الحدث هو الثاني من نوعه، فقبل نحو سنة، كان الملك محمد السادس قد أقدم على تعيين إدريس جطو، رئيسا للمجلس الأعلى للحسابات، الأمر الذي أدى إلى انقسام وسط السياسيين وفقهاء الدستور حول مدى دستورية التعيين وما إذا كان ينتصر للتأويل الديمقراطي في قراءة دستور 2011 أم يكرس خيارا وتوجها يرسخ عمليا الملكية التنفيذية التي عمّرت طول العقد الماضي.
أمينة المسعودي، أستاذة القانون الدستوري بجامعة محمد الخامس وعضو اللجنة الاستشارية التي وضعت دستور 2011، قالت لـ»أخبار اليوم» إن التعيين في مؤسسات الحكامة ينظمه القانون المنظم لها، وحول قرار التعيين الملكي بتعيين عمر عزيمان رئيسا منتدبا للمجلس الأعلى للتعليم، قالت المسعودي إن القانون المنظم له هو الذي يحدد الجهة التي لها صلاحية التعيين.
الإحالة على القانون المنظم للمجلس الأعلى للتعليم سببه الرئيسي أنه رغم الارتقاء بهذه المؤسسة لكي تصبح مؤسسة دستورية منصوصا على إحداثها وعلى اختصاصاتها في الفصل 168 وضمن الباب الثاني عشر منه المتعلق بمؤسسات الحكامة وهيئات النهوض بالتنمية البشرية والتنمية المستدامة من دستور 2011، فإن هذا الأخير يصمت بشكل مطلق حول من له حق التعيين في هذه المؤسسات.
وليس الدستور وحده من يصمت على صلاحية التعيين، بل القانون التنظيمي المتعلق بالتعيين في المناصب العليا الذي أعدته حكومة بنكيران، بحيث لم يشر بدوره نهائيا إلى العديد من المؤسسات الدستورية وما إذا كان التعيين فيها يخضع للملك أم للحكومة. ومنها المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي.
داخل اللجنة الاستشارية التي وضعت الدستور، يقول عضو منها رفض ذكر اسمه، كان الاتجاه الذي انتصر على غيره «أن مؤسسات الحكامة يجب أن تكون مستقلة عن الحكومة، وعن البرلمان كذلك»، وبما أن من وظائف الملك أنه الحكم الأسمى بين مؤسسات الدولة (الفصل 42)، يعني أنه يرعى استقلاليتها، فإن التعيين في مؤسسات الحكامة يجب أن يكون من اختصاص الملك وليس الحكومة.
هذا الطرح يعضده القول بأن من مواصفات الإداري الأول على رأس مؤسسات الحكامة أن يكون مستقلا، يعمل على مدى زمني أطول وغير مرتبط بزمن الحكومات التي لها مدى زمني محدد في ولايتها الانتخابية التي لا تتعدى خمس سنوات في أحسن الأحوال.
لكن هناك طرح آخر يرفض هذه القراءة، ذلك أن صمت دستور 2011 يفسح المجال للإبقاء على الوضع كما كان عليه قبله، وهي الفترة التي شهدت إحداث العديد من المؤسسات التي استهدفت إفراغ قطاعات وزارية عديدة من وظائفها، حتى باتت سلطة المدير أو الرئيس المنتدب في القطاع أقوى وأوسع من صلاحيات الوزير نفسه.
محمد مدني، أستاذ القانون الدستوري بجامعة محمد الخامس أكدال، قال لـ»أخبار اليوم» إن القول بأن مؤسسات الحكامة يجب أن تكون مستقلة عن الحكومة والبرلمان، بدءا من تعيين رئيسها، هو توجه معتمد في الدول الديمقراطية. لكن الإشكال في المغرب، يضيف مدني، أن السلطة التنفيذية الحقيقية بيد الملك. وتساءل قائلا: كيف يمكن القول بإرساء توجه يقضي بأن تكون مؤسسات الحكامة مستقلة عن السلطة التنفيذية، وفي ذات الوقت يُخول الملك (صاحب السلطة التنفيذية الحقيقية) صلاحية التعيين في هذه المؤسسات.
مدني أثار قضية أخرى أشار إليها بلاغ الديوان الملكي، تلك التي تبرر قرار التعيين بأنه يندرج في إطار السعي إلى تفعيل المجلس الأعلى في صيغته الحالية، في انتظار إقرار النصوص القانونية المتعلقة به، المنصوص عليها في الدستور، وذلك إعمالا للأحكام الانتقالية للدستور. وقال مدني بهذا الصدد إن التبرير بالأحكام الانتقالية لا إشكال فيه، لكن «المشكلة تكمن في عدم تحديد آجال دقيقة لهذه الأحكام»، لأنه «لا يمكن لأحكام انتقالية أن تكون معقولة وتندرج في إطار دولة القانون وسمو الدستور إذا تحدد آجالها».
وكان دستور 1962 قد وضع أجلا للأحكام الانتقالية في سنة واحدة، لكن دستور 2011 سكت عن ذلك، وقد مرت لحد الآن سنتين على وضعه، دون أن تخرج بعد، الكثير من النصوص القانونية إلى حيّز الوجود.
ويأتي تعيين عمر عزيمان، مستشار الملك الحالي، رئيسا منتدبا للتعليم ليخلف الراحل مزيان بلفقيه، المتوفى منذ ماي 2010. وظل هذا المجلس، المخول له تقييم السياسة التعليمية وتقديم اقتراحات واستراتيجيات إصلاح القطاع، معطَّلا إلى حدود تعيين عزيمان، رغم الإعلان الملكي في خطاب له السنة الماضية بنفس المناسبة عن فشل إصلاح التعليم.