المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية: أمن جيد وسعادة أقل!

23 نوفمبر 2022 - 10:38

نشر المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية مؤخرا الإصدار العاشر من لوحة القيادة الاستراتيجية (أكتوبر 2022). إنها وثيقة تعج بالمعلومات الكمية والمعرفة المفيدة لاتخاذ القرار بشأن أكثر من 200 مؤشر استراتيجي، مصنفة وفقًا لعشرة مجالات للرصد الاستشرافي.

يمكننا أن نتصور أن العمل المنجز لجمع المعلومات وتصنيفها وتحليلها ليس تمرينًا بسيطًا. بل تطلب « آلة جيدة الشحذ » ومنهجية مضبوطة. لقد تم جمع المعلومات المتعلقة بالمؤشرات المختلفة، والتي لا ينتجها المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية، من مصادر متنوعة، وهي: المنظمات الوطنية مثل المندوبية السامية للتخطيط، والوزارات، ومكتب الصرف… أو المؤسسات الدولية مثل البنك الدولي، صندوق النقد الدولي، منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، منظمة الصحة العالمية، منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، مركز الدراسات المستقبلية والمعلومات الدولية.

ومن أجل قراءة سريعة، يجد القارئ في بداية التقرير جدولا موجزا يحدد المجالات التي يتقدم فيها المغرب، وتلك التي يتراجع فيها، وأخيراً تلك التي يشهد فيها ركودًا. وبالمثل، يمكن قراءة كل مجال للرصد الاستشرافي بشكل مستقل حسب اهتمام القراء.

التحليل التركيبي لنتائج هذه الطبعة العاشرة تم تقديمه على النحو التالي:

تطور ملائم يهم المؤشرات المتعلقة بالتمسك بثوابت الأمة وقيم الهوية، والتضامن التقليدي، وشفافية السياسات العمومية، والنظام المالي، وإدارة أزمة كوفيد19، ومكافحة آثار تغير المناخ، والحد من البصمة الإيكولوجية، وإدارة الهجرة، والربط الجوي والبحري، والبيانات المفتوحة، والمساهمة في السلام والأمن الدوليين، ومكافحة الجريمة السيبرانية.

تطور متوسط يتعلق بالمؤشرات الملازمة لسيادة القانون، والاستقرار السياسي، والحكامة، وفعالية المؤسسات العمومية، والتنمية البشرية والرفاهية الاجتماعية، والحريات العامة، والثقة المؤسسية، والتضامن المؤسساتي، ومكافحة الفساد والغموض المالي، والقدرة التنافسية الاقتصادية، وجاذبية الاستثمار الأجنبي المباشر، والتحول الطاقي، وجاذبية قطاع السياحة، والقوة الناعمة، والعلامة التجارية، والإدماج الرقمي، والابتكار، وكذلك السلام الداخلي، الأمن/الدفاع، ومكافحة الإرهاب، والأمن الصحي.

وأخيرًا، ما يسمى بالتطور « غير المناسب » أو غير الملائم حيث يتعلق الأمر بالثروة الاجمالية لكل فرد، والسيادة الغذائية والمائية والطاقية، وتدبير الموارد المائية، وحالة تدهور التنوع البيولوجي، ورفاهية الأم، وجودة نظام التعليم، ونموذج التمويل الصحي، والتأطير الطبي، وتطوير المدن الذكية، والتحضير لتقنيات المعلومات والاتصالات الجديدة، والرابط السياسي، وعدم المساواة بين الجنسين، والحركية الاجتماعية، والآفاق المستقبلية للشباب.

هذا التقييم الشامل، الذي يتم قبوله على نطاق واسع والذي يحتاج إلى تدقيق، يترجم الدينامية الاجتماعية والتطور المتناقض للبلد. إذ نتقدم في بعض المجالات، ونراوح مكاننا أو نتراجع في أخرى. ومن مميزات التقرير أنه يبين لنا أين تتقدم الأشياء وأين تنحسر وتتوقف.

ودون تحليل جميع المؤشرات بالتفصيل، وهو ما قام به التقرير، سنأخذ ثلاثة أمثلة توضيحية للتصنيف أعلاه: ملائم، متوسط​​، غير ملائم. وهكذا يمكن قراءة كل حالة على النحو التالي، وفقًا للمقياس المعتمد من قبل المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية. فالمؤشر الملائم يمكن أن يكون في تطور أو في حالة ركود أو في تراجع. وهكذا على سبيل المثال، يعتبر الأمن الرقمي في وضع ملائم، ولكنه أخذ في التراجع خلال الفترة الممتدة ما بين 2014 و2020؛ أما الارتباط بالأمة فيوجد في وضع ملائم، لكنه عرف ركودا خلال الفترة الممتدة ما بين 2009 و2016؛ وأخيرًا، أصبح الولوج إلى الماء والكهرباء في وضع ملائم ويتحسن نحو الأفضل خلال المدة المتراوحة ما بين 1998 و2021. ويمكن تسجيل نفس الملاحظة حول المؤشرات في حالة غير ملائمة أو متوسطة.

لنمر الآن إلى تحليل بعض مجالات الرصد الاستشرافي. الأول بعنوان: « الحفاظ على السيادة الغذائية والطاقية وضمان الانتقال البيئي للبلاد ». على مستوى الموارد الغذائية، نلاحظ على المدى الطويل، زيادة الاعتماد على الخارج فيما يخص الحبوب بسبب ارتفاع عدد السكان واشتداد وتيرة الجفاف. وهكذا، انتقل معدل الاعتماد على استيراد الحبوب من 14% بين 1963 و1972 إلى 42.5% بين 2009 و2021! بالإضافة إلى ذلك، فقد تراجع تموقع المغرب عالميا على مستوى مؤشر التحول الطاقي بـ 10 مراتب بين سنتي 2021 و2022، حيث انتقل من المرتبة 26 إلى المرتبة 36. ويرجع ذلك أساسًا إلى الأداء المتواضع الذي سجلته الدولة في مجال « الابتكار النظيف » وعدم تتبع وتشجيع الابتكارات المسؤولة بيئيا خلال سنة 2021.

أما على مستوى مجال الرصد الاستشرافي الخاص « بالدفاع عن الوحدة الترابية وتعزيز قدرتها على الصمود في مواجهة التهديدات عبر الوطنية »، فيعتبر المغرب من بين أفضل 30 دولة آمنة في العالم والدولة الإفريقية الأكثر أمانًا في سنة 2021. كما تحسن وضعه على مستوى هذا المؤشر (أكثر البلدان أمانًا في العالم) بشكل ملحوظ بين سنتي 2019 و2021، ويرجع الفضل في ذلك بشكل خاص إلى إدارته الجيدة للأزمة الصحية. من جهة أخرى، وحسب مؤشر الإرهاب العالمي، تم إدراج المغرب، الذي كان في الماضي القريب بين البلدان «دون تأثير إرهابي»، في فئة البلدان «ذات التأثير المحدود» منذ سنة 2019. بيد أن الجهود التي تبذلها السلطات الأمنية لمكافحة هذه الآفة، ولا سيما الأعمال الجارية لتفكيك الخلايا الإرهابية، التي أشاد بها المجتمع الدولي، ستسمح بالتأكيد للمملكة باستعادة مكانتها بين البلدان «دون تأثير إرهابي» في المستقبل القريب.

على مستوى مجال الرصد الاستشرافي الموسوم بـ « تلبية الاحتياجات الأساسية وتطلعات المواطنين »، فإن جميع المؤشرات توجد عمليًا في وضع غير ملائم أو متوسط، وهو ما يؤكده التصنيف الدولي السيئ فيما يتعلق بالتنمية البشرية. فعلى سبيل المثال، يحتل المغرب في مؤشر السعادة على المستوى العالمي مكانة لا يحسد عليها. ولكي تتحسن هذه الوضعية في المستقبل، سيتعين عليه استكمال تعميم التغطية الاجتماعية وتحسين نوعية الحياة لسكانه حسب ما ورد في التقرير.

وفي الفصل المعنون بـ «ضمان التحول الهيكلي للاقتصاد المغربي والنجاح في الصعود»، يتوفر المغرب على خصائص بلد في «مرحلة الصعود»، حيث أن المؤشرات الرئيسية المتعلقة بهذا المجال الاستشرافي هي في المستوى المتوسط. فعلى سبيل المثال، فيما يتعلق بالمؤشر العام للقدرة التنافسية، تحسن وضع المغرب على الصعيد الدولي تحسناً طفيفاً، تماشياً مع الجهود التي تبذلها السلطات العمومية في مجال تطوير البنيات التحتية وتعزيز القدرة التنافسية اللوجستية. وينطبق الشيء نفسه على مؤشر مناخ الأعمال، الذي حقق فيه المغرب قفزة حقيقية بتقدمه 75 مركزًا بين سنتي 2004 و2020. من ناحية أخرى، من حيث المؤشر العالمي للحريات الاقتصادية، يبدو أن البلاد تراوح مكانها إن لم تتراجع بسبب ترددها في مكافحة الفساد.

وباختصار، لقد أنجز المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية، بصفته مركزًا للتفكير وإبداء المقترحات، مهمته كما ينبغي. ويجب على السلطات العمومية وصناع القرار العمل على تصحيح الاختلالات وتثمين إيجابيات ونقط قوة بلادنا. إذ لا تزال التنمية البشرية، وتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان، والحد من التفاوتات الاجتماعية والمجالية من الأولويات القصوى.

ترجمه للعربية عبد العزيز بودرة

 

 

 

 

 

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي