الموسيقى والغناء في 2020.. الشاعر الغنائي محمد الباتولي: جيل الكتابة الغنائية في المغرب انتهى

03 يناير 2021 - 08:30

لم تكن سنة 2020 سنة عادية على كل المستويات، فالجائحة فعلت فعلها وأوقفت مختلف القطاعات، قبل أن تستأنف هذه الأخيرة نشاطها على ضوء الاحترازات التي فرضتها الدولة لحفظ الصحة العامة. عادت الحياة إلى سيرها، غير أن قطاع الفن، الذي تكشف عمق هشاشته، ظل متوقفا، ونتناول هنا قطاع الموسيقى والأغنية، الذي تشرف على تدبيره وزارة الثقافة والشباب والرياضة، والذي أصابه الشلل بفعل إغلاق المسارح ومنصات العرض، وتوقف المهرجانات والحفلات الرسمية والخاصة كالأعراس، والنوادي الليلة، وما شابهها من فضاءات الترفيه التي تعتمد الموسيقى والغناء.

في مقارنة للأغنية لمغربية ما بين الأمس البعيد واليوم، يرى الشاعر الغنائي الرائد والإعلامي المدير السابق للإذاعة الموسيقية «شدى إف إم» أن أغاني الرواد هي التي مازالت تعيش معنا وتحظى بالتقدير، في حين أن أغاني الجيل الجديد، الموسومة بسرعتها، لا تعيش أكثر من أسبوع إلى عشرة أيام، وفي أقصى تقدير لا تتعدى الشهر.

ويواصل الباتولي مؤلف رائعة «كان يا مكان» للموسيقار عبد الوهاب الدكالي: «قديما، كانت لدينا إذاعة واحدة هي الإذاعة الوطنية، وكل الفنانين يسجلون أعمالهم مع الجوق الوطني، ويقدمون أغانيهم. وفي كل موسم نكون أمام أغنيتين أو ثلاث تثير «ضجة» بتميزها. أما في واقعنا الحالي، المغرب فيه 13 إذاعة خاصة، وثلاث إذاعات وطنية، فضلا عن الإذاعات الجهوية، وجميعها تذيع الأغاني نفسها، ولا نعثر في النهاية على أغنية واحدة يمكنها أن تستمر حية، كما هو الشأن

بالنسبة إلى أغنية «نداء الحسن» التي أنجزت سنة 1975، ومازال يرددها الصغير والكبير إلى اليوم، وأغنية «كان يا مكان» التي صدرت سنة 1985».

حديث الباتولي عن حقيقة ما يسم هذا الجيل الموسيقي لا يعني أنه ضدهم، حسب تعبيره، لأنه يشتغل مع بعض الشباب في أعمال جديدة، شباب يحترم الفن لذاته.

ويواصل الباتولي مقارنته معتبرا أن الشباب اليوم «يعتمد على نسبة المشاهدات، وهذه هي الأخرى تباع وتشترى، وهكذا صارت الموسيقى تجارة برأيهم، تعتمد أيضا شحن «اللايكات» وشحذ «البارتاج». أما قديما، فكان الفنان ينجز الأغنية بقلبه أولا، يحفظها ويقدمها بحب، ويحفظها الناس معه ويرددونها، بعد سماعها على أثير الإذاعة أو التلفزيون، وتنتشر وتشتهر لأن أصلها صادق. فهي أعمال نذرت أولا للفن في ذاته، بخلاف ما نراه اليوم.

هل يدفعنا هذا الواقع إلى إنكار وجود أغان صُنعت بذوق عال للفن في حد ذاته؟ سؤال للجريدة يجيب عنه الباتولي، فيقول إنه حتى إن أبدع أحد ما، وأنجز أغنية بمواصفات فنية حقة، فإنها تضيع وسط هذا الضجيج. فلا نراها ولا نسمع عنها، وينطبق الشيء نفسه على مجالات أخرى، بينها المسرح، الذي كان يحدد أفضل ما أنجز وانتشر كل سنة ويناقش وما إلى ذلك. اليوم لم يعد هناك شيء من ذلك.

وفي رد على سبب هذا الفراغ الفني، وسط ضجة ما يطلق عليه اليوم، بشكل «مميع»، فنا؟ يوضح الشاعر الغنائي الباتولي أنه لم يعد هناك مجال، اليوم، للحديث عن عمل بخصائص إبداعية، مع جيل جاف بلا روح رومانسية، لا يقرأ الرواية ولا المسرح، ويكتفي بالتجول بين مواقع التواصل الاجتماعي، مجرورا ومنفلتا إلى التفاهة، إلى ما لا صلة له بهويته ولا بما يشكل الهوية المبدعة، وهذا سبب عدم تشكل ذوق فني لدى هذا الجيل، على عكس القدامى الذين كانوا ينجزون أعمالا بنفَس رومانسي وبخلفية أدبية.. فكتاب الكلمات والنصوص عموما، كانوا يقرؤون ويحققون الإشباع الروحي، فتجد الواحد منهم يقرأ ليوسف السباعي، ولنجيب محفوظ، ويبحث في جديد المكتبات، ويسمع أغاني عبد الحليم حافظ والقصائد التي تؤديها أم كلثوم ومن ماثلها، وما إلى ذلك.

الإبداع المغربي اليوم، حسب الباتولي، كله في خطر، سواء في ما يخص الكتاب أو الموسيقى أو المسرح والسينما أيضا.. الذوق حاد عن صوابه. اليوم نحن في زمن آخر. زمن الأنترنت الذي حقق الانتشار للأعمال، لكن ليس للأعمال الحقيقية، والأعمال الإبداعية التي تستحق. ولا مفر للإنسان المدرك لهذا الواقع اليوم من تحصين نفسه من الرداءة التي تزحف ليل نهار.

ويخلص الشاعر الغنائي الباتولي في حواره مع الجريدة إلى أن «جيل الكتابة الغنائية في المغرب انتهى، ويمكنني القول إنني واحد من آخر الرواد الذين مازالوا على قيد الحياة، فقد رحل علي الحداني والطيب لعلج وحسن المفتي والطنجاوي وعمر التلباوي، الذي غادرنا في شهر دجنبر من هذا العام.. مات الجيل الذي يكتب أغنية بمعناها الحقيقي، اليوم صارت كلمات الشارع هي السائدة في ما يسمونه إبداعا. قديما كانت هناك لجنة تحرص على قيمة الكلمة، وعلى المشاعر. كانت لدينا كلمات رفيعة، اليوم نحن أمام تركيب كلمات ذات طابع مباشر وأحيانا كثيرة كلمات شارع على إيقاعات موسيقية.. جيل اليوم يصنع أغنية بمواصفات رديئة، باستثناء قلة، ضمنها سعد المجرد الذي اهتم أكثر بالتلوينات الموسيقية، لكن هناك ضعف واضح في أعماله في ما يخص الكلمة.. جملة أو جملتان إلى ثلاث داخل إيقاع معين.

لقد تحسنت اليوم الظروف المادية، وصار الملحن وكاتب الكلمات يتقاضى مقابلا جيدا، ويتقاضون مقابل حقوق التأليف، لكن، في المقابل، ضعُف مستوى الإبداع، إن لم نقل إنه انعدم».

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي