حركة خالدة في حرقة السؤال.. كلما انبعث جمرها المنير من تحت رماد التعتيم، احتد خوفهم وحاصرهم شبح السؤال.. فمجرد إعادة طرح السؤال، هو رد بليغ على أن شرارة الحركة لاتزال متقدة، وأن الحلم لايزال ممكنا، وأن روحها لاتزال تسري في ضمير الشعب، ولاتزال تطارد الفاسدين في كوابيسهم، وأن لغزها المنفلت سيظل يسكن في تفاصيل السؤال.
«ماذا تبقى من قياديي حركة 20 فبراير؟».
هكذا جاء السؤال كعنوان بالخط العريض على صفحات «الاتحاد الاشتراكي»، سؤال مغلوط وملتبس كتب بمداد التشفي والنبش في الأعراض، ومحاولة التدمير الرمزي لشباب الحركة.
سؤال كان من الممكن أن يحفز على التفكير والحوار الرزين، ويقترح تحليلا عميقا لمسار ربيع مغربي متعثر في منعرجات التوافقات الهجينة وخذلان النخب السياسية والحزبية.
سؤال كان من الممكن أن يصنع تحقيقا صحفيا موفقا، لو أنه قدم لنا الأجوبة الحقيقية عن علامات الاستفهام الكبيرة حول من باع ومن اشترى ومن اغتنى ومن تآمر، ومن انخفض وزنه في بورصة القيم، ومن انتفخ بطنه من فتات الأسياد، ومن تاجر بأحلام شعب وأجل حرقة السؤال.
ماذا تبقى من حركة 20 فبراير؟
سؤال صحفي مشروع، لكن الرد عليه يكاد يبدو بوليسيا.. سؤال كتب في قاعة التحرير، بينما الجواب يبدو وكأنه خُط بقلم أمني.. سؤال مهني، لكن التقرير الصحفي الذي حاول تقديم الأجوبة يكاد يشبه نسخة من ملفات أجهزة الرصد التي تحصي أنفاس وخيبات وكيلوغرامات الشرفاء، وتقتات من انكساراتهم.
المثير للصدمة في مقال جريدة «الاتحاد الاشتراكي» حول حركة 20 فبراير، لم يكن فقط أسلوبه غير المهني في النبش في الحياة الخاصة؛ بل كان هو الفهم المغلوط لفلسفة الحركة، ومحاولة التقليل من ثقلها الجماهيري. لقد تعمد المقال تجاهل كونها حركة شعب، واختصرها في بعض رموزها الذين كان لهم مع آخرين شرف المساهمة في إهدائنا لحظة ثورية استثنائية.
المقال هو محاولة لتضليل الرأي العام بأن الحركة هي بضعة أسماء ستنقرض بدونهم، وأنها مجرد كيان هش بلا هوية ولا أفق، يقودها شباب مساكين، فيهم اليائس والمهزوم والمنحرف والفاشل في تدبير التفاصيل البسيطة لحياته اليومية، فبالأحرى تدبير حركة تمرد شعبية من أجل الحرية والعدالة والكرامة.
يقول المفكر والكاتب المغربي الأستاذ عبد الإله بلقزيز، على لسان بطل روايته الأخيرة «الحركة»: «الحركة فعل جماهيري مدني ذو تأثير في حياتنا الوطنية ومستقبلها السياسي.. والحركة لا تختصر في عشرات من النشطاء، هنا وهناك، يجتمعون وينسقون، فيتفقون أو يختلفون، ولا يمشي جسمها إلا بأرجلهم، لأنها إن أصبحت كذلك انتهت…»، ويؤكد أن تنوع المشارب والخيارات التي تميز جماهير مسيرات الحركة هو سر ألقها، وهو ما يجعل منها حركة لجميع الشعب…
ماذا تبقى إذن من قياديي الحركة؟ أقصد، ماذا تبقى من جميع الشعب؟
ما أبلغ السؤال، وما أقسى الجواب الذي صفعتنا به جريدة علمتنا، ذات سنوات جمر، مبادئ المهنة وشجاعة طرح السؤال.. وما أرقى الاعتذار الذي زين صفحتها الأولى لعدد الأمس، فشكرا على الاعتذار وعلى طرح السؤال.