كلما بدأ موسم رياضي جديد في البطولة الاحترافية، إلا والكل ينتظر كم من مدرب سيغادر فريقه، وفي أي جولة سيتم التضحية بأول ربان، وما هو الفريق الذي سيفتتح مسلسل إقالات المدربين، ومن هو الإطار الوطني أو الأجنبي الذي سيضع استقالته، لتكون بذلك ظاهرة تغيير المدربين حالة مستمدة من الممارسة الهاوية تحت جلباب الاحتراف، كما سماها مختصون في المجال الرياضي.
بطولة هذا الموسم شهدت أسرع إقالة مدرب في العالم، بعدما قام سريع وادي زم بالتخلي عن مدربه فؤاد الصحابي بعد مرور جولتين فقط، وهو الذي كان له دور كبير السنة الفارطة في إنقاذ الفريق من الهبوط إلى القسم الاحترافي الثاني، ليعود الفريق ذاته ويقيل مدربه منير الشبيل الذي تولى القيادة خلفا للصحابي، بعد فشله في تحقيق الانتصارات.
وسار اتحاد طنجة على نفس منوال السريع، بعدما أقال هو الآخر مدربه بيرنارد كازوني، الذي فشل في قيادة الفريق لتحقيق النتائج الإيجابية، لتجد اللجنة المؤقتة لتسيير فارس البوغاز في الركيك المنقذ.
وكان محمد أمين بنهاشم أول المدربين المستقيلين من منصبهم هذه السنة، بعدما قدم استقالته من منصبه كمدرب للفتح الرياضي، جراء النتائج السلبية، التي لحقت بالفريق، منذ بداية الموسم الرياضي الحالي، ليجلس مكانه جمال السلامي في دكة البدلاء في انتظار ما سيقدمه، علما أن الفتح كان معروفا بالاستقرار الذي يتميز به، إلا أنه أصيب هو الآخر بالعدوى هذا الموسم.
ولم يسلم فوزي جمال من ظاهرة تغيير المدربين، بعدما قرر أولمبيك آسفي التخلي عنه لفشله في تدبير المرحلة، وقيادة القرش المسفيوي للانتصارات، ليتولى عبد الرحيم طاليب القيادة في مكانه.
ولحق الرجاء الرياضي بالركب، بعدما فك ارتباطه هو الآخر بمدربه التونسي لسعد جردة الشابي، لعدم اقتناع المكتب المديري الجديد برئاسة أنيس محفوط بمؤهلاته، ليتم إسناد المهمة للبلجيكي مارك فيلموتس.
وكان أولمبيك خريبكة آخر من أقال مدربه، بعدما قرر التخلي عن عزيز كركاش أمس الإثنين، جراء النتائج السلبية التي لاحقت الفريق في موسمه في القسم الاحترافي الأول، بعد تحقيقه الصعود السنة الماضية.
ظاهرة تغيير المدربين تتكرر كل سنة
وفي هذا الصدد، قال سفيان الرشيدي معلق رياضي بقناة الرياضية، في تصريح خص به “اليوم24″، إن “أغلب النوادي المغربية تفتقد لمشروع رياضي يتبناه أي مكتب مسير قبل ارتباطه سواء أخلاقيا أو رياضيا مع النادي”، مشيرا إلى أن “هذا المشروع في أي نادي عالمي يسهر عليه مدير رياضي، الذي يجب أن يحترم فيه مجموعة من المواصفات من قبل الخبرة في مجال كرة القدم من الجانب العلاقاتي، وضبط الجانب المؤسساتي، لأنه عادة المدير الرياضي في كل النوادي الأوربية هو من يسهر على التعاقد مع المدرب، وعلى ضبط التعاقدات وفق المواصفات التي يحددها، وهذا ما لا يتوفر في المغرب، ما يجعلنا نشاهد أن الرئيس هو من يسهر على ماهو إداري وتقني، مما يخلق فوضى في التسيير وانعدام الثقة بين الجميع”.
عبد الله هيدامو اللاعب السابق للجيش الملكي ومدرب الفريق للسيدات، هو الآخر أكد في تصريحه للموقع، أن “ظاهرة تغيير المدربين في البطولة الاحترافية هي قديمة وليست وليدة اللحظة، كون أن الجمهور والمسؤولين يعتمدون على النتائج حتى ولو كان المدرب متميزا”.
وأضاف هيدامو، أنه من “الضروري أن يكون هناك اتفاقيات بين المسؤول والمدرب قبل التعاقد وفق استراتيجية تكتب في العقد، مستدركا بأنه ولو كان ما ذكر مكتوب فالضغط الجماهيري يجعل المسؤولين يقيلون المدرب، لأنه الحل الأسهل بالنسبة إليهم”.
وتابع هيدامو، بأن “هذه الظاهرة صعبة للغاية متمنيا أن لا يكون العقد الذي يربط الطرفين مبنيا على النتائج فقط، مؤكدا بأنه وجب التحلي بالصبر بغية تحقيق الأهداف المسطرة بين الطرفين”.
وسار الناقد الرياضي منعم بلمقدم على نفس منوال سابقيه، بعدما أكد في تصريح خص به “اليوم24″، أن “ظاهرة تغيير المدربين في البطولة الاحترافية هي حالة تكرر كل سنة وبنسق أكثر ارتفاعا، وأيضا تفرز مظاهر غريبة جدا، منها سيطرة الأطر الأجنبية وغياب المنتوج المحلي الذي في طريقه نحو الانقراض إن جاز التعبير”.
وأضاف بلمقدم. أن هذه “الظاهرة من صميم ثقافة المسير المغربي الذي يجعل دائما المدرب هو الضحية وكبش الفداء، وهو العنصر المسؤول عن تردي النتائج، لأنه في المغرب يتم العمل على عكس التيار، فمثلا في مانشستر يونايتد الإنجليزي “ولو لا مجال للمقارنة” الذي راكم العديد من الإخفاقات والهزائم صبر على المدرب أولي جونار سولشاير النرويجي لفترة طويلة، لغاية استنفاد كافة هوامش الخطأ المتاحة لديه، في المغرب يوجد العكس، لذلك لمسنا سريع وادي زم مثلا أقال مدربه فؤاد الصحابي الذي كان سببا في إنقاذه من الهبوط الموسم الماضي بعد دورتين فقط، وأندية غيرت مدربيها بعد مرور خمس دورات”.
وفي مداخلة لضياء الدين الطرشاوي، الباحث في علوم الرياضة الحديثة والتدبير والتسير الرياضي، أكد أن “ظاهرة تغيير المدربين كانت ولا تزال موجودة على كل المستويات وفي كل بلدان العالم، لكنها في المغرب أخذت هذا الموسم أبعادا وصيغا جديدة بين الرحيل الإرادي والترحيل القصري، سواء عند النجاح أو الإخفاق بقرار من الإدارة التي تحمله مسؤولية الإخفاق فتقوم بترحيله، أو بقرار من المدرب ذاته، الذي زادت أهميته وقيمته وصار يبحث عن آفاق أخرى في أندية أفضل تمنحه الوقت والمال الوفير، خاصة إذا أدرك صعوبة تكرار الإنجاز الموسم المقبل، أو تأكد أن الإدارة لن توفر له الموارد المالية التي تسمح له بتدعيم الفريق للحفاظ على مستواه فيفضل الرحيل”.
وتابع الطرشاوي، أن “ظاهرة أو إشكالية تغيير المدربين بوتيرة سريعة خلال الموسم الرياضي بعد عدة دورات أو فترة تعيين قصيرة للطاقم الفني لفريق معين داخل البطولة الوطنية بكل أقسامها، راجعة لعدة أسباب وخلفيات منها ما هو تدبييري وتسييري ومنها ما هو مالي اقتصادي ومنها ما هو تقني ومنها ما هو مقرون بالنتائج والمؤشرات”.
مردود اللاعبين يتأثر بشكل كبير بسبب التغيير المستمر للاعبين
ويبقى اللاعبون أكثر تضررا من هذه الظاهرة، خصوصا وأنهم دائما ما يجب عليهم التأقلم مع خطط مدربي فرقهم، وهو ما يفقدهم الكثير من إمكانياتهم ويصبح أداؤهم في تذبذب مستمر.
وقال سفيان الرشيدي إن “تغيير المدربين بكثرة يؤثر بشكل كبير على المردود الفني للاعبين، مشيرا إلى أنه في البطولة الاحترافية يتم إقالة المدرب بعد مرور أربع أو خمس جولات ثم يأتي مدرب جديد بفلسفة جديدة ويفرض التعاقد مع لاعبين آخرين ويضحي بآخرين وفق أحكام تكون جاهزة، ما يفقد التجانس بين المجموعة ككل”.
غياب مشروع رياضي سببا مباشرا في كثرة الإقالات والاستقالات
ويبقى غياب مشروع رياضي قائم بذاته بين المسير والمدرب هو السبب المباشر وراء كثرة الإقالات للمدربين، الذين يتم التضحية بهم بمجرد ما تدير النتائج السلبية ظهرها لهم.
ضياء الدين الطرشاوي عاد ليؤكد في مداخلته بأنه “يجب على النادي حين يتفاوض مع المدرب أن يضع مشروعا واضح المعالم، سقفا تنافسيا عاليا، متسائلا عن هل يوفر الفريق إمكانيات كاملة، تعاقد مع لاعبين حسب الطلب والإمكانيات المادية. هل أهداف النادي مسطرة؟ هل هنالك ضمانات على استمرار النهج على ما هو عليه طيلة الموسم أو طيلة عقد المدرب الساري المفعول؟ وهل للمدرب اختيار كامل أم مفروضة عليه أسماء معينة وتدخل الإدارة في قراراته؟”.
وواصل الطرشاوي، أنه “أحيانا تكون الخسارة مقصودة لتفادي أداء محفزات اللاعبين وهذا راجع لسياسة التقشف، ما يجعل أن هم النادي منذ البداية ليست المنافسة وأحيانا عكس توقعات وأهداف اللاعبين والمدرب والطاقم التقني، وفي الأخير نحمله المسؤولية ونشكك في كفاءته ونبحث عن آخر، والتاريخ يعيد نفسه إلا من كانت له ضربة حظ أو شخصية قوية ويعلم تقاليد التعاقد الاحترافي وهنا نفتح قوسا… “لماذا المدرب الأجنبي يحرج الفرق ويضغط عليها من خلال عقود فسخ واضحة وكبيرة أحيانا تحفظ كرامته والإطار الوطني ملزم بالصبر والتعاون إلى آخره…؟”.
وعاد سفيان الرشيدي ليؤكد أن “النوادي المغربية عليها أن تؤمن بمشروع رياضي وبأن كرة القدم قد تغيرت، ومبنية على أسس علمية وليست عاطفية، كما يجب أن تكون هيكلة إدارية على أعلى مستوى وكل حسب تخصصه”.
وفي السياق ذاته، أشار منعم بلمقدم إلى “أننا أمام حالة استثنائية وشادة، وتعكس حجم التخبط والتردي التقني وربط المسؤولية والنتائج دائما بالمدرب، لأنه لا وجود لمسير يريد أن يتحمل مسؤولية أعماله، وعادة لا يغير 11 لاعبا ويكتفي بالحل الأسهل وهو التضحية بالمدرب، لتبقى هذه الظاهرة حالة مستمدة من واقع الممارسة الهاوية تحت جلباب الاحتراف”.