اجتهد ذوو الرأي الثاقب في تعليل سبب انسحابنا كمنتدى مغربي للقضاة الباحثين من عضوية هيئة إدارة الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة، فجانب قال إن رئيسه له مصلحة خاصة لم تتحقق، وآخر قال إن الجمعيات المهنية، ما عدا واحدة فقط، هي كصفرٍ على الشمال لا تأثير لها، بينما توعدنا البعض الآخر في حواراته الخاصة التي بلغت إلى علمنا بالويل والثبور، وتناولنا بالكلام السيئ ! ومن باب الترفع لن نرد عليه ونكتفي بقول الشاعر:
لا يحسن الناس يوما أجر سادتهم
ولكن يجزلون العطاء للخدم
نحن سنضع حدا لكل هذا، ولن نتناول في قادم الأيام أي حديث عن موضوع إصلاح العدالة ببلادنا، لأننا ـ وبكل أسف ـ أصبحنا كأبطال نجيب محفوظ في روايته ثرثرة فوق النيل، اقتنع هؤلاء ـ وهم من الأطر المفكرة ـ أن بلادهم استغنت عن دورهم فآثروا الانزواء في عوامة على البحر وانغمسوا في سباحة حرة عبر ثرثرة ساخرة مؤسفة غامضة!
هذا ما حصل ويحصل عندنا بالضبط، فعندما يقول مسؤول مقرب من وزير العدل إن المغرب يقوم بنوع من المقاربة مع المعايير الدولية المعمول بها في مختلف الدول الديمقراطية وتفعيل التوصيات التي خرج بها الحوار الوطني لإصلاح العدالة، أسأله سؤالا بسيطاً: أين هذا الكلام من الواقع؟ هل نشر العقوبات التأديبية في غياب القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية فيه احترام لمبادئ حق القاضي في محاكمة عادلة وشرعية الطعن كما نص على ذلك الدستور، والأسئلة نفسها قابلة للطرح في مواضيع أخرى لا داعي لذكرها. وهي مواضيع لا يمكن بتاتا الحديث عن أي إصلاح فعلي حقيقي للقضاء بدونها. فإن لم تخضع للشفافية والموضوعية والحياد والجرأة فلا طائل من ورائها.
أنا اطلعت على ما نشرته وزارة العدل من بيانات حول طريقة اشتغال المجلس الأعلى للقضاء، وهي ذاتها الطريقة التي دأب على العمل وفقها قبل دستور 2011، واعتقد أن المسألة أكبر وأهم بكثير من مجرد نشر نشاط هذه المؤسسة، ولكي لا نُحْرِجَ أحداً، ولكي لا نوسع مساحة الغل والترصد، وحتى نريح ونستريح، سنترك أعنة الإصلاح لمن يجيد ركوب جواده، ولن نكتب فيه مرة أخرى، فأقوالنا وكتاباتنا مجرد ثرثرة ليس فوق النيل بل فوق « أبي رقراق !»
والله المستعان !!