قناة الخصب والرواء

30 أغسطس 2023 - 09:45

لأنه شهد عملا أحيى فينا جذوة الأمل، وأشعرنا بالزهو و االانتشاء ،سيكون من واجبنا كمغاربة ان ننقش في ذاكرتنا يوم الاثنين 28غشت 2023 بحروف فخر واعتزاز ضمن التواريخ الفارقة في مسيرتنا التنموية ،كونه يوما وصلت فيه مياه سبو لأول مرة لحوض أبي قراق معلنة للعالم ان العبقرية المغربية لا حد لها، وإن الابتكار مغربي أيضا .
و لعلكم جميعا ،حين سمعتم الخبر في قيظ هذا الصيف الحار الذي يختلف عن فصول الصيف التي سبقته ، قد غشيتكم مثلي نسائم سورة سيدنا يوسف عليه السلام ببقراتها السمان والعجاف وسنبلاتها الخضر واليابسات ،وهي تقص علينا كيف حمى النبي عزيز مصر أهلها من الجفاف المحدق بهم بإلهام رباني و خطة محكمة، فهذه القناة الفريدة المباركة لها انتساب يمتد تأصيله لذاك التدبير الذي أنقذ الحرث والنسل بأرض الكنانة في تلك القرون الخالية ،إذ فضلا عن غوثها للمناطق العطشى، هي أيضا قناة منعشة لقيم رفيعة تشكو بدورها نصيبها من اليبس والضمور مثل قيم التعاون و التضامن والتماسك والاقتصاد ونبذ خطيئة التبذير وتحفيز حاسة الخلق والابداع وتفجير طاقات العمل والتخطيط .
إنه ليحق لنا مع إطلاق هذه القناة ان نصدح بكل مافي حناجرنا من قوة لبعضنا البعض ؛ ارفع رأسك عاليا يا أخي فأنت مغربي، وهذا وقتك قد أزف لهزم التحديات …وللانبعاث من جديد .
تترقرق منذ الاثنين إذن مياه القناة هادرة قوية صافية صاخبة ،فنسمعها وكانها تقول لنا أشياء كثيرة وتبثنا رسائل عميقة متعدية كونها مياه تجلب لنا معها الخضرة والرواء ،أولها ان الجهوية المتقدمة التي بلغها التنظيم الإداري المغربي لاتعني انكفاء الجهات وانفصالها عن بعضها البعض، بل تعني تنافسها في تحقيق التنمية والرفاه، ولكن أيضا تواددها و تراحمها فيما بينها حين الشدة والبأس . وهل من بأس أبلغ من بأس الظمأ؟
مثل هذه القناة تصهر أوصال الوطن وتلحمها حين تجعل جهة تأتي بمياهها في عون جهة او جهات أخرى كأنها تتمثل حديث رسولنا الكريم صلي الله عليه وسلم  » المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا.
هذه قناة اشبه ماتكون بطريق الوحدة التي شيدها المغرب غداة الاستقلال تنبعث مياه هذه المرة…، قناة تصل الرحم بين انهار عظيمة من انهار المغرب شكلت دوما على ضفافها وحواليها مهدا لمدننا و لحضارة أمتنا الأبية ،ولذلك فهي حين تضخ مياهها فيما بين أحواضها، إنما تضح في عروقنا شيم الوحدة والتلاحم الذين كانا دائما أساس قوتنا عبر التاريخ .
ثاني ما تبوح لنا به القناة ان التقدم يكون بتلك الأفكار الخلاقة التي تنشأ وتربو خارج الصندوق ،الأفكار التي تتحدى المألوف وتخرق المعتاد والروتيني من التدابير والحلول ، ،وهذا في كنهه ماقد دعا اليه النموذج التنموي الجديد الذي ارساه جلالة الملك حين حث هذا النموذج على تجنيد كل الطاقات البشرية للمغرب، وأولها عقولنا المبدعة التي إن توفر لها مناخ الحرية وأحاط بهاالتشجيع برعت وتفوقت.
من الواضح اننا الان نجني ثمارا أخرى للحرص الكبير والاستباقية الذي ابداها جلالة الملك بخصوص قضية الماء حين لم ينفك يدعو في العديد من خطاباته سواء للحكومة أو كل فئات الشعب إلى إيلاءها الأهمية اللازمة لنواجه بالنجاعة المطلوبة حالة الإجهاد المائي الهيكلي الذي تعانيه المملكة، فكلماته لازالت ترن في الاذان وهو يطالب الجميع بأخذ اشكالية الجفاف بالجدية الضرورية من خلال القطع مع كل أشكال التبذير والاستغلال العشوائي وغير المسؤول.
وقد كان من ألوان التبذير ان يذهب فائض مياه يقدر مابين 300الى 400 مليون متر مكعب حسب وزير التجهيز نزار البركة من مياه سبو الى البحر ، بينما سدود ومدن تتزود منها تكابد العطش.ولذلك وحتى حدود هذا الأسبوع ، لم يكن لذهابنا لتحلية مياه البحر اي معنى مادمنا كنا نتخلى و نرسل الى هذا البحر نفسه بملايين الأمتار المكعبة من الماء التي يمكن تحويلها للسكان والأراضي الفلاحية التي تحتاجها .
الان فقط ومع الجدوى المتحصلة من هذا المشروع الجبار والفعال ،نكون ننفذ التنمية المندمجة المتكاملة التي تعني من ضمن ماتعنيه تحويل المياه وتحليتها في نفس الآن والحين ،فعين التخطيط و قح الرؤية الاستراتيجية ان تكون قادرا على لتعبئة كل الإمكانيات المتاحة. حيث لامجال الآن للهدر في زمن الماء فيه عنصر وجود.
ولذلك نكون هذه القناة تقدم مثالا على الكيفية التي يجب أن تكون عليها الإدارة الفعالة والجيدة للمياه، خصوصا وكما قلت آنفا ان هناك تنبؤات مرعبة بتدهور البيئة والمناخ تتربص بنا وبالعالم في المستقبل المنظور.
لكن أبلغ أثر لهذه القناة في نظري إتوقعه على تغيير سلوك المغاربة غير المكترث بخصوص التعامل مع هذه المادة الحيوية ،لنأمل ان يقطعوا مع اللامبالاة و مع الصنبور المفتوح، اذا ماتمثلوا هذه القناة كجرس إنذار لأزمة الماء التي ستستفحل اذا استمسكوا بتبذيرهم القياسي له.
من البديهي أن لجوء الحكومة لربط الأحواض المائية يجب أن يحفزنا كجمهور على اتخاذ قرارات واعية ومواطنة بضرورة الاقتصاد والترشيد،وهنا ننتظر من المجتمع المدني والاقتصاديين والسياسين والمشرعين ان يبدعوا بدورهم طرقا مبتكرة لدفع المواطنين بشكل أكبر لتغيير سلوكاتهم بشكل طوعي وملتزم.
من المؤكد ان هذه القناة المائية تذيع بتدفقها فقط رسائل أبلغ من عشرات القنوات الإعلامية،لكن دور هذه الأخيرة يبقى ضروريا جدا لضمان استدامة النقاش والتوعية الشاملة المثابرة بخصوص مكافحة هدر المياه.
أخيرا ،صحيح أن العلم يهب دائما الى نجدة الإنسان في الأوقات العصيبة،لكن مشكلة الماء بأبعادها المركبة ،إن لم يحلها هذا الإنسان بحس غريزة البقاء لديه فسوف تستفحل باستمرار .
فلنجعل اذن من تدشين هذه القناة، تدشينا لسلوك شعبي مقتصد ومثالي تجاه مادة الماء كما أرشد لذلك جلالة الملك.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي