بلال التليدي يكتب: هل آن أوان تغيير قواعد اللعب مع إسبانيا؟

25 ديسمبر 2020 - 18:30

ما من شك أن قواعد اللعب ستجد طريقها للتغير مع اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بمغربية الصحراء، فالجزائر التي كانت تستغل أوراق الضغط الأمريكية على المغرب من أجل تبرير دعمها وإسنادها لجبهة البوليساريو وخدمة أجندتها الخاصة في إضعاف المغرب، قد تغيرت عليها الخارطة تماما، ليس لأن السياسة الدولية أصبحت تسير في اتجاه التخلص من تركة أزمات الحرب الباردة، ومنها النزاع حول الصحراء، ولكن، لأنها أضحت مستنزفة اقتصاديا ومأزومة سياسيا، وفاقدة القدرة للتحرك الاستراتيجي في المنطقة. ولذلك، كان أول تعليق لها على الموقف الأمريكي الجديد من الصحراء، هو تبني لغة التحذير من استهداف منظومة أمنها القومي، أي أنها انتقلت من لغة الهجوم إلى لغة الدفاع.

وعلى الرغم من قرار البوليساريو التحلل من الاتفاق الأمني والعسكري المبرم مع المغرب، لا يمكن أن يتم إلا من إشارة جزائرية، إلا أن هذا الإعلان الذي أعقبته دعاية إعلامية مكثفة حول استهداف عسكري لمواقع عسكرية مغربية، لا يعدو أن يكون لغة موجهة للداخل المنتفض، أكثر منه تعبيرا عن حقيقة موجودة على الأرض.

التقدير أن المشكلة لم تعد هي الجزائر، وإن كان التحدي القادم من جهتها، لا ينبغي الاستهانة به، إنما المشكلة، التي تحتاج لتوجيه النظر الاستراتيجي إليها هي إسبانيا، التي لم تستوعب بعد دلالات تحول الموقف الأمريكي، وتستفيق كل مرة على صدمة قوية تحدثها الاستراتيجية المغربية الذكية.

إسبانيا التي هزمتها الاستراتيجية المغربية في منطقة الشمال، واضطرت إلى أن تعترف بالعبء الثقيل الذي تشكله مدينة سبتة ومليلية على حكومة مدريد المركزية، لا سيما بعد إنهاء تهريب السلع منهما إلى المغرب، وبعد آثار جائحة كورونا المدمرة لاقتصاد المدينتين، هي الآن تدرك، أن المغرب لن يدخل معها دائرة الشراكة الاستراتيجية بنفس معطيات الأمس.

إسبانيا، لم تفهم من تأجيل اللجنة المشتركة المغربية الإسبانية، أن الأمر يتعلق بالوضع الوبائي، وإنما استخلصت منه ما ينبغي استخلاصه، من كون المغرب، دخل منعطفا جديدا في إدارة الصراع حول الصحراء، وأنه لن يقبل أن تستمر إسبانيا بتبني مقاربة تمديد عمر الصراع واستنزاف المغرب، ولذلك، كانت سباقة إلى التقليل من شأن الموقف الأمريكي الجديد من الصحراء، والتذكير بأنه لم يستجد جديد في قضية الصحراء، وأنها لاتزال محكومة بالمحددات التفاوضية التي رسمتها قرارات مجلس الأمن.

ليست ثمة معطيات صريحة حول سبب تأجيل اللجنة المشتركة الإسبانية المغربية، لكن الأمر واضح من رد فعل الخارجية الإسبانية تجاه تصريحات رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، واستدعاء سفيرة المغرب بإسبانيا، أن ثمة توترا في العلاقة، يستبعد أن تكون تصريحات العثماني وراءه، فحديث إسبانيا عن وجوب احترام شركاء إسبانيا لسلامة وأمن أراضيها، موجه بشكل خاص إلى المغرب، وهو ليس بالضرورة جوابا عن تصريحات العثماني، وليس ثمة معطيات تستبعد أن يكون المغرب طلب إدراج نقطة وضع المدينتين ضمن جدول أعمال اللجنتين.

ومهما يكن سبب التوتر البارد بين البلدين في ظل شح المعطيات بهذا الخصوص، فإن تصريحات ناصر بوريطة، التي انتقد فيها مقاربة الأوروبيين في التعاطي مع الهجرة، لا يمكن أن تفصل عن هذا الموضوع، فالرجل، يعتبر أن المغرب بلد عبور لا يمكن أن يحمل وحده عبء هذا الملف، وأن دول المنشأ ودول الوصول تتحمل الجزء الأكبر من هذه المسؤولية.

تصريحات لو اندرجت في سياق آخر غير السياق الوطني الحساس التي تعيشه القضية الوطنية، لفهم منه ضغط المغرب على الاتحاد الأوروبي من أجل مضاعفة الدعم المالي له باعتبار المسؤولية التي يقوم بها لحماية أوروبا من الهجرة السرية، لكن تصريحه في هذه الظرفية بأن المغرب لا يمكن أن يكون دركي أوروبا، هو رسالة موجهة بدرجة أولى إلى إسبانيا باعتبارها المتضرر الأول من هذه الهجرة.

إسبانيا، تمتلك أوراق ضغط مقابلة، تلوح بها في مدافعة المقاربة المغربية، ومن ذلك كشف وزرة العمل الإسباني لمعطيات الهجرة، وعدد المهاجرين المغاربة (في صدارة المهاجرين غير الأوروبيين)، ووجود أكثر من 800 ألف مقيم مغربي بطريقة غير شرعية في إسبانيا، لكنها، تدرك أن هذه الأوراق لا تكافئ أوراق الضغط المغربية، لا سيما ورقة الهجرة. ولذلك، لا تتحمل اليوم تغيير موقفها من الصحراء، لأن حصول ذلك يعني بداية القناعة لديها بضرورة تسليم سبتة ومليلية إلى المغرب.

 

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

مواطن منذ 3 سنوات

و كأنك تتحاشى الخوض في مسألة "الإنفتاح الأخر"… و قد تتفهم أسف متتبعيك لهذا "النأي بالنفس" !

التالي