذ لم تمنع الصداقة المغربية الفرنسية، من أن يعبر المغرب عن موقفه المبدئي المنافح عن الرموز الدينية، والمحذر من مخاطر عدم التزام الحكمة في التعامل مع هذه القضايا الحساسة، أما الثاني، فهو ما يتعلق بالموقف من التطبيع، إذ في الوقت الذي قوي فيه الضغط على عدد من البلدان العربية والإسلامية، بمحاولة ابتزازها بملفات أو مقايضتها بالإخراج من لائحة الإرهاب كما هو الشأن بالنسبة للسودان أو تقديم مساعدات مالية، بقي المغرب في الموقع الذي كان فيه دائما، معبرا عن رؤية متوازنة تجعل حقوق الشعب الفلسطيني، ومنها قضية القدس الشريف، محددا أساسيا في رسم موقفه.

البعض يعتقد أن خطوة الإمارات الأخيرة بفتح قنصليتها في العيون يعطي إشارة إلى أن المغرب سيقدم على قرارات وشيكة تخالف منهجه، وأنه من الممكن أن يسير في خط التطبيع، أو يحسم في قضية نهاية الإسلاميين في مربع الحكومة، لكن مثل هذا التفسير، يفترض أن المغرب في موقع ضعف، وأن الإمارات لاتزال في موقع القوة الذي يسمح لها بالضغط عليه ومقايضته، والواقع أن العكس هو الذي حصل، فوضع الإمارات ما بين لحظة خريف الديمقراطية واليوم، قد تراجع كثيرا بسبب إخفاقاتها في أكثر من ملف، في ليبيا واليمن، وأيضا بسبب أزمة السيولة التي تعيشها، وتظهر ورقة حفتر المحترقة، ونجاح مساعي المغرب في إنجاح اتفاق بوزنيقة بين الأطراف الليبية، أن مقاربة المغرب مكنته من وضع أقوى، قياسا إلى الوضع التي تعيشه اليوم الإمارات، وأن ما أقدمت عليه الإمارات هو مؤشر تصالحي من جهتها، بعدما مارست غير قليل من الابتزاز من خلال تعبيراتها الإعلامية المستهدفة للوحدة الترابية، وتدل هذه الخطوة، التي تجاوبت مع استراتيجية المغرب في الرغبة في توسيع التمثيليات الدبلوماسية في الأقاليم الجنوبية، على أن الأمر لا يعدو أن يكون رغبة من الإمارات في التصالح، لا تهميدا لتسوية يتراجع فيها الموقف المغربي عن ثوابته السابقة في التعاطي مع القضية الفلسطينية، ومع الشأن السياسي الداخلي.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي