الأيادي القذرة

03 سبتمبر 2013 - 22:39

 

 

على القضاة التسعة الذين ثبتت في حقهم تهم خطيرة، مثل الرشوة واستغلال النفوذ والإخلال بقيم النزاهة والشرف والتجارة والمضاربات العقاريةعلى هؤلاء أن يطوفوا على ضحاياهم واحدا واحدا، ويطلبوا المغفرة والسماح، لأن الأحكام التي صدرت بعد رشوة كبيرة أو صغيرة لم تكن أحكامها عادلة، وقرارات الاعتقال أو المتابعة التي جاءت متأخرة بعد أن سبقتها «قطارات الذهب» لم تكن قرارات نابعة من ضمير العدالة.

القضاة الذين عوقبوا، أو الذين أفلتوا من عقاب الدنيا ومازال في انتظارهم عقاب الآخرة، حان الوقت لأن يشعروا بالآلام التي سببوها لضحاياهم عندما اختاروا أن يديروا ظهورهم للعدالة والقانون خوفا أو طمعا

إن سابقة «فضح» الأيادي القذرة في جسم القضاء العليل خطوة تستحق التشجيع، لأن سياسة «الستر» التي كان المجلس الأعلى للقضاء يتبعها سابقا مع القضاة الذين ثبت في حقهم ما يستوجب العزل أو الإحالة على التقاعد أو التوقيف الجزئيهذه السياسة كانت تعطي إشارات سلبية عن أن المجلس الأعلى للقضاء لا يعاقب أحدا، وإذا جرى وعاقب أحدا فإنه يظل مجهول الهوية، ومن ثم فإنه يقدم لمحيطه وعائلته مبررات غير حقيقية لخروجه من العمل

هناك قاعدة عامة في الإجرام تقول: «إن الجرائم التي تظهر على السطح تخفي ما بين خمسة إلى ستة أضعاف أخرى تظل تحت الماء مستورة، إما لأن أصحابها محترفون، وإما لأن ضحاياها جبناء يخافون التبليغ عن هذه الجرائم، أو لأنهم مقتنعون بأن لا جدوى من التبليغ عنها، لأن سياسة اللاعقاب هي السياسة المطبقة في بلد من البلدان، ولنا أن نتصور كم من قاض أو محام أو كاتب ضبط أو خبير أو شرطييفلتون من العقاب في «الجرائم» التي تعرفها العدالة في بلادنا.

يقول الكوميدي الفرنسي الساخر «كولوش»: «هناك نوعان من العدالة فوق هذه الأرض. أمامك المحامي الذي يعرف جيدا القانون، وعندك المحامي الذي يعرف جيدا القاضي»…

لنتصور أن النيابة العامة اختارت، تطبيقا للقانون وللعدالة، إحالة المتهمين التسعة على القضاء، وفتح تحقيق معمق حول شركاء هؤلاء القضاة في ما نسب إليهمسنجد خارطة كاملة لـ«المتورطين» في إفساد العدالة.

الرسالة الكامنة وراء «نشر» لائحة العقوبات موجهة إلى كل شركاء العدالة في المملكة، وخاصة إلى الجسم القضائي: أن كفوا عن عبادة المال، والخوف من السلطة، وتوبوا إلى ربكم. وإلى المحامين ونقابتهم: أن أعملوا القانون، ولا تتصرفوا بمنطق القبيلة مع بعضكم البعض، فتنصروا المحامين ظالمين أو مظلومين. الجميع ينتظر أن يرى لوائح المحامين الفاسدين تخرج من مكاتب النقباء أو المحاكمالعدالة مثل السبحة إذا انفرطت منها حبة ضاعت السبحة.

مشروع إصلاح العدالة وتنظيف بيتها يجب أن يتم بواسطة العصا والجزرة، العصا أي التطبيق الصارم للقانون ومحاسبة القضاة كبارا وصغارا ومعاقبة المحامين كبارا وصغارا ومراقبة سلوك الضابطة القضائية في الملفات الكبيرة والصغيرة تحت شعار: القانون فوق رأس الجميع وليس آلة يعزف عليها الكبار الألحان التي تستهويهم.

والجزرة تعني النهوض بالأوضاع المادية للقضاة لحفظ كرامتهم وتحصينهم من وسوسات الشيطان وقهر الزمان، في بريطانيا يتقاضى كبار القضاة أجرا يفوق أجرة رئيس الوزراء، تعبيرا من المملكة البريطانية عن احترامها وتقديرها للعدالة.

لا يعقل أن يبدأ القاضي عمله بأجرة 8 آلاف درهم وأن لا يرقى إلا بعد مضي 15 سنة، هذا أكبر تحريض له على اللعب بالذيل ومد يده للحرام.

على السيد وزير العدل أن يخوض معركة الرفع من ميزانية وزارة العدل وكتلة أجور قضاتها، فهذا أكبر استثمار يمكن لأي بلد أن يخوضه وهو في طريق الإصلاح، إنه الاستثمار في نظافة يد العدالة.

شارك المقال

شارك برأيك
التالي