الانقلاب العسكري فشل في انتزاع القبول الشعبي به، وسرعان ما انتبه ملايين المصريين إلى أن ما حصل ليس استجابة لسخط الشارع على الرئيس محمد مرسي، ولكنه انقلاب على الشرعية وتوقيف للمسار الديمقراطي وعودة ذكية لرموز النظام السابق.. وهكذا فإن التدخل الذي قام به الجيش لا يمكن وصفه إلا بالانقلاب على الشرعية والديمقراطية.
المثير في هذه الحلقة هو السخاء الكبير الذي عبرت عنه دول الخليج، وخاصة الثالوث السعودي والإماراتي والكويتي، وحجم الدعم المقدم مباشرة بعد الانقلاب على الرئيس المنتخب.
الذين مازالوا يكررون أن ما حصل يوم 30 يونيو هو ثورة شعبية، يكفي أن يراجعوا سلوك هذه الدول تجاه «ثورات الربيع العربي»، ليكتشفوا أنها لم يسبق أن كانت في صف الشعوب الثائرة، بل كانت في خدمة رموز الأنظمة المخلوعة. ولم يجد الرئيس الهارب زين العابدين بنعلي سوى المملكة العربية السعودية ملجأ يؤويه من شعبه الغاضب.
ينبوع الحنان الذي فاض من طرف هذه الدول تجاه «ثورة 30 يونيو»، يتعارض مع سلوك هذه الدول إزاء ثورة 25 يناير، وهذا أكبر دليل على أن ما حصل هو انقلاب حقيقي لا يمت إلى روح الثورة بصلة. وعلى بعض الديمقراطيين في بلادنا أن يراجعوا تسمية ما حصل في مصر بالثورة الثانية، وأن يسألوا أنفسهم: لماذا يكافأ الانقلاب وتعاقب الثورة؟
إن من يكره الثورات ويكره الديمقراطية ومفاهيم التعددية الحزبية والتداول السلمي على السلطة واحترام حقوق الإنسان لا يمكن أن يدعم رئيسا منتخبا بطريقة ديمقراطية في أعقاب ثورة شعبية أسقطت رمزا كبيرا من رموز الدكتاتوريات العربية.
وتزداد هذه الكراهية إذا كان الأمر يتعلق بتبلور نظام سياسي يؤسس لمصالحة تاريخية بين الإسلام والديمقراطية، لأن من شأن نجاح هذا النموذج أن يقوم بكشف عورات العديد من أنظمة الخليج التي تحتمي بالخصوصية الإسلامية لمصادرة كل الأفكار الداعية إلى الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
من النوافذ التي يفتحها هذا المسلسل، زيف الادعاءات الغربية بشأن إرادة التحول الديمقراطي في المنطقة العربية، وهكذا يمكن أن نلاحظ ببساطة حجم «الارتباك الكبير» الذي عرفته مواقف الدول الكبرى، وخاصة الموقف الأمريكي الذي سجل تناقضا صارخا مع مبادئه واختياراته.. وزاد حجم هذا الارتباك مع التصعيد الكبير الذي سجله الشارع المصري رفضا لهذا الانقلاب.
الصمود الكبير الذي يعبر عنه الشعب المصري المرابط في الميادين خلال هذه الأيام يتجاوز، في أهدافه، عودة الرئيس المعزول إلى منصبه، ولكنه يعبر عن محاولة حقيقية لإفشال مؤامرة كبرى تستهدف ثورات الربيع الديمقراطي والحكومات المنبثقة عنها في المنطقة ككل.
وكما أن الثورة التونسية كانت بمثابة الشرارة التي أيقظت الشعوب العربية وألهمتها فكرة النزول إلى الشارع للمطالبة بالحرية والديمقراطية والكرامة، فإن نجاح الانقلاب العسكري في مصر وعودة رموز النظام السابق سيلهم بقايا الأنظمة التسلطية للتفكير في استعادة زمام المبادرة من جديد.. لكن هذه المرة بأساليب في غاية المكر والخداع.. فلننتبه.
مسلسل النضال ضد الاستبداد لم يكتمل بعد.. وحلقاته المقبلة أكثر تشويقا وإثارة.. فلنتابع.