استطاع الكاتب والمراسل الصحافي الفرنسي «إنياس دال» أن يتعرف على الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية المغربية، وحياة أحد زعمائها البارزين الحسن الثاني، خلال مقامه بالمغرب ما بين سنتي 1992 و1996، وأن يجمع عنها أكثر المعلومات دقة في كتاب صدر سنة 2001 عن دار «ميزونوف إي لاروز» باللغة الفرنسية تحت عنوان «Le régne de Hassan II 1961-1999: Une espérance brisée» (حكم الحسن الثاني 1961-1999: أمل محطم). إذ حقق هذا الكتاب مبيعات قياسية في سوق الكتاب بالمغرب، حيث قدرت بستة آلاف نسخة خلال سنة واحدة فقط.
في هذا الكتاب، يكشف «إنياس دال»، الذي كان مراسلا لوكالة الأنباء الفرنسية من الرباط لمدة خمس سنوات، كيف تحطمت آمال المغاربة، الذين ورثوا بلدا ذا حضارة كبرى، خلال أربعة عقود من حكم الحسن الثاني. لكنه يتوقف في الآن ذاته عند التحديات المطروحة على خليفته محمد السادس، مشيرا إلى أنها تحديات صعبة وعويصة. ففيما يخص المرحلة الأولى، أي حكم الحسن الثاني، يعود «دال» إلى محطات أساسية في حكم هذا الملك، الذي امتد ثمانية وثلاثين عاما، خاصة المحاولتين الانقلابيتين سنتي 1971 و1972، وكذا سلسلة من الأحداث الكارثية: انتفاضة سنة 1965، اختطاف واغتيال المناضل اليساري المهدي بنبركة، معتقل تازمامارت، «انتحار» الجنرال أوفقير و»حادثة سير» الجنرال الدليمي، الخ. لكنه لا يستثني من هذه المحطات أحداثا تاريخية كبرى مثل «المسيرة الخضراء»، التي اعتبرها حدثا مركزيا في هذا الحكم الطويل.
كل هذه الأحداث تعطي، بحسب منظور المراسل الفرنسي الذي قضى خمس سنوات في المغرب، صورة قاتمة ومضطربة عن «المملكة الشريفة»، التي لم تتوان عن استعمال نظام قمعي لإسكات كل الأصوات المعارضة. إذ يعتبر في هذا السياق أن المؤسسة الملكية تعززت على حساب المؤسسات الأخرى، خاصة منها مؤسسات المعارضة، التي لم يكن بإمكانها أن تلعب أي دور فعال. ويجسد الكاتب هذه الصورة في الأرقام التالية: مغربي من خمسة عاطلٌ عن العمل، ومغربي من خمسة اضطر إلى الهجرة، وواحد من اثنين يعيش بطريقة بئيسة وسيئة. في حين، الحصيلة الاجتماعية كارثية، والتعليم العمومي منهار، والصحة العمومية مريضة، والعدالة فاسدة، والاقتصاد عاجز عن الإقلاع، الخ. غير أن الكاتب يعتبر أن المجال الجمعوي يبقى هو المجال الحيوي الوحيد القادر على معرفة مكامن الفشل في الدولة المغربية، وعلى كشف وجه البلاد الحقيقي.
أما فيما يخص فترة ما بعد الحسن الثاني، يعتبر «إنياس دال» أن الملك محمد السادس، الذي اعتلى العرش يوم 30 مارس 1999، سرعان ما أثبت أنه حاكم المملكة الحقيقي، مكذبا بذلك كل الذين تخيلوا أن ولي العهد سيعاني مشكلات جمة في فرض حكمه على نخبة سياسية واسعة وخبيرة. فهو يرى أن الملك الشاب لم يباشر الإصلاحات التي ينتظرها الرأي العام الديمقراطي.
يمكن القول أن عوامل نجاح هذا الكتاب/ التحقيق لا تخرج عن بقية العوامل التي أسهمت في نجاح كتب من الطينة ذاتها، أي تلك التي تتناول المجال السياسي، الذي لا زال يكتسي حساسية غريبة حتى الآن. فالحديث عن مكامن العطب والفشل في السياسة المغربية منذ الاستقلال إلى اليوم يحظى بمتابعة واسعة من لدن القراء، خاصة أنه أتيحت للكاتب معلومات لم تكن في متناول الصحافيين المغاربة، كما تمكن من إجراء مقابلات مع أشخاص، خلال عمله بالخصوص، منها مجاورته للحسن الثاني ولشخصيات كانت محيطة به. إذ تمكن من خلالها جمع أكبر كم من المعلومات، خاصة ما يتعلق ببعض الجوانب التي ظلت خفية عن الرأي العام، مثل ما عاشه المعتقلون في سجن تازمامارت.
زد على هذا، يمكن القول إن الكتاب استفاد من الآثار التي خلقتها كل الأعمال الصادرة عن تجارب سنوات الرصاص، التي استمع إليها «إنياس دال» خلال عمله مراسلا من المغرب. إذ كان من الطبيعي أن تفعل هذه الآثار فعلها في خلق الرغبة في تلقي كتاب «دال»، الذي ساهم في مراجعة بعض منها، وكتابة مقدمات لبعضها الآخر، ككتاب أحمد المرزوقي «تازمامارت: الزنزانة رقم 10»، الذي حقق هو الآخر مبيعات قياسية بعد صدورها. كما استفاد من كون مؤلفه ينتمي إلى مجال الإعلام، الذي ساهم في ترويج الكتاب. يجب ألا ننسى في هذا السياق أيضا أن النخبة الفرنكفونية المقيمة في المغرب لعبت دورا أساسيا في هذا التلقي.