دعم تغيير الحدود يمثل سياسة أمريكية "فاشلة" تجاه موسكو

21 مارس 2022 - 04:00

” من المبادئ الأساسية المهمة للجميع من أجل ضمان الأمن والسلام في العالم، عدم تفكير أي دولة في اجتياح دولة أخرى وتغيير حدودها أو الاستيلاء عليها كما يحلو لها. وكذلك مبدأ عدم قيام أي دولة بمحاولة فرض إملاءات على مواطني دولة أخرى فيما يتعلق بمستقبلهم وتحديد مصيرهم. وعدم قيام أي دولة بإخضاع جيرانها بالقوة.. كل هذه المبادئ أصبحت في خطر الآن. لو سمحنا بانتهاك هذه المبادئ كما يفعل بوتين حاليا، ولو مر الأمر دون عقاب، فسيؤدي هذا الوضع إلى فتح صندوق باندورا بالنسبة للعالم بأسره”.

هذا مقطع من من كلمة لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أمام وزراء خارجية الناتو في 4 مارس الجاري، استخدم فيه تشبيه “صندوق باندورا” للمرة الثانية في معرض حديثه عن الأزمة الأوكرانية. ولعله كان يشعر بشيء من تأنيب الضمير، بينما كان يقول هذه العبارات ..

فعلى وزير الخارجية الأمريكي أن يكون مدركا بأن الأزمة ليست بسيطة واعتيادية إلى هذه الدرجة. ولو أن هناك دولة في العالم منذ انتهاء الحرب الباردة يمكن أن تكون مسؤولة عن اجتياح دول أخرى وتغيير حدودها فهذه الدولة هي الولايات المتحدة الأمريكية نفسها.

و إضافة إلى القرارات الخاطئة التي اتخذتها الولايات المتحدة عند سقوط يوغوسلافيا في التسعينات، فإنها دعمت انفصال كوسوفو عن صربيا، وبعد ذلك كانت أول دولة تعترف بها رسميا. وهذا جعل من الولايات المتحدة “قوة تحريفية”. وبعد تفكك الاتحاد السوفيتي ظهرت عدة دول مستقلة أخرى بعضها شاركت في حروب تحريفية مثل احتلال أرمينيا لإقليم قره باغ الذي دام 30 عاماً.

وكان قرار الولايات المتحدة -وهي القوة العظمى في العالم- بدعم انفصال كوسوفو عن صربيا مثالا على محاولات تغيير الحدود التي تحدث عنها بلينكن. وكان ذلك بالضبط هو ما فتح “صندوق باندورا” الذي تحدث عنه وزير الخارجية الأمريكي.

ومن الأمثلة الأخرى على دعم الولايات المتحدة لتغيير الحدود: جنوب السودان، وجمهورية الجبل الأسود التي انفصلت عن صربيا، وضم إسرائيل لهضبة الجولان. ربما يمكن إيجاد ذرائع وأسباب مختلفة لذلك ولكن النتيجة في النهاية هي أن أقوى دولة في العالم تدعم تغيير الحدود.

سياسات واشنطن الفاشلة تجاه روسيا

” توسع الناتو سيكون أكبر خطأ ارتكبته الولايات المتحدة في فترة ما بعد الحرب الباردة” فقرة وردت في مقال بعنوان “خطأ جسيم”، نشر في صحيفة نيويورك تايمز، لجورج كنان، مهندس استراتيجيات الحرب الباردة للولايات المتحدة ضد الاتحاد السوفيتي، عن مقترح توسع حلف الناتو في أوروبا الشرقية.

و المتابع لروسيا منذ عام 1999، يلاحظ أنها أيضاً قامت بتصرفات مشابهة للمواقف التي اتخذتها الولايات المتحدة في دعم بعض التحركات في شرق أوروبا. فمثلا بعد إعلان الجبل الأسود وكوسوفو استقلالهما عامي 2006 و2008، أعلن مسؤولو الناتو في أبريل 2008 أن أوكرانيا وجورجيا ستنضمان للحلف عاجلاً أم آجلا. وبعد 4 أشهر فقط لم يتأخر بوتين في إيجاد ذريعة لاحتلال مقاطعة جنوب أوسيتيا والاعتراف رسميا بانفصال أبخازيا عن جورجيا.

ورغم تحذيرات الخبراء الروس من أن توسع الناتو سيستفز موسكو، والإشارات التي تدل على أن بوتين قد يلجأ إلى أساليب مشابهة لقيامه بالقضاء على المقاومة في الشيشان بالقوة عام 1999-2000 كما يفعل القادة الروس دوما، عجز السياسيون الأمريكيون سواء من الجمهوريين أو الديمقراطيين عن تقديم أي حلول تمكنهم من ردع بوتين عن اتخاذ خطوات أعنف.

وعلى مدار 25 عاما الأخيرة، كان المصطلح الذي يتكرر كثيرا في وصف السياسة الأمريكية تجاه موسكو هو ” الفشل”. ومن الأمثلة على ذلك:

1- اعتقد بوتين أن بإمكانه احتلال أوكرانيا. لأنه أدرك أن باستطاعته التحرك بحرية وفقاً لمصالحه وارتكاب المجازر كما فعل في جنوب أوسيتيا وسوريا وليبيا ودونباس. في حين ظل الناتو والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ينتظرون تحرك بوتين دون أن يفعلوا أي شيء سوى فرض مزيد من العقوبات.

2- بدلا من أن تعمل واشنطن على عكس التأثير الروسي في سوريا فضلت تمويل وتسليح تنظيم إرهابي (ي ب ك/ بي كا كا) مدرج على لائحة الإرهاب.

3- بالرغم من تلميح بوتين منذ 7 سنوات بأنه سيهاجم أوكرانيا لم يقم الناتو والولايات المتحدة بإرسال أسلحة لكييف إلا بعد أن قام بوتين بغزو البلاد.

موقف المسؤولين الأمريكيين

لا يوجد حتى الآن حل سهل للوضع في أوكرانيا. فروسيا تولي أهمية كبيرة لشرق أوروبا، لأسباب تاريخية وجيوستراتيجية. وهي محقة في ذلك إلا أنها ومنذ 300 عام لم تنتهج أي مقاربة غير القوة العسكرية والضغط السياسي. وفي مقابل ذلك يرى المواطنون بدول أوروبا الشرقية ممن لديهم وعي تاريخي أنهم بحاجة إلى حماية أنفسهم من هذه الدولة الجارة التي أذاقتهم الأمرين على مدار 300 عام، ولذلك فإنهم يرون حلف الناتو درع حماية غاية في الأهمية ضد موسكو.

الخلاصة
على المسؤولين الأمريكيين أن يختاروا ألفاظهم بعناية، وأن ينتبهوا أكثر لتصرفاتهم. لأن الخطاب الأمريكي المتكرر القائل بأنها تدافع عن المبادئ، لم يعد يلقى قبولا في الكثير من الأماكن حول العالم. فالجميع رأى كيف أن الولايات المتحدة تنتهك هذه المبادئ وقتما تريد والكل رأى عدوانية نهجها في العراق وأفغانستان.

وطوال الأعوام العشرين الماضية انتظر العالم من الولايات المتحدة أن تتخذ موقفاً مبدئيا في مواجهة موسكو، إلا أن المسؤولين الأمريكيين لم يستطيعوا ذلك. والآن فات أوان التحرك ولذلك تعاني أوكرانيا من الدمار الذي يلحقه بها بوتين.

عن وكالة الأناضول

 

 

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي