الحل الذي يطرحه الطرفان للأزمة القائمة اليوم يتمثل في صيغة: «رابح-خاسر»، وهي أكبر وصفة للفشل في إيجاد تسوية مقبولة للطرفين. المعارضة تطالب باستقالة الرئيس والعودة إلى انتخابات جديدة ودستور جديد، والرئيس يطالب المعارضة بالخروج من ميدان التحرير، والعدول عن مطالب الاستقالة، والجلوس حول طاولة الحوار للبحث في مطالب الانتخابات البرلمانية المقبلة وتعديلات خفيفة في الحكومة.
الواقع أنه ليس لدى الرئيس وجماعته حل ومشروع ومنهجية للخروج من أزمة ما بعد 25 يناير، ولا المعارضة لها مشروع وبرنامج ووجوه قادرة على الحصول على تفويض شعبي للخروج من عنق الزجاجة. أين وقع الخلل؟
وقع الخلل في قراءة ما حدث في الربيع المصري، حيث اعتقد الجميع أن مصر شهدت ثورة، وأن سجن مبارك وحل الحزب الحاكم وتنظيم انتخابات جديدة، كافية لتحقيق أهداف الثورة، وهذا غير صحيح. ما حصل في مصر ليس ثورة بل انتفاضة عفوية قادها الشارع بدون تخطيط ولا رموز ولا مشروع ولا إيديولوجيا… على خلاف كل الثورات التي قادها حزب أو تيار أو جماعة، والتي كانت لها بدائل للواقع الذي ثارت عليه، ومن ثمة هدمت البيت القديم إلى آخر قطعة فيه، وأعادت بناء بيت آخر مختلف تماما. هذا لم يحصل في مصر. كل ما هنالك أن الرئيس وعشرات من محيطه هم من سقطوا، فيما باقي هياكل الدولة ونخب الإدارة ومؤسسات البلد بقيت في مكانها. زد على ذلك أن «الخوف» من الإخوان لم يكن يسكن قلب القصر الجمهوري وحده ووزارة الداخلية والمخابرات المصرية، بل إن التوجس من الإخوان كان موجودا وسط عدد من المثقفين ورجال الاقتصاد وأعمدة القضاء والإدارة والإعلام. طبعا، دخلت دول الخليج وصبت الزيت على النار ثم دخلت «الفلول» على الخط، لكن من العبث أن يتصور عاقل أن الفلول تستطيع أن تحرك مئات الآلاف من المصريين في مدن عدة، وإلا فإن أكبر حزب اليوم في مصر هو «حزب الفلول»، وبالتالي وجب على الرئيس مرسي أن يسلم الحكم ديمقراطيا إلى «الفلول»!
الخطأ الثاني، بعد خطأ قراءة ما جرى، هو أن الإخوان اعتقدوا أنه باستطاعتهم أن يصلوا إلى كل مواقع السلطة لوحدهم وبواسطة صندوق الاقتراع لوحده، وهذا هو الخطأ الذي حذر منه أكثر من عاقل. ما كان على الإخوان أن يقدموا مرشحا لهم للانتخابات الرئاسية، وكان يكفيهم دعم شخصية وطنية تحقق توافقا واسعا تحتاجه الأوضاع الاستثنائية والصعبة في مصر، وأن يكتفي الإخوان برئاسة الحكومة وأغلبية في البرلمان حتى يتعلموا أصول الحكم وفن إدارة الدولة، وفي انتظار أن تتبدد الشكوك حولهم، وتستعيد البلاد عافيتها، وتستقر الأعراف الديمقراطية في البلاد. إن بسط اليد على كافة مفاصل الحكم كان خطأ كبيرا، وسوء تقدير لقوة خصوم الجماعة في الداخل والخارج. المراحل الانتقالية الصعبة مفتاحها هو التوافق وليس فقط نتائج صناديق الاقتراع في بلد فقير عاش لعقود طويلة تحت الاستبداد والخوف… مازال أمام جماعة الإخوان المسلمين طريق طويل للتأقلم مع الحكم، والخروج من ثقافة المعارضة والسجون والمنافي التي عاشوا فيها زهاء 80 سنة، والآن جاؤوا لينتقموا للآباء والأجداد.
سيكتشفون أن ابتلاء المعارضة أهون ألف مرة من محنة الحكم في بلاد سقط فيها جدار الخوف، وأمامها تحديات وأهوال كبيرة