بعد انتظار دام خمس سنوات، وفي أولى اجتماعات مناقشة مشروع القانون الجديد الذي سيحوّل مجلس المنافسة إلى دركي للاقتصاد المغربي؛ فجّرت أولى المداخلات، التي تلت تقديم الوزير المنتدب في الميزانية للمشروع الجديد، قنابل جديدة حول صندوق المقاصة والدعم الذي يقدّمه لبعض الشركات المتخصصة في توزيع مواد استهلاكية أساسية، كما أثيرت مجددا إشكالية عدم حضور رؤساء مؤسسات الحكامة والمجالس التي تمت دسترتها إلى البرلمان.
القنبلة فجّرها النائب المثير للجدل بفريق العدالة والتنمية، عبد العزيز أفتاتي، والذي شكّك في حقيقة الأرقام التي تعلنها شركات توزيع مادة غاز الطبخ حول الكميات التي تم تسويقها، وتتلقى، بناء على ذلك، دعما ماليا من صندوق المقاصة يفوق الـ15 مليار درهم. أفتاتي قال إن تسويق غاز البوتان في المغرب يخضع لسيطرة تكتّل متحالف، يُعلن الأرقام التي يريد حول الكميات المسوّقة، «بينما كميات من الغاز لا تغادر مكانها، وتسجّل كما لو دخلت إلى الخزانات وغادرتها، وقنينات الغاز التي تردّ إليها تحتسب على أنها فارغة، بينما يمكن أن تحتوي على كميات مهمة من الغاز المتبقي فيها».
أفتاتي وصف تجمّع الشركات التي تقوم بتوزيع مادة الغاز، بـ»الجماعة» التي وصلت بها الجرأة حدّ التهديد بوقف تزويد السوق المغربية بهذه المادة الحيوية، بتزامن مع شهر رمضان، في إطار مطالبتها بالرفع من هامش الربح. « واش ما يكفيهومش داكشي للي دارو، وقد ظلوا يتوصلون بالدعم عوض المواطنين، «هذا راه تواطؤ»، ومن يكونون حتى يستغلوا هذه الظروف ويهددون بمنع الغاز؟ يجب أن توقفوهم عند حدهم، بعدما حصلوا على 15 مليار السنة الماضية، كما لو أن «هاد الغاز توضينا بيه»، يجب القيام بتدقيق تفصيلي في أرقام العام 2012 وأنا أشكك في أننا استهلكنا الكميات التي أعلنوا عنها».
تدخّل قوي استدعى ردّ الوزير المنتدب في الميزانية، إدريس الأزمي، والذي ناب عن زميله محمد نجيب بوليف في تقديم مشاريع القوانين الجديدة المتعلقة بالمنافسة. وفي هذا الصدد قال إن الحكومة حريصة على أن يتم تموين السوق المغربي في ظروف جيدة «خلال شهر رمضان وفي غير رمضان». وأضاف الأزمي أن الحكومة لن تخضع «لأي ابتزاز أو ضغوطات، وهذا هو دور الحكومة، أي ضمان الأمن الاقتصادي والاجتماعي، وهي لن تتوانى في اتخاذ الإجراءات الصارمة الضرورية لضمان تموين السوق المغربي».
جدل آخر افتتحه النائب الاستقلالي مصطفى حنين، حيث طالب هذا الأخير بحضور مسؤولي مجلس المنافسة أطوار مناقشة القانون الخاص بالمجلس. «أتساءل حول هذه الإشكالية التي تطرح مجددا لأن المسؤولين لا يحضرون النقاش الذي يهم المؤسسة»، يقول حنين، مضيفا «راه المال العام هذا ولا استقلالية عن مراقبة البرلمان، هناك فرق بين التبعية للبرلمان والخضوع لمراقبة ممثلي الشعب المغربي. المراقبة المالية دور البرلمان، دوليا، وكل المؤسسات تخضع لهذه الرقابة، يجب أن يكون المسؤولون هنا، ليستمعوا إلينا فلدينا ما نقوله، ونحن نساءل الحكومة. وإلا سنكف عن مناقشة مثل هذه القوانين». احتجاج أكده أفتاتي، منتهزا إياه للعودة إلى إثارة الخلاف الشهير مع إدريس الأزمي، رئيس مجلسي حقوق الإنسان والجالية المغربية بالخارج، «هذا الكائن الذي يسيطر على مجلسين، ويسيّر ماليتهما بطريقة مثيرة، وحوّل مجلس الجالية إلى مكان لشرب ليس فقط المياه، بل لشرب مسائل أخرى على حساب دافعي الضرائب.. هاد الكائن خاصو يجي ولا يمشي بحالو».
وقد حاول « اليوم 24» الحصول على رد اليزمي على هذه الاتهامات لكن هاتفه ظل يرن دون رد.
هجوم أفتاتي اعترض عليه النائب بفريق التجمع الوطني للأحرار، أنيس بيرو. هذا الأخير قال إن النقاش يجب ألا يسقط في الشخصنة والقذف، وأضاف أن مسؤولي المؤسسات المعنية بهذا النقاش هم أشخاص «وطنيون بحالنا ولا يعتبرون أنفسهم فوق القانون، وعلينا أن ننهي هذا الموضوع بقراءة متأنية ومتجردة، دون أن نضرب في أحد، ونحن نعرف روح وطنيتهم وتجردهم».
وفيما انضاف يونس السكوري، عن فريق الأصالة والمعاصرة، إلى كوكبة المطالبين بحضور عبد العالي بنعمور، شدّد أفتاتي على أن هذا الأخير لا يحتاج إلى مثل هذه المواقف، «بل نحن تتبعنا جهوده طيلة السنوات الماضية، وعليه أطلب من إدارة المجلس إمدادنا بحصيلة عمله بشكل مركّز ومعمّق، وإطلاعنا على الإشكالات التي واجهته والتواطؤات التي أعاقته». رئيس مجلس المنافسة عبد العالي بنعمور أوضح في اتصال أجراه معه « اليوم 24»، أنه لم يتوصّل بأية دعوة لحضور الاجتماع في البرلمان، موضحا أنه سيكون سعيدا بتلبية أية دعوة يتلقاها من جانب الحكومة، مشددا على أن الإشكال في هذه النقطة دستوري، بعدما كان المجلس الدستوري قد قال بعدم خضوع هذه المؤسسات للمساءلة في البرلمان. «في العمق تعتبر المؤسسات مثل مجلس المنافسة امتدادا للسلطة التنفيذية، وهذه الأخيرة خاضعة لرقابة البرلمان، وبالتالي لا أرى أي إشكال في ما يطلبه البرلمانيون، باستثناء الإشكال الذي أثاره المجلس الدستوري. وعني سأكون سعيدا بالحضور إلى البرلمان اليوم قبل الغد، للدفاع عن مشروع القانون الذي هو مشروعنا أصلا».