هل تستشير الحكومة المعهد الملكي في تحديد يوم العطلة الرسمية الجديدة؟

04 مايو 2023 - 11:15

بلاغ الديوان الملكي الذي أعلن قرار الملك محمد السادس بإقرار رأس السنة الأمازيغية عطلة وطنية رسمية مؤدى عنها خطوة جديدة ودالة في المسار الذي بدأه جلالته مند خطاب أجدير في 17 أكتوبر 2001 في الاعتراف بأحد المكونات الرئيسية للهوية المغربية الذي عانى الكثير من الحيف والتجاهل من قبل.

ورأس السنة الأمازيغية ليس مناسبة إيديلوجية ولا سياسية، بل هو محطة ثقافية متجذرة في الثقافة المغربية، دأب المغاربة على إحيائها مند قرون غابرة، وتعبر عن انتمائهم الجغرافي إلى منطقة البحر الأبيض المتوسط التي انتشر تقليد إحيائها بين شعوبها، وتميزت شعوب شمال افريقيا، والشعب المغربي بالخصوص، بالمحافظة عليها وعلى الاحتفال بها.

ويرتبط رأس السنة الأمازيغية بالحياة الفلاحية لشعوب شمال افريقيا، لذلك فهي غنية بالرموز الثقافية التي تعبر عن هذا البعد المعيشي الذي يعكس مكانة الفلاحة والزراعة في حياة شعوب تلك المنطقة. وتتحدث الطقوس وأشكال الاحتفال ومحتوى مائدته المتنوع في هذه المناسبة لغة واحدة هي لغة الفلاحة وما تمثله من أهمية في الحياة.

ولعل هذه الطبيعة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لرأس السنة الفلاحية هي ما أعطاها قوة الاستمرار، وجعلها في منأى عن التأثيرات القوية، الدينية والسياسية بالخصوص، التي عرفتها تلك الشعوب. وظلت صامدة رغم التحولات العميقة التي عرفتها منطقة البحر الأبيض المتوسط عبر عدة قرون مضت.

وينبغي تمييز رأس السنة الأمازيغية كموروث ثقافي له عمق تاريخي يرتبط بالشعوب الأمازيغية القديمة عن “التقويم الأمازيغي” المحدث مؤخرا، والذي يربط رأس السنة الأمازيغية بعدَّاد سجل سنة 2023 الرقم 2973، واختار مقترحوه أن تكون السنة الصِّفر لذلك العداد هي سنة 950 قبل الميلاد، وهي سنة ترتبط بحدث سياسي يتعلق باستيلاء الفرعون شيشنق الأول على عرش مصر. فتلك الأرقام لها دلالة رمزية نسبية قابلة للتغيير، فيما يعتبر رأس السنة الأمازيغية مكونا جينيا في ثقافة الشعوب الأمازيغية.

وبالعودة إلى بلاغ الديوان الملكي الذي يؤكد أن الملك قد أعطى “توجيهاته السامية إلى السيد رئيس الحكومة قصد اتخاذ الإجراءات اللازمة لتفعيل هذا القرار الملكي السامي” فإن المنتظر هو أن تحسم الحكومة في تاريخ عطلة رأس السنة الأمازيغية، حيث يوجد اختلاف في إحيائها بين الشعبين الجزائري والمغربي، فالمغاربة دأبوا على الاحتفال بها ليلة 13 يناير، ويعتبرون بداية السنة الفلاحية متوافقة مع 13 يناير من السنة الشمسية، فيما تعتبر الشقيقة الشرقية أن 12 يناير هو بداية السنة الفلاحية، وقد أقرت عطلة رسمية في هذا التاريخ.

إن الاختلاف في تحديد اليوم الأول من السنة الأمازيغية اختلاف يتجاوز ما هو سياسي إلى ما هو علمي وبحثي، وفي هذا الصدد، ومن منطلق كون المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية مؤسسة استشارية قائمة، وانطلاقا من الصلاحيات التي حددها له الظهير الشريف المؤسس له، يتوقع أن تتقدم الحكومة بطلب استشارة في هذا الصدد إلى المعهد، قبل اتخاد قرارها بشأن إجراءات تفعيل القرار الملكي. وهذه الخطوة المنهجية ضرورية وتتوافق مع المنهج الملكي في التعامل مع القضايا ذات العلاقة بالأمازيغية، وقد سبق لجلالته أن استشار المعهد في مسألة حرف كتابة الأمازيغية قبل إقراره.

لماذا استشارة المعهد؟ إنه في غياب “المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية” الذي نصت عليه المادة 5 من دستور 2011، وعدم تفعيل القانون التنظيمي رقم 16-04 يتعلق بالمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، الذي حددت المادة 2 منه اختصاصات المجلس والتي تشمل النازلة التي نحن بصددها في هذا المقال، ليس أمام الحكومة سوى مؤسسة واحدة متخصصة هي المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية.

وتنص المادة 2 من الظهير الشريف رقم 299-01-1 (17 أكتوبر 2001) صادر في 29 من رجب الخير 1422 يقضي بإحداث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية على ما يلي:

(يتولى المعهد المحال إليه الأمر من جنابنا الشريف إبداء رأيه لجلالتنا في التدابير التي من شأنها الحفاظ على الثقافة الامازيغية والنهوض بها في جميع تعابيرها. يشارك المعهد بتعاون مع السلطات الحكومية والمؤسسات المعنية في تنفيذ السياسات التي تعتمدها جلالتنا الشريفة وتساعد على إدراج الأمازيغية في المنظومة التربوية وضمان إشعاعها في الفضاء الاجتماعي والثقافي والإعلامي الوطني والجهوي والمحلي).

وفي موضوع تحديد يوم العطلة الرسمية الجديدة، سيكون إشراك المعهد في تنفيذ القرار الملكي هو الأقرب إلى منطق المادة الثانية السابقة، وخاصة الجملة الثانية منه.

فهل تستشير الحكومة المعهد في مسألة تحديد يوم العطلة الرسمية الجديدة بصفته المؤسسة الرسمية الوحيدة ذات الاختصاص؟

 

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي