كم كان عمرك يوم خرجت مع الشباب يوم 20 فبراير 2011 ؟
22سنة.
هل كان من السهل على شابة في عمرك إقناع أسرتها بخروجها عن الإجماع وإلى الشارع من أجل مطالب سياسية؟
أكيد لم يكن الأمر سهلا، لأن الانخراط في حراك 20 فبراير كان يحتاج أولا تمردا على ذاتي، كان علي أن أفك القيود وأن أتحرر من الإرث الثقيل من التبعية والاستكانة والخوف الذي زرعَته في دواخلي التقاليدُ والنظام التعليمي والإعلام الرسمي والدعاية السياسية ..كان علي بناء شخصيتي أولا، والتمرد على نفسي، قبل إعلان تمردي على المجتمع وعلى النظام السياسي والمطالبة بالمساواة والعدالة والحرية.
التمرد الأصعب هو على الأسرة، خصوصا والدتك ؟
لا أسميه تمردا، بل محاولة إقناع أمي بقناعاتي وبالمبادئ النبيلة للحراك الشعبي وطمأنتها علي، فأنا وحيدة والدتي بعد وفاة أبي، وكان من الصعب إقناعها بأنني سأخرج يوم 20فبراير للمطالبة بإسقاط الفساد والاستبداد وهذه الشعارات الكبيرة، لقد اعتبرتْ الخروج مغامرة ومخاطرة بنفسي وبمستقبلي الدراسي والمهني..فرغم اقتناعها بالجدوى من الحراك وبحاجة البلد لانتفاضة قوية، كانت تقول لي «خلًي الآخرين يْديروا،عْلاشْ انتِ».
هذا الشعار «عْلاشْ أنا وْمَاشي لْخْرينْ» أصبح فلسفة في المغرب تؤخر الإصلاح، فلا أحد مستعد للمبادرة، الكل ينتظر الآخرين المتهورين ؟
هذا الشعار هو الذي ينشر ثقافة التواكل والأنانية والانتهازية، الكل يفكر في نفسه وعائلته الصغيرة ومستقبله الشخصي، وهمه الأول هو قوته اليومي ودفع أقساط ديونه وإغلاق باب بيته، لا يعتبرون المحيط والمجتمع والوطن جزءا من مسؤولياتهم. فالمواطن لا يحتاج فقط للخبز وضمان قوته اليومي، هو في حاجة في، المقام، الأول إلى الكرامة وإلى التمرد على «الحكرة».
ما هي المضايقات التي تعرضت لها كصوت شاب خارج عن الإجماع قاد رفقة آخرين مسيرات 20فبراير؟
أول شيء هو العنف والمضايقات الأمنية لبعض المسيرات رغم طابعها السلمي، وذروة العنف كانت أثناء الحملة على الدستور حيث سخرت السلطة مجموعة من الأشخاص لاستفزاز المتظاهرين في مسيرات 20فبراير.
ماذا عن المضايقات الشخصية ؟
تلقيت العديد من التهديدات من أشخاص مجهولين عبر الهاتف والفايسبوك كانت تعتمد على معلومات وأسرار من حياتي الخاصة.
هل توضحي أكثر ؟
كانوا يهددوني بمرض أمي لأنها تعاني من متاعب في القلب، وكانوا يقولون لي عبر الهاتف إن لم تصمتِ، سنغتصبك أمام أمك، كما كانوا يهددون بكشف تفاصيل حياتي العاطفية.
تعرضت أيضا لتحقيق أمني بالقنيطرة ؟
نعم، وقد أخذتني من البيت في منتصف الليل دورية للشرطة مع سيارة مدنية وطلبوا مني مرافقتهم للدائرة الأمنية، وهناك تم التحقيق معي حول الشكاية التي قدمتها عدة هيآت حقوقية لوزير الداخلية طالبت فيها بفتح تحقيق حول التهديدات التي أتلقاها ..
إذن كان تحقيقا روتينيا لحمايتك من التهديدات ؟
لو كان كذلك، لما احتاجوا لإخراجي من البيت في ساعة متأخرة وإرهاب والدتي المريضة وأخذي بشكل استعراضي أمام فضول الجيران، كما أن التحقيق معي لم يتطرق فقط للتهديدات بل استنطقوني حول آرائي السياسية وانتماءاتي وماهو سقف مطالبي، كما أنهم تعمدوا استفزازي بعدة أسئلة بوليسية واتهموني بكوني أناضل فقط من أجل الشهرة والأضواء.
سأقتبس نفس سؤالهم البوليسي، هل تبحثين بخرجاتك النضالية عن الشهرة خصوصا وأنك أصبحت نجمة الحراك الشبابي بالمغرب ؟
أتحفظ على كلمة نجمة، لأن كل نشطاء 20فبرايرعلى نفس القدر من الحضور والنضال والأهمية، وهناك نشطاء قدموا تضحيات كبرى لا يعرفهم أحد رغم أنهم تعرضوا للاعتقال والمضايقات المهنية ..شهرتي كوجه للحراك لم أجرِ خلفها، فحركة 20فبراير ليست ظاهرة إعلامية بل حركة جماهيرية اهتم بها الإعلام لأنها كانت تصنع الحدث في 2011 وطنيا ودوليا..وربما حضوري القوي في الإعلام والفضائيات الدولية تفسره المعرفة المسبقة بي من طرف الإعلاميين بحكم دراستي الإعلامية بالمعهد العالي للإعلام والاتصال.
تفاجأ الكثيرون لحضورك في منتدى «حركية المجتمعات: شباب العالم» بحضور المستشار الملكي «أندري أزولاي»؟
عندما وجهت لي الدعوة من طرف المجلس الوطني لحقوق الإنسان وإدارة مهرجان الصويرة لحضور هدا المنتدى، لم يتم وضع أي خطوط حمراء أو توجيهات فيما يخص مداخلتي، وبالتالي فلم أجد أي ضرر من أن أعبر عن واقع حركة عشرين فبراير وأسلط الضوء على قضية الاعتقال السياسي، خصوصا أن المنتدى يحظى بتغطية مهمة من طرف وسائل إعلام وطنية ودولية، نظرا للحصار والتعتيم الإعلامي الذي نعاني منه.
هناك من اعتبر حضورك مع معارضي الحركة خيانة لها ؟
المنتدى كان فرصة لكي يكون هناك تواصل مباشر مع عدد من المغاربة الذين لم يتفقوا يوما معنا..نعم من حق أي ناشط أن يرفض المشاركة في هذا المنتدى ولكن لايحق لأي أحد أن يفرض وصاية عليّ أو على غيري، لأن روح عشرين فبراير تقطع مع عهد الوصاية، ولو أتيحت لي فرصة أخرى لأعبر عن مواقف الحركة سأتخذ القرار الذي يتوافق ومبادئي.
ماذا تبقى من حركة 20فبراير؟
لا أنكر تراجع وهج الحركة على المستوى الجماهيري، لكن روحها لا زالت حاضرة وتحرك الكثير من المبادرات الإيجابية، ومن أهم أسباب هذا التراجع هو المبادرة الاستباقية للنظام بدستور جديد، وخذلان النخب السياسية، وانحراف الثورات في العالم العربي نحو العنف مما جعل الكثير من الناس يكتفون بإصلاحات ناقصة خوفا من تكرار نفس السيناريو الدموي الذي عرفته سوريا، بالإضافة لنقص التجربة السياسية لدى شباب الحركة..وإن كنت أعتبر هذا من نقط قوتنا لأننا لم نكن نتحرك في الحركة بدافع الانتهازية والحسابات والمصالح السياسية الضيقة بل كان يحركنا الصدق والعفوية والطموح من أجل مغرب آخر.
هل لا زلنا نعيش نفس الاستثناء المغربي، أم هناك تراجعات قد تعيد وهج حراك الشارع ؟
أرى أن المشهد السياسي المغربي رديء جدا، وأكيد ستكون هناك حركة بديلة بنفس روح ومبادىء 20فبراير، وهي الحرية والعدالة والكرامة والمساواة.. لا أستطيع أن أحدد سقفا زمنيا لخروج هذا الحراك، لكنه قريب بحكم التراجعات السياسية والحقوقية التي تمر منها البلاد.
تقولين قريب، هل أفهم أن هناك إعداد لحراك أكثر قوة ؟
أكيد، ويقوده شباب من حركة 20فبراير، وشباب آخرون فقدوا الأمل في الإصلاح وفقدوا الثقة في الاستثناء المغربي الذي يروج له النظام بعد دستور 2011..فكل الأجواء السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأزمة الحكومية الحالية تنذر بانتفاضة قريبة.
هل هي حركة تمرد التي أُعلن عنها مؤخرا ؟
لا علاقة لنا بحركة تمرد المغربية ولم نحسم بعد في اسم حركتنا، ولست مؤهلة لتقديم توضيحات إضافية، لأن الحركة الجديدة يحضر لها العديد من الشباب في كل المدن المغربية.
وماذا عن حركة تمرد التي ستخرج يوم 17غشت؟
تضحك وتقول: أتمنى لهم التوفيق، ولكني لن أخرج معهم.
لماذا؟
لأنهم قدموا أنفسهم كحركة إصلاحية وتقويمية لـ20فبراير، رغم أنهم كشبيبة الاتحاد الاشتراكي كانوا من بين مؤسسيها ..لا أستطيع وضع يدي مع أشخاص غيروا قناعاتهم بهذه السرعة وخضعوا للحسابات الضيقة لنخبهم الحزبية.
سأختم كما بدأت وأسألك هل من السهل على امرأة أن تكون خارج الإجماع وأن تنزل للشارع للنضال؟
< أكيد أن ذلك صعب في مجتمع ذكوري، فدائما أسمع تعاليق ونصائح من قبيل ماذا ستحققين بالنضال وعليك الزواج وتكوين أسرة والاستقرار في البيت..وهناك من يقول عني بأني «مالْقيتْشْ ليْحْكْمني وكنخْرجْ للشارع»، لكنني لا أهتم، أومن بأن المرأة قادرة على التوفيق بين الأسرة والمهنة والنضال ..وإذا خضعتُ لهذه النظرة التقليدية والمتخلفة للمرأة، فمعناه أنني غير مؤهلة لخوض معركة التحرر السياسي.