جواب الوزارة الرسمي هو أن «اللقاء»، الذي صار تقليدا في الخارجية، هدفه التواصل والتنسيق وشرح أولويات الدبلوماسية المغربية، والتحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه البلاد في الداخل والخارج.
على وجه الدقة، هذه أهداف عامة، ومادام عمل السفراء لا يخضع لتقييم دقيق ومراجعة ومحاسبة، فإن جلهم مازالوا يتصرفون على أنهم «ممثلو» التاج المغربي في الخارج، وأنهم رموز وطنية في العالم، يبلغون الرسائل، وينظمون الزيارات، ويحتفلون بعيد العرش… والباقي ليس من اختصاصهم. هذه هي القاعدة، وهناك استثناءات.
بعض هؤلاء السفراء لا يستحقون أن يكونوا سفراء من الأصل. لا موهبة ولا احتراف. بعضهم ذوو نيات حسنة، لكن تجاربهم وثقافتهم لا تساعدهم على أداء مهامهم. بعضهم لديه الموهبة، وقد يكتسب الخبرة، لكن جمع المال من التجارة والوساطة وحتى «التسول» لا يترك له وقتا. هاجسه أن يبني ثروة صغيرة أو كبيرة قبل أن ينادى عليه لدخول «مرأب الوزارة» بأجر 80 ألف درهم أو أقل أو أكثر، في حين أنه يتقاضى في السفارة ملايين السنتيمات حسب الدولة التي عين فيها.
بعض السفراء وصلوا إلى مناصبهم بـ«الوساطات» و«الزبونية» و«اسم العائلة». إذن، لا حساب في عنقهم لأحد.
طبعا هناك «كتيبة» وسط هؤلاء تشتغل وتسهر وتتعب وتجتهد لتمثل بلادها أحسن تمثيل بإمكانات ضعيفة، وكادر إداري «مهلوك» غير مؤهل لأداء الوظائف الدبلوماسية، ومع ذلك تعمل، وهي أكبر شاهد على أن السفير المغربي يمكن أن يقدم لبلاده الشيء الكثير بالإمكانات القليلة الموضوعة بين يديه، لكن يجب أن يكون في عقله وقلبه «بروفايل» سفير، وليس فقط أن يكون في مكتبه ظهير التعيين.
إلى الآن لا يبدو أن هناك مشروعا طموحا في جيب العثماني لإعادة إصلاح أعطاب الآلة الدبلوماسية، لأسباب كثيرة سياسية ومالية. العثماني جزء من حكومة تعيش بواسطة التنفس الاصطناعي ولا يعرف أحد كم بقي من عمرها.
هناك سفراء يحتاجون هم أنفسهم إلى إقناعهم بمغربية الصحراء، كما قال لهم ذات مرة الطيب الفاسي الفهري وهو في حالة غضب من أداء بعضهم. وهناك من سفرائنا من يكتب تقريرا كل ستة أشهر أو سنة لوزارته، وعندما تقرأ هذا التقرير تجده غير صالح حتى للنشر على صفحة من صفحات «الفيسبوك»، لأن صاحبه يعيش معزولا عن أحداث البلد الذي وجد فيه، لا يلتقي صناع القرار، ولا يزور أحدا ولا يزوره أحد… وإذا ما كُتب له أن يحضر حفلا أو مناسبة لا يعرف كيف «يبيع صورة» بلاده، ولا كيف يشتري ما ينفع بلده من معلومات وآراء وتحاليل ومشاريع…
هناك سفراء وقناصلة يحتقرون المغاربة المهاجرين، ويتجنبونهم وكأنهم الطاعون، والواقع أنهم هناك يتقاضون أجورهم من أجل خدمة هذه الفئة والدفاع عنها وتوجيهها، والحفاظ على روابط الوطن والثقافة والدين معها… العديد من سفاراتنا وقنصلياتنا في الخارج يستحيي المرء أن يرفع فوقها علم المغرب لبؤسها وقذارتها وتخلف الخدمات بها.
ليس على الوزير العثماني إلا أن يعيد طباعة وثائق ويكيليكس التي تسربت من وزارة الخارجية الأمريكية، ويوزعها على سفرائنا حتى يروا كم ساعة يشتغل السفير الأمريكي، وكم من تقرير يكتب كل يوم من سفارته، وكم من شخصية يقابلها، وما هو نوع التحاليل التي يصدرها عن البلاد التي يشتغل فيها، وما هي «المعارك» التي يخوضها في السر والعلن للدفاع عن علم بلاده ومصالحها… هذه الوثائق تغني عن كثرة الكلام أيها الطبيب النفسي.