فيديو: عبد الله آيت الشريف
محمد عبد السلام، هو الأمين العام لـ”اللجنة العليا للأخوة الإنسانية”، وهي هيئة انبثقت عن وثيقة الأخوة الإنسانية التي وقعها كل من إمام الأزهر الشريف أحمد الطيب، وبابا الفاتيكان فرانسيس الثاني في فبراير 2019… وقد زار محمد عبد السلام المغرب بداية هذا الشهر؛ للقاء مسؤولين وشخصيات مغربية… عن هذه الزيارة وأهداف اللجنة كان معه هذا الحوار.
في أي إطار تأتي زيارتكم للمغرب؟
الزيارة تأتي في إطار التقدير لتاريخ المغرب في تعزيز التعايش والتسامح والإخاء بين الإنسانية. لا يمكن لباحث يعمل في مجال التسامح ألا يزور المغرب قاصدا الفكر والثقافة ولقاء العلماء؛ لأنه بلد ذو تاريخ في هذا المجال.
هل التقيتم بمسؤولين مغاربة؟
التقيت مع بعض المسؤولين للتحاور والتشاور بشأن تعزيز مبادرات الأخوة الإنسانية. فالمغرب بلد داعم للأخوة الإنسانية بحكم طبيعته وتاريخه وإرثه، وأيضا زرت “مركز بحوث السلام” بالرباط، وهو مركز جديد، لكنه واعد في تقديم أطروحات فكرية تعزز ثقافة السلم، والحقيقة أن المركز ليس مركزا شكليا ولا مجرد مركز بحثي، وإنما هو مركز صاحب رسالة عميقة في إيجاد مصادر معرفية ومبادرات وطرح مشروعات فكرية تسهم في تعزيز وتفعيل مبادئ الأخوة الإنسانية.
كيف كان لقاؤكم مع وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية؟
اللقاء مع معالي الوزير كان لقاء مثمرا للغاية، استمعت فيه إلى مجموعة من النصائح والإرشادات التي تؤصل لفكرة الأخوة الإنسانية، ورؤيته باعتباره مثقفا كبيرا ومؤرخا يشار إليه بالبنان في المغرب العربي. ودار اللقاء حول الكثير من المبادرات التي يمكن التعاون في تنفيذها مع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في هذا المجال، والحقيقة أننا وجدنا كل الدعم والتقدير لوثيقة الأخوة الإنسانية وللعمل والمبادرات التي نقوم بها. وسنعمل في المستقبل القريب على عدة مشاريع، ستجد صداها ليس في المغرب فقط بل في دول أخرى. فنحن عندما نتعاون مع العلماء وكبار المثقفين ومن لديهم تاريخ في هذا المجال نتعاون معهم من أجل تعزيز هذه الثقافة في العالم، وتحقيق الأخوة الإنسانية عالميا، وليس فقط محليا، لأن هؤلاء لديهم خبرات وشراكات ومواقف كثيرة ويمكنهم أن يفيدوا في هذا المجال، ووثيقة الأخوة الإنسانية تعد دليلا على الطريق، ونعول على شخصيات من مستوى الفكر الذي رأيته عند الوزير أحمد التوفيق.
تحدثتم في كتاب لكم عن الطريق الصعب الذي قطعته مبادرة الأخوة الإنسانية هل يمكن أن توضحوا أكثر ما هي طبيعة هذه الصعوبات؟
الطريق كله صعب. بين الإسلام والمسيحية الكثير من المشتركات التي تعزز السلم الاجتماعي والحوار والمؤاخاة، ولكن أتباع الإسلام وأتباع المسيحية تنازعوا كثيرا، وبعض هؤلاء في حقب معينة رفعوا شعار الدين في الحروب وخاضوا صراعات كثيرة، وحتى في العصر الأخير، ظهرت هذه الصعوبات. وعندما جاء إمام الأزهر الشريف، أحمد الطيب والبابا فرنسيس، كان الطريق مغلقا، إغلاقا كاملا، وكان هناك تجميد للعلاقات بين المؤسسة الإسلامية العريقة الأزهر الشريف، ومؤسسة الفاتيكان. ومن الوهلة الأولى يظهر مدى صعوبة هذا الطريق، لأنه لا يوجد حوار، وهناك قرار بتجميد العلاقات، ولجنة الحوار التي كانت موجودة بين المؤسستين توقفت عن العمل، ولا يوجد أي اتصال من أي نوع بين المؤسستين، فهذا كله دليل على أن هناك أزمة كبيرة، ولكن قرر الرمزان البابا وإمام الأزهر أن يتجاوزا هذه العقبة، تسلحا بالإرادة والعزيمة القوية، في مواجهة من لا يقبلون بالفكرة. وحينما قرر إمام الأزهر، أن يبعث رسالة تهنئة للبابا فرنسيس بمناسبة تنصيبه، كانت هناك أصوات شديدة داخل الأزهر ضده، وهناك من اعتبر ذلك تنازلا من المؤسسة الإسلامية الأكبر، وأن هذا يعد تسليما بما قاله البابا السابق عن الإسلام والمسلمين ونبي الإسلام، ولكن هذه الجرأة في القرار لشيخ الأزهر بعد التشاور؛ كان لها ما بعدها من تدليل الكثير من العقبات.
بعد ذلك كانت هناك صعوبات أخرى، منها أن الإمام الأكبر زار البابا فرنسيس في الفاتيكان، ردا على تهنئة البابا للإمام الأكبر بمناسبة شهر رمضان، ثم زار البابا مصر، وكان هذا تحديا، فكيف سنظهر أمام العالم؟ وهل سنبقي أمام صورة بروتوكولية بين قادتي الديانتين، حينما يلتقيان ويحضن كل منهما الآخر، في حين أن القلوب بين الناس غير صافية، والعزلة والابتعاد هو السائد، والهوة تتسع كل يوم بين الأتباع لأنهم معذورون لأنهم لا يجدون القدوة. والحقيقة أن الإمام والبابا أرادا أن يثبتا للجميع أن الأمر لم يعد بروتوكوليا، وأذكر أن كلاهما قرر في نفسه دون أن يتفق مع الآخر أنه لا بد من الارتقاء حتى على فكرة حوار الأديان إلى مرتبة أخرى؛ وهي الشراكة بين الأديان من أجل الإنسانية، والإمام والبابا من وجهة نظري، وجدا بينهما محبة صادقة بعد مرحلة الحوار، وكأني أسمع كلا منهما يقول للآخر هل سنبقى مدى الدهر نتحدث عن أهمية أن نتحاور مع بعض؟ أم أنه آن الأوان لنكون مع بعض من أجل الإنسانية جمعاء؟ وأعتقد أنهما تجاوزا عقبات كثيرة.
قلت بأن هذه المبادرة لا يجب أن تكون مجرد صورة بروتوكولية، فماذا تحقق على أرض الواقع حتى لا تكون كذلك، ولا تبقى مجرد التزام مرتبط بشخصيتي إمام الأزهر والبابا؟
يمكن اعتبار حدث توقيع الوثيقة بمثابة “دولة فكرية حديثة” تم وضع دستورها المؤسس، وأنا لا أتحدث عن دولة بالمعنى السياسي. إنه دستور مؤسس للأخوة الإنسانية في العصر الحديث، لأنه لم يحدث في التاريخ القديم أو الحديث أن التقى أهم الرموز الإسلامية في العالم، مع أحد أهم الرموز المسيحية في العالم، واتفقا ووقعا التزاما أدبيا. وبعد توقيع الوثيقة كان هم هذين الشخصيتين هو ما طرحته في السؤال، كيف يمكن تحقيق هذه الوثيقة في واقع الناس؟
ماذا تحقق إذن بعد توقيع الوثيقة؟
لأول مرة بعد التوقيع على الوثيقة، تم الاتفاق على تشكيل لجنة دولية من أهدافها الأساسية تحقيق أهداف الوثيقة. وبالفعل تم تشكيل “اللجنة الدولية للأخوة الإنسانية”، وفي هذه اللحظة كانت مبادرة استضافة محمد بن زايد، ولي عهد أبوظبي للمبادرة، ولهذا قرر إمام الأزهر والبابا إطلاق الوثيقة من أبوظبي علما أنه لم يكن ذلك مرتبا. وتعهد محمد بن زايد، للبابا والإمام، بأنه سيعمل على تفعيل الوثيقة، وكان شريكا في اتفاق إنشاء اللجنة العليا للأخوة الإنسانية، واستضاف واحتضن اللجنة على أرض أبو ظبي وقدم لها الدعم. ثم أطلقنا مبادرة جائزة زايد للأخوة الإنسانية، وهي جائزة دولية مستقلة كليا، بحيث لا يوجد عضو واحد إماراتي في لجنة تحكيمها. ففي كل سنة تعين لجنة تحكيم الجائزة، من طرف اللجنة العليا للأخوة الإنسانية. مثلا اللجنة السابقة ترأستها رئيسة كندا سابقا، ورئيسة إفريقيا الوسطى السابقة، ونائبة رئيس أندونيسيا السابقة، ووكيل الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون الإبادة الجماعية ومكافحة الكراهية.
هذه شخصيات دولية لا تجمعها علاقة بالإمارات العربية، بل منها من انتقد الإمارات نقدا لاذعا في موضوع حرب اليمن، وهو وكيل الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون الإبادة الجماعية، وهو نفسه الذي صرح بعد اجتماع لجنة الجائزة، بأنه يتمنى أن يجد قادة كثيرين، مثل قادة الإمارات.
كم قيمة الجائزة؟
الجائزة قيمتها مليون دولار، تضعه حكومة الإمارات في صندوق وقف زايد، تحت تصرف لجنة الأخوة الإنسانية دون شرط. ولجنة الأخوة الإنسانية، تتصرف حسب ما تراه لجنة التحكيم.
أول جائزة سلمت فعليا لكل من انطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة والمغربية الناشطة لطيفة بنزياتن، لماذا هاتين الشخصيتين؟
لقد تشرفت بأنني كنت عضو لجنة تحكيم هذه الدورة، وأقول بصفتي الأمين العام للجنة الأخوة الإنسانية، بأنه من أجل مزيد من الاستقلالية، ينص نظام الجائزة على أن الأمين العام للجنة الأخوة الإنسانية، يكون عضوا في لجنة الجائزة، ولكن ليس له صوت. فهو يتلقى الترشحيات، ويعرضها على اللجنة التي تتخذ القرار.
واللجنة كانت في غاية الحكمة والدقة باختيار كل من لطيفة وغوتيريش. وهنا أشير إلى أن الترشيحات تبقى سرية لمدة 30 سنة، لا يجوز الكشف عنها. لقد وردت علينا ترشيحات من مختلف دول العالم، ولكن لا يمكن لأي أحد أن يقدم ترشيحه مباشرة، في حين المؤسسات هي التي ترشح مثل البرلمانات والدول والجمعيات والشخصيات العامة التي لها تاريخ في السلام، ويعلن عن الجائزة، في 4 فبراير تاريخ إطلاق الوثيقة.
أيضا طرحنا مبادرة على الأمم المتحدة باعتماد يوم توقيع وثيقة الأخوة الإنسانية في 4 فبراير 2019، يوما دوليا يتم الاحتفال به كل عام، وقد اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا القرار.
وفي مجال التعليم ماذا تحقق؟
لدينا مشروع البيت الإبراهيمي، وهو معلم تاريخي يؤكد وحدة الطريق البشري وخصوصية الأديان، وهي الرسالة العامة. نظام البيت الإبراهيمي مبني على هذا الأساس، فهناك طريق واحد، ثم هناك مسالك لكل دين. المسيحي، يدخل إلى كنيسته، والمسلم إلى مسجده، واليهودي إلى كنيسه.
حاليا، يتم تدريس الوثيقة من طرف أكثر من مليوني طالب في الأزهر الشريف، وتعتمد في مناهج الدراسة في الإمارات، ولبنان، والمدارس الكاثوليكية، حول العالم، التي تضم أكثر من 100 مليون. وفي أندونيسيا بدؤوا يدرسون بعض المقتطفات، ولنا لجنة خاصة بالتعليم، برئاسة إلينا بوكوفا الرئيسة السابقة لليونيسكو، وهي رئيسة لجنة التعليم، في اللجنة.
لماذا الأخوة الإنسانية فقط بين المسلمين السنة، والمسيحيين الكاتوليك؟
مع الأسف هذا غير صحيح، ما يجعل الناس يطرحون علي هذا السؤال في كل لقاء، هو أن البابا وإمام الأزهر تصدوا لهذا المشروع بحماس وجرأة، وبرزوا فيه، ولكن في توقيع الوثيقة حضر الجميع. وهي تنص على أنها ليست للمسلمين والمسيحيين فقط، إنما هي لكل الناس حتى غير المؤمنين بالأديان، وهي أول وثيقة عن رجال دين تقول إن الوثيقة للمؤمنين ولغير المؤمنين، وهذا اعتراف إنساني بحث. أيضا لجنة الأخوة الإنسانية تضم يهودا في اللجنة، منهم كبير حاخامات واشنطن، وشخصيات ليبرالية. فالوثيقة وضعت للإنسانية.
هل يمكن للجنة القيام بردود فعل ضد بعض مظاهر الكراهية ورفض الآخر؟
من صلاحية اللجنة القيام بأي شيء يخدم الأخوة الإنسانية، ولكن نعمل أساسا على تعميق فكرة الأخوة الإنسانية، ونزرع ما سيجده الآخرون مستقبلا. هناك عدد من الطلبة الذين يدرسون اليوم الأخوة الإنسانية، ولم أتوقع في الأزهر الشريف، وهي مؤسسة إسلامية عريقة، أن نجد ذكر اسم بابا فرنسيس في المناهج التي يعتمدها. البعض يقول وما التأثير الذي أحدثته الوثيقة، وأنا أرد أن هذا في حد ذاته تأثير كبير، لم يستطع دعاة التسامح في العالم تحقيقه سواء في العالم الإسلامي أو المسيحي. اليوم في الكنائس الكاتوليكية، الكل يتحدث عن وثيقة الأخوة الإنسانية التي وقعها البابا وإمام الأزهر.
هل يمكن للجنة العليا للأخوة الإنسانية التصدي لمظاهر الكراهية ورفض الآخر؟
اللجنة تتصدى لأي مظاهر كراهية أو فرقة؛ لكن لا تتدخل في سياسة الدول، وإذا كانت هناك ظاهرة تهدد الأخوة، والتسامح؛ بالتأكيد اللجنة تتصدى لها.
[youtube id=”94LkeE0k4jk”]