الزويري: هذه خفايا الاتفاق الأمريكي الإيراني

29 ديسمبر 2013 - 22:10

 في هذا الحوار الطويل يكشف محجوب الزويري، الأكاديمي المتخصص في تاريخ إيران المعاصر والشرق الأوسط في جامعة قطر، 

حقائق مهمة عن الإتفاق الإيراني والغربي وكرونولوجيا لمسلسل المفاوضات، والمكاسب الإيرانية في الاتفاق وخسائر العرب، وحقيقة وأهمية البعد الطائفي في تعامل الغرب مع مشاكل وقضايا الشرق الأوسط

 

‭{‬ بدت فرحة كبيرة على المسؤولين الغربيين بعد إبرام الاتفاق الأخير مع إيران، في رأيك  إلى ما يعود مبرر هذا الفرح، هل إلى كون المفاوضات كانت شاقة أم إلى المكاسب الكبيرة التي تم جنيها؟

< لابد في البداية من لمحة عن تاريخ المفاوضات الإيرانية الغربية، لفهم قيمة الاتفاق الحالي، المفاوضات تعود إلى العام 1997، تاريخ الانفتاح الأمريكي الإيراني، الفرق هو أنه من العام 1997 إلى 2002، لم يكن الملف النووي حاضرا، كان الحديث فقط، عن ملف العلاقات الثنائية، التغيير الذي حصل بعد 2002 هو أنه تم الكشف عن برنامج نووي إيراني، فتغير منحى العلاقات بين إيران والمجتمع الدولي والولايات المتحدة نحو التركيز على لجم الملف النووي الإيراني ودخلت إيران وأمريكا في مفاوضات بعد الحرب على أفغانستان حيث انحصرت في الملف النووي الإيراني فقط. لكن، عندما تبين للولايات المتحدة تحت إدارة الرئيس جورج بوش أنه لا يمكنها تحمل عبء مفاوضات فردية مع إيران، أدخلت الأوروبيين فيما يسمى المجموعة الثلاثية «فرنسا ـ بريطانيا ـ ألمانيا». ما حصل بعد ذلك، هو أن كل المحادثات التي تمت بين الإدارة الأمريكية بقيادة بوش وإيران كانت تصل إلى أبواب مقفلة والسبب في ذلك، يعود إلى الوضع السياسي الداخلي في البلدين. الإيرانيون، وتحديدا، ممثلو البرلمان والمحافظون بكل أطيافهم كانوا يمنعون الصفقة أو يعرقلونها، والكونغرس كان يفرض عقوبات على إيران، فيتوقّف أي اتفاقٍ، ثم إن بوش كان قد صنف إيران في دول محور الشر أي فيما يُسمى الحرب على الإرهاب، وبالتالي، كانت أي محاولة للتراجع من قبله تتطلب جرأة وشجاعة كبيرتين لكي يغير تصور الأمريكيين عن إيران وكان من الصعب تغيير ذلك. وجاءت فترة رئاسة أحمدي نجاد، فزاد مستوى الحرب الكلامية بين البلدين، لكن المفاوضات لم تنقطع. وتطورت الأمور لاحقا بشكل غير متوقع، وخلال الفترة الأخيرة من ولاية أحمدي نجاد، بدأ الرئيس أوباما يبعث برسائل التهنئة بمناسبة النيروز للإيرانيين حينها، صرح نجاد أنه ليس هناك مشكلة مع الولايات المتحدة إذا أرادت الدخول في مفاوضات مع إيران. في هذه الفترة كان يجري نقاش داخلي في إيران، وتحديدا داخل مجلس الأمن القومي الذي يرأسه المرشد الأعلى والمتنفذ في معظم هيآت الدولة الخارجية والاستخبارات والدفاع والحرس الثوري. نتيجة لهذا النقاش، حصل توافق على فكرة أنه لا يمكن البقاء في مسلسل الخصومة مع الولايات المتحدة، خاصة في الملف النووي لأن العقوبات بدأت تنهش الاقتصاد الإيراني وتنهك المواطن الإيراني، وذلك يعني عمليا تضعضعا في مشروعية النظام وزعزعة لاستقراره، وبالتالي، وجدت القيادات الإيرانية نفسها مضطرة للبحث عن مخرج، والمخرج المتاح كان هو الدخول في محادثات سرية قام وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي بجهد كبير في الانخراط فيها.

 

‭{‬ كيف تمت عمليا هذه المحادثات ومن كان الوسيط فيها؟

< أنا أتحدث عن معلومات كنت أعرفها قبل 8 أشهر وكُشف عنها قبل أيام قليلة. إذ قام وزير الخارجية العماني بزيارة للعراق وتبعتها زيارة صالحي وكان جون كيري في ذلك الوقت رئيساً للشؤون الخارجية بالكونغرس وكانت لدى هذا الأخير قناعة عامة بأن سوريا وإيران يمكن استيعابهما، وزار الرئيس السوري أكثر من مرة عندما كان وزيرا للخارجية واجتمع معه، وكان يعتقد أنه يمكن فصل إيران عن سوريا عن طريق الجهود الدبلوماسية، وكان دائما ممثل الحكومة الأمريكية في التفاوض مع هذين النظامين وعندما فشل مع النظام السوري، اتجه للتفاوض مع الإيرانيين. 

المفاوضات جرت في مسقط وكانت المطالب واضحة، الإيرانيون كانوا يريدون أن تتوقف الولايات المتحدة عن فرض أي عقوبات جديدة، مقابل أن يضعوا كل شيء على الطاولة، وأن لا تكون هناك خطوط حمراء في التفاوض، هذا كان شرط الإيرانيين. في هذه الأثناء انتقل جون كيري من لجنة الشؤون الخارجية إلى وزارة الخارجية الأمريكية ونقل كل الفريق الذي كان يعمل معه إلى الوزارة، واتفقت الإدارة الإمريكية على مسألة أساسية وهي أنه لا مجال لمزيد من التصعيد مع إيران، لأنهم يريدون خروجا آمنا من أفغانستان ومن العراق، ويريدون حدا أدنى من التوتر مع إيران، وفي هذا الوقت ظهرت بوادر ما سمي بالربيع العربي، حيث حدثت هدنة بعد ذلك، وهنا اتفقت الخارجية الأمريكية والبيت الأبيض على شيء واحد وهو المضي في التفاوض مع إيران إلى آخر الخط، خلاصة الموقف الإيراني أنه في هذه المرحلة يجب السير في خط التفاوض مع الولايات المتحدة، فإما التوصل إلى اتفاق وهدنة وإما المواجهة، لم يكن الإيرانيون على استعداد لتكرار ما حصل من عام 1997 حتى 2010، كانوا مقتنعين أنه يجب أن يمضي مسار التفاوض حتى النهاية، وأخذت الحكومة السابقة بالتالي، موافقة داخلية، ووافق المرشد العام للثورة على هذه الرؤية، في الوقت نفسه، اتفقت الإدارة الأمريكية على إبقاء التوتر في حده الأدنى، الكونغرس رفع قبعته، وأعطيت تعلميات للإعلام الأمريكي بعدم إظهار أي ممانعة للمفاوضات وحجبت المعلومات عن الإعلاميين قدر الإمكان حتى لا تثير الرأي العام الأمريكي.الأمر الثالث والأهم في هذا المسار، كان هو الاستناد على معلومات الاستخبارات، هذه المعلومات في 2007، كانت تفيد بأن برنامج إيران النووي توقف عن أي نشاط له علاقة بالعمليات العسكرية؛ في الواقع هو توقّف في الـ 2003، وفي 2007، تأكد أنه لم يعد فيه أي شبهة عسكرية وبعدها لم يرد أي خبر يقول إن البرنامج النووي الإيراني بصدد التطور لأغراض عسكرية، وبالتالي، صار لدى الرئيس الأمريكي ووزير الخارجية تصور واضح بأنه يمكنه المضي في المفاوضات التي تقرر أن تتم في عمان، كان كل شيء يجري خلف الأبواب المغلقة ولم يكن الأوروبيين ولا حتى العرب يعرفون شيئا عما يجري، العمانيين أيضا كانوا لا يعرفون شيئا عما يتم على أرضهم. لا أحد كان يتصور أن تتم المفاوضات بهذه السرعة، الطرفان كانا يراهنان على الوقت.

 

‭{‬ هذه المفاوضات كما قلت سابقا ليست الأولى التي تتم بين الغرب وإيران، ما الذي جرى حتى أفضت هذه الجولة من المفاوضات إلى الاتفاق؟

< للعلم فقط، المفاوضات بدأت في باريس وبرلين وقبرص قبل سنوات، لكنها لم تتوصل إلى اتفاق، ما حصل في الفترة الأخيرة هو أن النظام الإيراني بعد الثورة السورية وجهت له الضربة التي عجلت بالاتفاق، كان هذا النظام يواجه لأول مرة منذ الحرب العراقية الإيرانية تحديا من نوع خاص، النظام السوري كان في طريقه إلى السقوط، خاصة بعد أن بدأ يخسر بعض المناطق لفائدة الثوار والجماعات المسلحة، وبعد قراءة أمنية توصل النظام الإيراني في صيف 2012 إلى أن نظام الأسد غير قادر على الإمساك بزمام المبادرة وأن النظام لا محالة منهزم، وهو ما دفعهم إلى التدخل في سوريا، الإيرانيون كانوا يخشون أن يحسب عليهم التدخل في سوريا مع البرنامج النووي ويتخذ ذريعة للتدخل العسكري ضدهم، ففكروا بطريقة تبعد عنهم كل هذه التهديدات عبر  الانفتاح الأكثر في التفاوض مع الولايات المتحدة وساعدهم في ذلك روسيا. في الواقع، الأمور تمت بطريقة في غاية الغرابة، في الفترة التي كانت إيران تفكر فيها بدعم النظام السوري على الأرض وأرسلت قوات للقتال إلى جانب نظام الأسد، طرح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، طرح مبادرة تستند على ضرورة استعادة ثقة المجتمع الدولي بالطابع السلمي للبرنامج النووي الإيراني مع البدء في إلغاء العقوبات المفروضة ضد طهران، وتضمنت بنود المبادرة مفاوضات كاملة مع النظام الإيراني، على أساس لا حدود في التفاوض وضرورة مناقشة موضوع التخصيب ودرجاته. تلقف الإيرانيون المبادرة الروسية وقالوا نحن مستعدون لفتح المفاوضات من جديد، لكن بعد دخولهم في آخر مفاوضات خف التواصل بسبب الانشغال بالانتخابات الرئاسية الإيرانية، لمدة شهرين تقريبا. في تلك الفترة تغير المشهد السياسي في إيران كثيرا بعدما كسب حسن روحاني معركة الرئاسة؛ في الواقع مجيء روحاني لم يكن محض صدفة، إذ تغير مزاج المشهد السياسي، وكان تغييرا للمزاج السياسي للدولة، لأن ذلك يغير صورتها خارجيا وداخليا. أهمية روحاني تكمن في أنه أول مفاوض في الملف النووي الإيراني ورئيس أول وفد مفاوضات مع الغرب حول النووي، وهو الشخصية التي أوقفت التخصيب حين كان مفاوضا رئيسيا، وهو الشخص الذي أبلغ الأوروبيين في 2004 أن التخصيب سيوقف لمدة 4 أشهر، وبالفعل، أوقف الإيرانيون التخصيب في تلك الفترة ولم يعودوا إليه إلا عندما أصبح أحمدي نجاد في 2005 رئيسا لإيران، وبالتالي، هو شخص يعرف تفاصيل الملف. روحاني بعدما أصبح رئيسا استخدم صلاحياته متخذا خطوة مهمة بإيقاف معظم الأنشطة المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني في بعض المفاعلات الأساسية  وأخبر الوكالة الدولية للطاقة الذرية بذلك. إثر ذلك، أصدرت الوكالة الدولية تقريرا تعلن فيه أن إيران أوقفت كثيرا من أنشطتها النووية منذ 4 أشهر، وكان ذلك بمثابة بطاقة اعتماد بأن إيران جدية وهو ما استندت عليه الولايات المتحدة لاستئناف المفاوضات. كل هذا تم في سياق متدرج، لا أريد أن أجزم أنه ما تم كان كله مخطط له، لكن هناك ارتباط عضوي بين الأحداث كاملة، وهي التي سهلت على الإيرانيين التفاوض أكثر.

 

‭{‬ كيف سلم المحافظون الإيرانيون بضرورة عقد اتفاق مع الغرب رغم العداء التقليدي بين الطرفين؟

< المفاوضات لم تكن سهلة، لأنه في كل بلد هناك قوى سياسية قد تعرقل أي اتفاق بحسب رؤيتها للمشكل والحلول، في جنيف الأول حين توقفت المفاوضات كانت المشكلة مع الكونغرس الأمريكي، وكذلك بسبب عدم اتفاق بين الأوربيين ولم تكن المشكلة مع  الإيرانيين بالأساس. الولايات المتحدة كانت تصر على حل لم تقبله فرنسا، والكونغرس كان يريد أن يفرض عقوبات على إيران لم يقبلها الرئيس، وكانت سوزان رايس تعمل على إقناع الكونغرس بعدم فرض أي عقوبات، وجون كيري كان يستغل علاقاته الشخصية مع أعضاء لجنة الشؤون الخارجية لكي لا يفرضوا عقوبات جديدة على طهران. كل هذا النقاش تم والمفاوضات جارية في جنيف. ما جرى عمليا هو أنه حين استطاعت الإدارة الإمريكية إقناع الكونغرس بعدم فرض عقوبات إضافية أصبحت فرنسا هي المشكلة، بسبب موقفها من سوريا؛ فرنسا تعتبر أنه يجب أن لا يكون لإيران أي دور في سوريا وأن لا تحصل على كل الامتيازات الاستراتيجية في المنطقة، ولذلك، فتحت الكثير من الملفات الفرعية كملف التخصيب والطرود المركزية، أي بصيغة أخرى وضعت عقبات في طريق التفاوض، وهو ما دفع الإيرانيين للقول نحن لا نريد مفاوضات، وتوقفت فعليا المفاوضات، خلال الفترة التي تلت والتي دامت 10 أيام. خلال هذا التوقف، حصل تواصل بين الأمريكيين والإيرانيين، وقال الإيرانيون للأمريكيين «تريدون أن يحصل الاتفاق بيننا، لذلك، يجب أن يتم على أساس الشروط التي اتفقنا عليها منذ شهور وإلا فلنوقف المفاوضات تماما». عمل الأمريكيون على إقناع الكونغرس والفرنسيين والإسرائيليين بوجهة نظرهم.

 

‭{‬ والعرب ألم يؤخذ رأيهم في هذا الاتفاق؟

أمريكا لم تفكر بالعرب ولم تستشرهم، لأنهم ليسوا لاعبين مهمين بالنسبة إليها في هذه العملية. الاجتماع الثاني كان واضحا تماما، مواطن الاتفاق موجودة ومعلومة، لكن انحصرت المشكلة في بعض التفاصيل، كان الحديث مثلا عن كمية الأموال التي ستفرج عنها الولايات المتحدة لإيران وموضوع الطلبة الإيرانيين وحصص بيع النفط الخ.. هذه كلها قضايا تم استكمالها في المفاوضات النهائية. 

 

‭{‬ لماذا سادت فكرة بأن إيران هي المستفيد الأكبر من هذا الاتفاق؟

< كلا الطرفين مستفيد من الاتفاق وهو برأيي اتفاق أمريكي ـ إيراني وليس أوروبيا إيرانيا. الرئيس أوباما والرئيس روحاني استفادا بشكل شخصي من الاتفاق، بالنسبة إلى الرئيس أوباما ظل سياسيا منسجما مع موقف حزبه من هذه القضية ومع طريقته في حل النزاعات الخارجية، واستطاع أن يحقق لأمريكا إنجازا لم يستطع أحد تحقيقه من قبل عبر المفاوضات. هذا، وعند قراءة الاتفاق المكون من خمسة بنود نجد مجرد أوامر موجهة لإيران، لكن الخلاصة الأهم هي أن التخصيب لم يتوقف في إيران، ليس هناك بند إلزامي بوقف التخصيب، ولا حتى اليورانيوم المخصب بدرجة 20 في المئة، وقدره 195 طنا؛ بنص الاتفاق تحتفظ إيران بنصف الكمية ويحول النصف الباقي إلى ما يُسمى برنامج الأكسيديس أي بدرجة تخصيب 305 في المئة. وهذا اليورانيوم يمكن لإيران أن تحوله إلى معدل 20 في المئة من التخصيب لأنها تمتلك الآن التقنية لذلك. 

 

 ألا يعتبر هذا الاتفاق بطاقة عبور إيران إلى السلاح النووي؟

< باعتقادي الإيرانيون فازوا بمسألة أساسية في كل شيء من برنامجهم النووي، وهي أنهم لم يخسروا المعرفة، كانوا يريدون الوصول إلى معرفة كيفية إنتاج الطاقة النووية وإمكانية إنتاج سلاح نووي، هذا لا ينكرونه، إنما في واقع الأمر الإيرانيون أزعجوا المنطقة طيلة 33 سنة بدون سلاح نووي، بالكلام فقط. القنبلة النووية لا تخيف هي تردع الخصم فقط، لا أحد يستخدم النووي ضد خصمه ليخيفه، الإيرانيون كان ينقصهم الكثير من عناصر التكنولوجيا وكانت مكلفة بالنسبة إليهم، كان يهمهم أن يمتلكوا على الأقل المعرفة العلمية وقد حصلوا عليها، والاتفاق  يُرجع إليهم حوالي 7 أو 8 مليارات دولار في 6 أشهر، ويُمكِّنهم من صرف نصف مليار دولا للطلاب الإيرانيين في الخارج من الودائع الإيرانية المجمدة في البنوك الغربية. هم يعتبرون هذا إنجازا، وأنا أعتقد أن الاتفاق فيه مكاسب كثيرة لإيران، لأنه اعتراف ضمني ببرنامج إيران النووي الموجود حاليا، بمعنى آخر بإمكان إيران بموجب هذا الاتفاق أن تبني عليه وتحصل على مساعدة دولية في المستقبل لاستخدام برنامجها النووي، هذا وارد بمقتضى الاتفاق، المكسب الثاني هو التفكك الذي حصل فيما يسمى بالتحالف الدولي، إذ طوال الفترة الماضية كانت الولايات المتحدة تقود هذا التحالف ضد إيران. هذا التحالف الآن لم يعد ثابتا ومتناسقا، الأوروبيون مسرورون بالاتفاق لأنهم يريدون كسب الوقت بمنطق «دعونا نهدىء هذه الجبهة قليلا إلى حين التفكير في ملفات أساسية أخرى أكثر إلحاحا داخليا وخارجيا»، لكنهم بالتأكيد، ليسوا متفقين كليا مع الرؤية الأمريكية. الأمر الآخر الذي يُحسب لإيران في هذا الاتفاق هو أنها تستفز جيرانها وتحديدا تركيا والسعودية ولسان حالها يقول «أنا لاعب مهم في المنطقة، أنتم منذ سنوات طويلة أصدقاء لأمريكا، أنظروا كيف طوعنا أمريكا وأجبرناها على الاتفاق معنا بشروطنا»، هذه المناكفات لها علاقة بـ»البريستيج» وهو مهم جدا في السياسة، لاحظي أنهم وقعوا الاتفاق ولم يعيروا أحدا اهتماما، قبل أيام كتبت على الـ»توتير» تغريدة قلت فيها «وزير الخارجية الإيراني ظريف في جولة خليجية يبدؤها من طهران ووضعت سؤالا: سيناريو أم نبوءة؟. وزير الخارجية الإماراتي كان أول زوار طهران بعد الاتفاق، الأصل هو أن يقوم الإيرانيون بزيارة لعواصم المنطقة لتفسير ما جرى. جون كيري زار السعودية قبيل الإعلان عن الاتفاق ولم ينبس بكلمة واحدة لحلفائه التقليديين عما جرى وسيجري. فكرة الحلفاء في السياسة غير صافية وأحيانا تكون قذرة، لكن العرب لم يدركوا ذلك بعد. 

 

‭{‬ هل برأيك هناك بنود سرية في الاتفاق الإيراني الغربي؟

< لا أستطيع بعد هذه الفترة الوجيزة أن أقول إن هناك بنودا سرية في الاتفاق، لكن حسب ما علمت أستبعد أن تكون أسرار في الاتفاق، إذ بعد بضعة أسابيع ستعقد جولة مفاوضات أخرى وهي المفاوضات التفصيلية حول الاتفاق النهائي وتطبيقه، وفي الأسابيع المقبلة سيبدأ الإفراج عن بعض الأموال الإيرانية، المهم أن يتم خلال الشهر المقبل متابعة التنفيذ، علينا أن ننتظر تقارير الوكالة الدولية، ونتأكد من أنها تعطي انطباعا إيجابيا عن التعاون الإيراني، يكفي أن يكون تقرير واحد من هذا الاتفاق – أقول واحد فقط – من وكالة الدولية للطاقة الذرية يقول بأن إيران قامت بنشاط تجريبي في مفاعل آراك لينسف الاتفاق بكامله. الغربيون لا يريدون أن يعطوا لإيران امتيازات مطلقة، هم يريدون أن تظل خيوط اللعبة بأيديهم لأن نجاحهم غير مضمون، والإيرانيون بدورهم عنيدون ولديهم طريقتهم في التفكير وهي ليست سهلة، يعتمدون على سياسة النفس الطويل، ويؤمنون بقضية الفوز بالنقاط وليس بالضربة القاضية. يضعون احتمالات لفشل الاتفاق، ولن يكون الفشل مشكلة بالنسبة إليهم، المهم أنهم فازوا وسجلوا نقاطا على الخصوم، هم لا يؤمنون بضرورة أن تسير الأمور إلى النهاية كما يريدون، فازوا بنقطة في العراق البلد الجار والعدو التاريخي، وأصبح بلدا غير آمن، وصار معضلة سياسية وأمنية، لكنهم فازوا بنقطة في الصراع وهي أن الكل يقر بالدور الذي يلعبونه في العراق وهذا يكفيهم. 

 

‭{‬ هل يمكن افتراض أن أمريكا اهتمت بالمسألة الطائفية في الاتفاق وأرادت من خلاله خلق توازن سني ــ شيعي في المنطقة ؟ 

< أعتقد أن قضية المذهب والدين يتم تسطيحها في السياسة الخارجية العربية، إذ يتم التعامل مع إيران باعتبارها دولة دينية تُصدر دراويش ومفاهيم دينية هي مسألة مغلوطة وهو ما أسميه تسطيحا وعدم الرغبة في التعامل مع الموقف بجدية، إيران دولة قومية بامتياز والإسلام أحد ملامح هويتها، وهي دولة تتعامل وفق مصالحها القومية، ينطبق عليها مفهوم «الدولة الوطنية»، هي دولة ناضجة في حدودها ومصالحها ونظامها السياسي، أركانها المجتمعية واضحة وراسخة ولم تتغير منذ 400 سنة، هذه حقيقة مهمة تعكس سلوك الدولة، والدين أحد عناصر الهوية فقط، سأعطيك مثالا، لو كان الدين والمذهب مهمينا، لكانت إيران ساعدت الشيعة في أذربيجان، وهم غالبية، لكن إيران تحالفت مع النظام العلماني هناك ضد الشيعة.

 

شارك المقال

شارك برأيك
التالي