«قرصة» الحاج بنكيران

19 سبتمبر 2013 - 15:16

 

 استند إلى «حُمَّار» الخيمة ومرّر كفّه على لحيته البيضاء المشذبة، وبدأ، كعادته، يوجّه فرسانه بعد أن تحلّقوا حوله. أعاد على أسماعهم سيرته القديمة، وشنّف آذانهم بدُرر حِكمه حول إعداد القوة «لهم» ورباط الخيل، ثم دعاهم إلى رفع أكفّ الضراعة إلى مجيب الدعاء، ليحفظ ولي الأمر والبلاد والعباد من البلاء، قبل الدعاء لأنفسهم بالعودة من «محْركهم» سالمين غانمين، ويختتموا بقراءة الفاتحة والتأمينانطلقت «السربة» إلى «راس المَحْرك»، ثم اصطف فرسانها، في نظام وانتظام، يتوسطهم الحاج بنكيران، وقد انتصب عن يمينه الحاج باها، وعن شِماله الحاج بوليف، وعاد «لمقدم» ليوصي فرسانه، وخصّ الحاج بوليف بـ«أمر» الحُسبان بلا «زيادة» أو نقصان! وانطلق «التگماز»، حيث كانت الجياد تمشي مرحاً، كأنها تسعى إلى أن تخرق الأرض أو تبلغ الجبال طولااعتقد المتفرجون في الموسم الكبير أن «لعلام» سينطق مباشرة الكلمة العجيبة «الحفيظ الله»، ويطلق العنان لفرسانه قبل جيادهم، لكن «التگماز» استمر إلى نهاية «لمحرك» حيث ينتصب «لُوتاقْ» المخزني، الذي يتوسطه، في جلسته البهية، السلطان. وقف بنكيران «بعودو لعلاّم اللي دايزو لكلام» أمام صاحب الصولة والصولجان، وانحنى أمامه تحية إكبار وعرفان، ليرد عليه بأحسن منها ويومئ بالانطلاق إلى الفرسانعاد الحاج إلى «راس لمحرك» وأعاد ترتيب فرسانه، وقدم لهم آخر توجيهاته، وتوعد الفرسان الشبان، الذين كانوا يمتطون أمهارا في جناحي «السربة»، بالاستبعاد إذا لم يحسنوا الأداء أو يُخسروا الميزان! أخيرا نطق الحاج بنكيران بالكلمة المفتاح «الحفيظ الله» وانطلقت الجياد عادياتٍ ضَبحا، مُورياتٍ قدحا، مغيراتٍ صُبحا، فأثرن به نقعا، فوسطن به جمعاوفي منتصف المسافة صاح الحاج «وا الخيل وا لْمكاحل، ثم أشار، بعد لمح البصر، إلى إطلاق «لقرصة»، وكذلك كان، لكن الطلقة كانت طلقات متفاوتة، فانتفض «لمقدم»، ونهض فارسٌ بشارب كث ليحتج على «لعلاّم»، وسحب من معه من الفرسان، وغادروا «السربة» بلا استئذان! وتوالت «لقرصات» مدرارا، لكنها كانت تخيب مرارا، وكان «لمقدم» يُعيد الكَرّة لأنه «لا زربة على صْلاح»، ولأنه لن يخسر شيئا مادامت «لحبّة والبارود من دار المخزن»، وكان كل مرة عندما لا تصيب «لقرصات» الفلاح، يلتفت عن يساره، ويحتج على الحاج بوليف بكثير من الصياح! وشيئا فشيئا بدأ الملل يتسرب إلى الجمهور، خصوصا مع ثرثرة قبيلة الصحافيين التي بُنيت خيمتها الصغيرة بمحاذاة السرادق الكبير، وبدا أن الكل يحارب ذلك بالخوض في هوية الفرسان الآخرين الذين سينضمون إلى «علفة» الحاج بنكيران. وبعد أن نادى المنادي «نزلو تّغدّاو را لخيل عْياو»، عاد الحاج بنكيران وصحبه إلى خيمتهم، ومدّوا، تباعا، أيديهم إلى «الطّاس» لغسل أيديهم ووجوههم مما علق بها من «الحَمْري»، وفجأة عاد «لمقدم» ليصرخ في فرسانه، ويقول لهم إنه «عاشق السّروت حتى الموت»، وإنه ضاق ذرعا بأدائهم، ومن «زيادة» الحاج بوليف التي تجعل العامّة يرطنون بكلمات غير تامّة، ولم ينس أن يذكرهم بأنه لا منافس لهم في «لمْحرك»، بعد أن انسحبت «السربة» تلو الأخرى، لأنهم رفضوا جميعُهم تحمّل «لعجاج» وأن «يتبورد» عليهم الحاج!

أخذت الشمس في أُفولها، ولكن «لقرصة» المنتظرة لم تأت بعد، وارتفع تأفف المتابعين وثرثرة «المشوشين»، لـ«يجفل» الحاج بنكيران، هو وجواده، ويقفز على حواجز التبن «بالَة.. بالة».. ويقف عند أقدام الصحافيين بـ«عَوْدو لزرگ بلجامو اللي يدگدگ لحجر بگدامو» ويخاطبهم: «انتوما ماشي رجّالة»!

شارك المقال

شارك برأيك
التالي