القراءة قضية لا يخطئها العقل… بالفعل، يرى الكاتب والروائي توفيقي بلعيد في هذه القضية أم القضايا الثقافية. إذ يعتبر أنه يجب أن تحظى القراءة بتضافر جهود جميع الفاعلين الخواص والعموم، بل ويعتبر أنها تستدعي تحالفا، على الصعيد الرسمي، بين وزارة الثقافة وزارة التربية الوطنية ووزارة الشبيبة والرياضة، داعيا هؤلاء الفاعلين الرسميين إلى إيجاد برنامج، أو سياسة عمومية لدعم القراءة وتشجيع الشباب خاصة، وإلا سيبقى هم القراءة همّا نخبويا، لا همّا أسريا ومجتمعيا.
ولتبرير أهمية هذا السؤال المؤجل، يرى أنه ما لم ينهض المجتمع المغربي بالقراءة كتقليد يومي متداول، فإن ركائز كل المشاريع، أكانت سياسية أم اجتماعية، ستبقى واهية وقابلة للانهيار في أي لحظة. كما يشير إلى أن أهمية النشاط الثقافي، الذي شهده المغرب خلال الستينيات والسبعينيات والثمانينيات، راجعة بالدرجة الأولى إلى الكتاب، موضحا أن «الكتاب هو الذي جعلنا نطور معارفنا ومهاراتنا الكتابية».
في حين، يرى الكاتب والناقد عبد الدين حمروش، عضو المكتب التنفيذي لاتحاد كتاب المغرب، أن السؤال الثقافي الأكبر هو سؤال السياسة الثقافية، التي تظل غائبة في منظومة التدبير العام. وغياب السياسة الثقافية يجعل منها سؤالا مؤجلا، كما يقول، ربما تجيب عنه المناظرة الوطنية للثقافة المغربية المقبلة. كما يعتبر في الآن ذاته أن تأجيل المناظرة الوطنية يعتبر في حد ذاته سؤالا ثقافيا مؤجلا، حيث يرى أنها ستشكل قوة اقتراحية من شأنها تقديم توصيات لصوغ سياسة ثقافية رسمية بوعي نقدي يبتعد عن التوازانات السياسية للأحزاب والعلاقات العامة للأشخاص.
وإلى جانب السياسة الثقافية، يرى حمروش أن المغرب يفتقد إلى مجموعة من المؤسسات الثقافية، التي من شأنها تنظيم الشأن الثقافي قانونيا وإداريا. من بينها كما يقول: المجلس الأعلى للغات والثقافة المغربية، الذي نص عليه الدستور، ولم يصدر حتى الآن قانونه التنظيمي. فهذا المجلس سيحل، كما يقول حمروش، العديد من القضايا الشائكة كترسيم الثقافة الأمازيغية، إلى جانب مؤسسات أخرى كالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وسيوضح قيمة الثقافة في البرنامج السياسي العام. فضلا عن ذلك، ثمة أكاديمية محمد السادس للغة العربية، التي يطالب بها الكثيرون، كالجمعية المغربية لحماية اللغة العربية.
أما الكاتب والناقد محمد أنقار، فيركز على جانب متخصص في الثقافة، حيث يعتبر أن قضايا الجماليات والإبداع وقضايا التكوين الفني عموما، خاصة في الرواية، لا تقل أهمية على القضايا الثقافية الكبرى. إذ يرى ضرورة الانخراط في القيم المعنوية للأدب، مشيرا إلى أن النقاش الثقافي ينبغي أن ينفتح على الجماليات، باعتبارها قضايا منفتحة، وليست مغلقة أو محدودة أو معزولة. لذلك، فهو يدعو إلى مناقشة انشغالات الكتابة، بعيدا عن النزعات والانتماءات الإيديولوجية.
ويعتبر الكاتب والناقد محمد مستقيم أن النقاش الثقافي المقبل يجب أن يطرح حول المؤسسات التي ينبغي أن تساهم في صنع الدخول الثقافي. كما يرى أن الأمر يتطلب العمل المتواصل والبرمجة الجادة، مشيرا إلى أنه لن يتحقق في غياب مؤسسات حقيقية تساهم في وضع البرامج وتسهر على تنفيذها مثل مؤسسات الدولة (ممثلة بوزارة الثقافة) ووسائل الإعلام، والجمعيات وخاصة دور النشر المغربية التي تهتم أكثر بالدخول المدرسي. كما يعتبر أن الدخول الثقافي لن يتحقق أيضا إذا كان اعتمد المفكرون والأدباء والمبدعون المغاربة على أنفسهم منتوجاتهم على نفقاتهم الخاصة ومن أجرة عملهم. ومن هنا، فدور المؤسسات ضروري، حسب قول الكاتب، مثلما هو الأمر في مصر والأردن ولبنان، الخ.