أساتذة بمعهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة يدقون ناقوس الخطر

01 ديسمبر 2021 - 18:00

توصل موقع “اليوم24″، بتقرير موقع باسم مجموعة من أساتذة معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة بالرباط، حول تدهور وضعتيه، وتراجع إشعاعه، وسوء تدبيره. وفيما يلي نص التقرير..

 

تأسس معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة سنة 1968 من أجل تدريب وتخريج المهندسين الزراعيين والأطباء البياطرة. ويعتبر هذا المعهد بمثابة مؤسسة عمومية، تتمتع بالشخصية المعنوية، وبالاستقلال المالي. كما يخضع للوصاية الإدارية لقطاع الفلاحة، والوصاية الأكاديمية لقطاع التعليم العالي والبحث العلمي. ويضطلع المعهد بثلاثة أدوار رئيسة: التكوين، والبحث العلمي، والتنمية.

نتطرق في هذا المقال إلى أهمية هذه المؤسسة الجامعية والدور الحيوي الذي تقوم به في الاقتصاد الوطني، ثم عن أبرز التحديات التي تواجهها.

مرحلة التألق

منذ السنوات الأولى من انطلاق المعهد، تبنت إدارته وطاقمه العلمي طموحات جريئة، مكنتهما -بفضل تدبير محكم- من الاصطفاف ضمن أفضل المعاهد على المستوى الإفريقي والعربي، إذ ما فتئ المعهد أن تحول إلى معلمة تاريخية، وصرح علمي رائد، كان له الفضل، على مدى أزيد من نصف قرن، في تكوين آلاف الأطر الفلاحية، ذات المستوى العلمي والتقني الرفيع، والتي كان لها بدورها إسهام كبير في تنمية وتطوير الفلاحة الوطنية، والتنمية القروية، وتحقيق الأمن الغذائي. كما خرّج المعهد أزيد من ألف مهندس ومهندسة، وطبيب وطبيبة أجانب، مما أسهم في إشعاع المغرب على مستوى القارة الإفريقية،ورسخ التعاون الدولي والديبلوماسية الموازية.

دامت المكانة الرائدة للمعهد الزراعي لعقود، بفضل جهود طاقمه المتكون من أساتذة ذوي تكوين صلب، وخبرات عالية، مكنتهم من احتلال الصدارة، والتربع على العديد من المنظمات الوطنية والدولية، في شتى المجالات المرتبطة بالزراعة، وتربية المواشي، والصحة الحيوانية، والصناعات الغذائية، والهندسة القروية، والصيد البحري، الخ. كما خرج المعهد كفاءات وطنية معتبرة احتلت أعلى المناصب الإدارية والحكومية وخاصة الوزارية.

لكن وهج هذه المنارة العلمية والتقنية بدأ يخفت، بشكل تدريجي خلال العشريتين الأخيرتين لأسباب متعددة، منها ما هو ذاتي داخلي، ومنها ما يندرج في سياق محاولات خارجية مستميتة، للتحكم في مسار هذه المؤسسة، التي أضحت لعقود مضت عصية على كل محاولات التدجين والتحكم.

 

عوامل الأفول

هنالك عدة عوامل كان لها الأثر البالغ على مسار المؤسسة، وصلت حد التحول التاريخي، وتمثلت بداية المنعطف في تنزيل القانون الإطار 01.00 الذي لم يراع كفاية الخصوصيات التنظيمية والتدبيرية، وكذلك المالية للمدارس العليا لتكوين الأطر، مما أثر سلبا على أنشطة البحث العلمي داخل المعهد، إثر التوقف التام لمركز دراسات الدكتوراه.

كما شكل فقدان المؤسسة لضيعتين فلاحيتين، بسبب الفشل في تدبيرهما ضربة موجعة للتكوين التطبيقي الميداني، والتداريب التقنية، وكذلك للبحث العلمي التطبيقي. وبالموازاة مع ذلك، ساهم ضعف التدبير الإداري في الحد من منسوب الاعتمادات المادية، واللوجستية المخصصة للتداريب الميدانية، والتي كانت دائما بمثابة علامة تميز للتكوين بالمعهد الزراعي.

من جهة أخرى، تسبب التدبير الارتجالي، وسوء تقدير الأثر اللذان طبعا تطبيق برنامج المغادرة الطوعية في تآكل الرأسمال البشري، في الوقت الذي أصبح فيه إعداد وتوفير الخلف ضرورة حيوية، ترهن مستقبل المعهد الذي أفرغ بشكل مفاجئ من خيرة أطره،وجلهم ما كانوا ليغادروا لولا أن أخذ منهم اليأس والإحباط مأخذهما.

علاوة على ما سبق، تعرض معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة في الحقبتين الأخيرتين لحملة غير مسبوقة من محاولات التحكم في قراراته وتدبيره، بسبب التدخل الغير قانوني في تسيير شؤونه الداخلية من قبل أطراف خارجية، تحسب على الوزارة الوصية. وقد نتج عن ذلك حالة من عدم الاستقرار نظرا لتوالي التعيينات في منصب مدير المؤسسة (ست مدراء في غضون عشر سنوات)، وذلك بالموازاة مع قلة احترام وتفعيل المبادئ التي تحث على الكفاءة عوض المحسوبية ومنطق الولاءات. إن هذا الأسلوب الممنهج في توالي التعيينات في منصب مدير المؤسسة بصفة متسارعة، قد أحدث إرباكا كبيرا للسير العادي لهذه المؤسسة حيث ساهمت جائحة “كوفيد-19” في تفاقم مشاكلها.

إن منطق المحسوبية الذي طبع جل التعيينات التي عرفها المعهد مؤخرا، والتي كانت مخرجاتها معروفة دائما بشكل مسبق، قد ضرب في العمق مبدأ المنافسة الشريفة، ومكافئة التميز والجدية في اختيار المسؤولين.

يسود حاليا داخل أسوار المعهد الزراعي حالة عارمة من عدم الارتياح لدى الأساتذة، وتوجس عميق من مستقبل غير واضح المعالم لمؤسستهم، وما يمارس عليها من تهميش، وما يحاك ضدها من دسائس في السر والعلن، من أجل طمس مجهودات الأساتذة، وتهميشهم، وكذا التقليل من شأنهم لما ٌيروّج له في الكواليس من تقسيم للمؤسسة وإضعافها وتهريب اختصاصاتها.

كما أن تنامي العروض التكوينية المنافسة وطنيا في المجال الزراعي والبيطري -والتي تتم أحيانا بدعم من أساتذة المعهد أنفسهم -قد ينذر بانطلاقة العد العكسي لهذه المؤسسة العتيدة ويسرع   تصفيتها والانقضاض على وعائها العقاري الذي تحول إلى نقمة حقيقية وحدت كل الطامعين

وللأسف، فإن العامل الخارجي لم يكن وحده وراء التراجعات العميقة التي عرفها المعهد الزراعي في السنوات الأخيرة، حيث أسهم عدد معتبر من الأساتذة أنفسهم في عملية التدمير الذاتي التي أصابت مؤسستهم، من خلال بروز أو تأجيج ظواهر سلبية ولا أخلاقية، أفقدتهم المكانة المتميزة التي لم يعد لها وجود سوى في مخيالهم الجماعي.

لقد أضحى المعهد الزراعي، بفعل التجاذبات، عبارة عن جزر متناثرة تفتقر إلى روح الفريق، ويطغى عليها المنطق الفرداني، واللامبالاة، والاكتفاء بالجهد الأدنى. ولقد كشف التقرير الأخير للمجلس الأعلى للحسابات، في صيغته المؤقتة، عن حقائق وأرقام صادمة حول الأنشطة البيداغوجية والعلمية ويبرز مدى التفكك الذي أصاب المعهد الزراعي، مما قد يؤشر على الانهيار الوشيك لمنظومته المترهلة. كما يستشري داخل المعهد منطق الاصطفاف عوض تشجيع الكفاءة والتهميش عوض الإشراك مع غياب تام لرؤية استراتيجية للنهوض بهذه المؤسسة التي باتت تحتضر.

لقد تحول جل الأساتذة الباحثين إلى مجرد أساتذة،وعدد منهم تحول إلى مقاول ذاتي يستثمر جل وقته في تقديم الخدمات المؤدى عنها. بينما آثر البعض تقليص تواجده بالمؤسسة إلى الحد الأدنى الذي لا يثير الشبهة. بل من الأساتذة من يقضي معظم أوقاته خارج المغرب دون تحريك أي مسطرة للمحاسبة.

 

ما العمل؟

إن الوضع المزري لمعهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة ومستقبله الغامض (55% من الأساتذة سيحالون على التقاعد في غضون5 سنوات القادمة) يستدعيان صحوة حقيقة لطاقم الأساتذة قبل فوات الأوان (إن لم يكن قد فات فعليا). فأساتذة المعهد برمتهم مدعوون للتفكير الجماعي للخروج من الأزمة، بنفس إيجابي لا يحركهم من خلال الدفاع عن مؤسستهم أي توظيف سياسي، أو إيديولوجي، أو مصلحي. كما أن علاقتهم ببعضهم البعض يجب أن تبقى كما كانت مبنية على الاحترام المتبادل، والقيم الأخلاقية والأكاديمية النبيلة، والحياد السياسي، بغض النظر عن قناعاتهم أو انتمائهم كأشخاص. بل إنهم علاوة على ذلك مطالبون بالانخراط بتجرد في المشاريع التنموية على المستوى الوطني عامة، وعلى مستوى الوزارة الوصية خاصة، إذا ما توفرت شروط سليمة تحترم وضعهم الاعتباري وذكائهم وتصون كرامتهم.

يجب على الوزارة الوصية أن تحترم مبدأ الاستقلالية، الذي يحظى به المعهد، وأن يتم تعبئة جميع الطاقات والموارد اللازمة في إطار تعاقدي استعجالي واضح، من أجل إعادة وضع المعهد على السكة، واستعادة بريقه بنفَس جديد، يتماشى مع المتغيرات التي تطبع السياق الوطني والدولي، والتحديات التي تواجه بلادنا على مستوى الأمن الغذائي والمائي والبيئي والصحي.

إن المعهد الزراعي بحاجة ماسة ومستعجلة إلى رؤية إصلاحية، ومشروع مؤسساتي بالموازاة مع إدارة مستبصرة، وشجاعة تقود عمليتي الإنقاذ والعودة إلى العهد المزدهر.

 

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي