سعادة شروخان وتعاسة فنانينا

28 يوليو 2013 - 11:49

 

أكاد لا أصدق كل الحجج الراقصة والمغناة وهم يحاولون بيع الوهم للمقيمين في سكن غير لائق؛ بأنهم بشراء بيوت اقتصادية سيودعون التعاسة وسينعمون بلحظات سعادة كثيرة في غرفتين وصالون، وهم يطلون تحت دفء شمس الضحى من شرفها الضيقة.

أكاد أحس بنفس الغضب الذي يراودكم وأنتم تتأملون هؤلاء المشاهير الأثرياء وهم يرقصون من السعادة ويتغزلون في جمال وفتنة شقق بمساحة حمام إقاماتهم الفخمة.

أتفهم أن يبحث المعلنون عن فنانين يتمتعون بالشهرة والشعبية لتبليغ خطابهم الإشهاري، وأحترم حريتهم في الإبداع، وليس لي أي إشكال أن يرقص الفنانون الأجانب على مسارح ومهرجانات وشاشات الوطن.. لكنني لم أقتنع كمشاهدة ومستهلكة محتملة لشقق السكن الاجتماعي لا بشروخان ولا بالشاب خالد كسفيرين لبيوت الفقراء، رغم حضورهما اللافت، ورغم كل البهارات الفنية الموظفة في خطاب إشهاري يفتقر إلى المنطق والمصداقية.

في فن الإشهار، أهم سؤال يطرحه المعلن هو: «لمن أتوجه، ومن هو المستهلك المستهدف؟»، والجواب عن هذا السؤال هو مفتاح بقية التفاصيل التي تهم مضمون الخطاب ولغته والوجوه الإعلانية المناسبة وشكله الجمالي. فلن يصل خطاب إشهاري لشقة ضيقة من فنان أعرف كمستهلك أنه يسكن قصرا، ولن تنفذ إلى وجدان المتلقي رسالة إعلانية لمنتوج محلي بوجه إعلاني من بلاد بعيدة وبخلفية سوسيوثقافية مختلفة. لهذا يبدو الشاب خالد وشروخان كلاجئين غريبين في حلم أسطوري منفصل عن الواقع.

هذا مجرد الوجه الفني والسيميولوجي لهذه الإعلانات الباذخة، لنطرح الأسئلة الحقيقية حول مدى المشروعية الرمزية للصفقة الإعلانية، وحول بعدها المالي وجدواها، والالتزامات المفترضة للمقاولات العقارية والإعلانية بتحريك الاقتصاد، وتشغيل الكفاءات الوطنية، والوفاء لقيم المواطنة. تخيلوا معي المشهد الساخر.. وطن مازال الكثير من فنانيه يسكنون ببيت فوق السطوح أو شقة للكراء.. وطن أعلن والي بنكه هذا الأسبوع إفلاسه الاقتصادي وتفاقم أزمته المالية، ومع ذلك تتفنن شركاته العقارية العملاقة في استفزازنا، وتأتي بشروخان من الهند والشاب خالد من فرنسا وتدفع لهما ملايين الدراهم بالعملة الصعبة ليرقصوا سعادة على حساب حقوق فنانين مغاربة في فرص إعلانية وطنية.

تخيلوا، شركات عملاقة تستفيد من إعفاءات ضريبية وتسهيلات من الدولة للمساهمة في حل مشكل السكن الاجتماعي، وبدل استثمار ميزانياتها الإعلانية في الرواج الداخلي وتحسين دخل الفنانين المغاربة، تختار إهداءها على إيقاع رقصة هندية لفنانين عالميين أغنياء ومكرمين في أوطانهم.

لما أسترجع صور الإعلان الضخم الذي قدمته منذ سنتين إحدى الشركات العقارية الكبرى، والذي جمع ثلاثين فنانا من كل الأجيال في ملحمة إشهارية، أنظر إليه اليوم بإعجاب، وأعتبره إشهارا نبيلا نجح في العزف بتناغم على الأوتار التجارية والإنسانية والاجتماعية وقيم المواطنة.

ولما أحاول أن أتخيل المبلغ السمين الذي أخذه السكتور وخالد وشروخان، وأقارنه بالفتات الذي أخذه فنانون مغاربة محترمون مقابل السخرية من لحظات ضعفهم الإنسانية في مقالب الكاميرا الخفية، أشعر بوجع دفين، وأتحسر على وطن لا يحاسب شركات كبرى تغدق كرمها على الأجانب في قمة الأزمة، ويسمح لشركات إنتاج بأن تغتني بالمال العام على حساب المتاجرة بكرامة الفنانين في خرق سافر لأخلاقيات الصورة وللحق في حماية الخصوصية.

 

شارك المقال

شارك برأيك
التالي