قال كريم مدرك، سفير المغرب في السويد، إن “قضية الصحراء المغربية تبقى على رأس أولويات الدبلوماسية المغربية، التي تتجند للدفاع عنها في كل الظروف داخل المحافل الدولية وكذلك في علاقاتها الثنائية”.
وأوضح الدبلوماسي المغربي في حوار مع “اليوم 24″، أن هناك “جهودا مكثفة في التواصل مع مختلف الجهات (بالسويد) لإيصال الصورة الصحيحة حول المملكة، للحد من المغالطات التي تتبناها أطراف أخرى، ووجهات النظر الرسمية حول المواضيع المطروحة”.
وأكد السفير المغربي، أن العلاقة مع المسؤولين السويديين، “مشبعة بالاحترام المتبادل والصراحة، مما يسمح بفهم بعضنا البعض بشكل أفضل، والتركيز على أحسن الوسائل التي تساعدنا في مواجهة كل التحديات والصعوبات”.
إليكم نص الحوار:
ما تقييمكم لطبيعة العلاقات الدبلوماسية بين المغرب والسويد؟
عرفت العلاقات بين المملكة المغربية ومملكة السويد تطوراً ملحوظاً في عدد من المجالات، والبلدان تربطهما علاقات تاريخية وثيقة تؤهلهما، لأن يكونا نموذجًا في العلاقات الثنائية، وذلك بفضل الرغبة الأكيدة لدى مسؤولي البلدين في توطيدها وتدعيمها، وحرصهما المشترك على الارتقاء بها في كافة المجالات.
وتسعى سفارة المملكة المغربية لدى السويد، إلى تحفيز بكل السبل الممكنة هذه العلاقة، وإلى تعزيز التواصل القائم مع دوائر صنع القرار في مملكة السويد، لما فيه خير المملكتين وشعبيهما الصديقين.
فمنذ تعييني سفيرا بمملكة السويد، سهرت على مواصلة تقوية وتعميق العلاقات الثنائية، وعلى تطوير المصالح المشتركة بين البلدين. عملت السفارة، من خلال تواصلها المستمر والفعال مع المسؤولين الحكوميين ورجال الأعمال ووسائل الإعلام، على إبراز الإنجازات العديدة في مجالات التنمية البشرية والتعريف بالمسار الديمقراطي والتنموي الذي يعرفه بلدنا، بفضل الرؤية الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله.
كيف تعمل الدبلوماسية المغربية للترافع بخصوص القضية الوطنية في المنتظم الدولي عامة وفي السويد خاصة؟
تبقى قضية الصحراء المغربية على رأس أولويات الدبلوماسية المغربية، التي تتجند للدفاع عنها في كل الظروف داخل المحافل الدولية وكذلك في علاقاتها الثنائية، وبفضل دبلوماسيتها الواقعية والبراغماتية، نجحت المملكة في تحصين المكتسبات بخصوص القضية الوطنية، وكسب اعتراف دولي متزايد بمشروعية مبادرة الحكم الذاتي كحل واقعي ومستدام لهذا النزاع المفتعل.
وفي هذا الإطار، نواصل نهج الوضوح وسياسة الحزم فيما يخص القضية الوطنية الأولى، حيث نوضح أنه لا يمكن أن يكون هناك حل سياسي نهائي خارج السيادة الكاملة للمغرب على صحرائه وتبني مبادرة الحكم الذاتي كحل وحيد لهذا النزاع المفتعل، مع الاحترام التام للمعايير التي كرسها مجلس الأمن الدولي في جميع قراراته منذ سنة 2007، وأخيرا المشاركة الكاملة لجميع الأطراف في البحث عن حل نهائي.
وفي إطار الدينامية التي تنهجها سفارة المغرب بالسويد بخصوص قضية الصحراء المغربية، يمكن تلخيص الجهود المبذولة في أربعة أهداف: إنشاء رؤية واضحة لعلاقاتنا الثنائية، وتكريس ثقة الشركاء السويديين بفضل معرفة أفضل بالمغرب، وتقوية الروابط بين مؤسسات الدولة، والمجتمع المدني، والسلطات المحلية، وأخيرا تطوير قنوات الاتصال المستمر مع صناع القرار وصناع الرأي ووسائل الإعلام.
وفي هذا السياق، قمنا بجهود مكثفة في التواصل مع مختلف الجهات لإيصال الصورة الصحيحة حول المملكة للحد من المغالطات التي تتبناها أطراف أخرى، ووجهات النظر الرسمية حول المواضيع المطروحة.
يمكن أن أؤكد أن علاقتنا مع المسؤولين السويديين مشبعة بالاحترام المتبادل والصراحة، مما يسمح لنا بفهم بعضنا البعض بشكل أفضل والتركيز على أحسن الوسائل التي تساعدنا في مواجهة كل التحديات والصعوبات من أجل بناء علاقات ثنائية متينة وتعزيزها على أساس الاحترام والمصالح المتبادلة.
ماذا عن استقطاب المغرب للاستثمارات الأجنبية من السويد، هل هناك فرص متاحة؟
بادئ ذي بدء، يتمتع المغرب بعدد من الميزات كبلد يعد شريكا متميزا في المنطقة، يجب أن نذكر باستقراره السياسي وبنيته التحتية المتميزة وموقعه الجغرافي الذي يمنحه خاصية كبيرة وهي القرب من الأسواق العالمية الرئيسية، بالإضافة إلى إمكانياته البشرية المؤهلة التي توفر للمستثمرين عمالة كفؤة وبأسعار تنافسية. كما أن البيئة المؤسسية والقانونية مواتية، وبالتالي فهي تشكل ميزة أخرى.
فيما يتعلق بتصور رجال الأعمال السويديين، فجلهم يعترفون بأن المملكة المغربية تعتبر وجهة واعدة ومميزة للاستثمارات الأجنبية، معتبرين أن علاقاتنا الاقتصادية لا تزال أقل من تطلعاتنا وبالخصوص في المجالات المتعلقة بالطاقة المتجددة والاستثمار في التكنولوجيا الخضراء والتكنولوجيات الجديدة والذكاء الاصطناعي والخدمات اللوجستية، والمركبات الكهربائية (الحافلات، والسيارات) وتكنولوجيا النانو والسياحة وصولا إلى صناعات الصحة.
وقد قامت السفارة بعقد اجتماعات مع عدد من المؤسسات الحكومية ومسؤولي القطاع الخاص، بغرض تعزيز التعاون القائم وبحث سبل تحفيز العلاقات الاقتصادية، وتشجيع التبادل التجاري والاستثمار المباشر في البلدين، إضافة إلى بحث سبل إزالة أي عوائق قد تواجه المستثمرين.
وفي هذا الإطار، تم إطلاق المجلس الاستشاري المغربي السويدي للأعمال، الذي يروم النهوض بالعلاقات وتبادل الخبرات بين مجموعات الأعمال في السويد والمغرب. ويتمثل الهدف الأساسي للمجلس في إنعاش العلاقات الاقتصادية والتجارية والمالية والتكنولوجية والمهنية، وتعزيز روابط الصداقة بين مجموعات الأعمال في البلدين، وكذا في مجالات نشاطهما.
كيف تساهم الجالية المغربية في السويد في التعريف بالهوية الثقافية والحضارية للمملكة؟
الجالية المغربية في السويد هي جالية مغربية مثل كل الجاليات، ما يميزها هو الإطار العام الذي تتواجد فيه هذه الجالية، حيث يتوفر في السويد مناخ للعيش والعمل يختلف في كثير من الأحيان عما هو موجود في دول أخرى.
وتلعب الجالية المغربية المقيمة بمملكة السويد دورا هاما في التعريف بالثقافة والحضارة المغربية بهذه الربوع.
ورغم تواجدها لعقود من الزمن خارج أرض الوطن، تفتخر ببلدها الأصلي وعراقة تاريخه وحضارته، ويعكس هذا التشبث بأن غالبية أفرادها يقومون بزيارة أهلهم في المغرب، كما أنهم دائما مجندون في الدفاع عن المقدسات الوطنية والوحدة الترابية للمملكة، والتعبير عن حبهم وفخرهم بانتمائهم لبلدهم المملكة المغربية.
ويقدر عدد المغاربة بأكثر من أربعين ألفٍ، يتمركزون بالخصوص في كل من مدن مالمو، وكوتنبورغ، وأوبسالا بالإضافة إلى العاصمة ستوكهولم. ويزداد عدد الوافدين المغاربة إلى السويد بحيث يصل سنويا إلى حوالي 1000 مسجل، ويرجع هذا إلى عدة عوامل، من أهمها التجمع العائلي ونزوح بعض أفراد الجالية المغربية من بعض الدول الأوربية.
فالكفاءات المغربية المقيمة بالسويد هم مغاربة مندمجون على أحسن وجه، ويمنحون قيمة مضافة للسويد كما أنهم واعون بخصوصية المجتمع الذي يعيشون فيه. واجتهدوا ليكون اندماجهم مبني على المعرفة باللغة والحقوق والواجبات داخل المجتمع السويدي. فقد استطاعت هذه الكفاءات تولي وظائف عليا في التدريس بالجامعات، وفي البحث العلمي، وفي التطبيب وفي وظائف حكومية ومحلية.
المس المتكرر بمشاعر أكثر من مليار مسلم، في أعمال عدوانية تشهدها السويد، هل ستكون له تداعيات؟
لم تكن واقعة حرق نسخة من القرآن الكريم مؤخرا هي الأولى، والسويد ليس البلد الأول الذي يقع فيه هذا العمل الشنيع الذي يمس بمشاعر المسلمين ويخالف كافة الشرائع السماوية والأعراف والمواثيق الدولية، من ضرورة احترام معتقدات الآخرين وعدم الاعتداء على مقدساتهم أو دور عباداتهم. إذ تكررت واقعة حرق القرآن الكريم على يد المتطرف اليميني الدنماركي السويدي “راسموسن بالودان”، الذي قام منذ عام 2017 بحرق المصحف أكثر من مرة في الدنمارك، وفي شهر أبريل من السنة الماضية قام وأعضاء جماعته المتشددة بحرق نسخة من القرآن في مدينة مالمو ثم في مدينة لينشوبينغ بالسويد.
وتدعو تعاليم الدين الإسلامي إلى السلام والتسامح والتعايش مع الآخر، وإن تلك الاستفزازات تتسبب في المزيد من الاحتقان والاضطرابات التي ستزيد من وتيرة تصادم الحضارات والثقافات. لذا يستغل المتطرف بالودان إحراق المصحف الكريم في الأماكن التي يتواجد فيها المسلمون لاستفزازهم، ولكي يبين للمجتمع السويدي من ردود أفعالهم إلى أي مدى ثقافة المسلمين بعيدة عنهم وأنهم لا يمكن أن يصبحوا جزءا من المجتمع السويدي.
يجب أن نعلم أن الغالبية الساحقة للشعب السويدي ترفض وتدين الأعمال الاستفزازية لهذا المتطرف، وتكن كل الاحترام للجالية المسلمة المقيمة بالسويد، والتي تفوق نسبتها اليوم عشرة في المائة من سكان البلد.
كيف تتعاملون مع الموضوع في إطار السلك الدبلوماسي من الدول الإسلامية لدى السويد؟ وهل هناك تنسيق في المواقف؟
لقد بادر أعضاء السلك الدبلوماسي للدول الإسلامية لدى السويد للتعبير للسلطات السويدية عن استيائهم والتنديد والاستنكار لعملية حرق القرآن، مبرزين مواقف بلدانهم بهذا الخصوص. وأوضح أعضاء السلك الدبلوماسي أن محاولات الإساءة لحرمة القرآن الكريم لا صلة لها بحرية التعبير، وإنما هي عمل دنيء يحرض الناس على الكراهية والعنف.
ومن جهتها، أعربت السلطات السويدية عن تضامنها ووصفها للاستفزازات المعادية للإسلام بالمروعة، وأن حرق الكتب المقدسة للعديد من الناس غير محترم للغاية، معبرة عن تعاطفها مع جميع المسلمين الذين تعرضوا للإهانة. وفي الوقت نفسه، تؤكد على أن حرية التعبير هي جزء أساسي من الديمقراطية، لكن ما هو قانوني ليس بالضرورة أن يكون مناسبا.
كما توالت ردود الأفعال بعد الحادث من قبل الجاليات الإسلامية ومؤسساتها الدينية داخل السويد، من خلال بيانات ومطالبة الحكومة بمنع هذه الأفعال التي وصفت بجرائم الكراهية وتغذية العنف المجتمعي.