يواجه صلاح الدين أبو الغالي، عضو الأمانة العامة الجماعية لحزب الأصالة والمعاصرة، شكوى قضائية ضده بتهمة « النصب والاحتيال والتصرف في مال إضرابا بمن سبق له التعاقد معه بشأنه والمشاركة ».
قدم الشكوى المحامي محمد طيب عمر نيابة عن موكله عبد الرحيم بنضو صاحب شركة « إيموبراليم »، ووُجهت إلى وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية الزجرية بالرباط.
وُضعت الشكوى أمس الخميس وفق ما أفاد به مصدر مطلع على القضية. وتلتمس إحالتها على الضابطة القضائية المختصة، والاستماع إلى صلاح الدين أبو الغالي، وشقيقه عبد الصمد.
الشكوى التي قُدمت، تدشن « سلسلة الإجراءات القضائية المفتوحة » في مواجهة أبو الغالي، بحسب عبارة قيادي بالحزب مشيرا إلى أن « شكاوى إضافية في طريقها إلى القضاء أيضا ».
منذ أن قرر المكتب السياسي للحزب، الثلاثاء الفائت، تجميد عضوية أبو الغالي، ظل هذا المسؤول يندد بتحويل « نزاع تجاري » لم يصل للقضاء، إلى أداة للتصفية السياسية، مثيرا « عدم وجود شكايات » كما أعلن قادة الحزب. وفي بيانين متتاليين، أنكر أبو الغالي صلته بالقضية، معتبرا شقيقه عبد الصمد المسؤول عن إبرام العقود المعنية بهذا النزاع مع زميله في الحزب بنضو.
لكن الشكوى تعرض عناصر جديدة حول الدور المفترض لصلاح الدين أبو الغالي في هذه القضية التي تسببت في هزة داخل حزب الأصالة والمعاصرة.
« البداية العادية.. لبيع غير عادي »
تبدأ قصة هذا النزاع، كما توضح الشكوى، باقتراح صلاح الدين أبو الغالي، خلال عام 2022، على صديقه وجاره عبد الرحيم بنضو الذي تعمل بعض شركاته في الإنعاش العقاري، أن يفوت إليه عقارا بجماعة مديونة، يملكه بعض أقاربه، ومقيد بالمحافظة العقارية باسم شركة يسيرها أخوه عبد الصمد أبو الغالي.
وفق الشكوى، فقد وافق بنضو على هذه الفكرة، ورافق صلاح الدين او الغالي وأخاه إلى موثق لإبرام عقد وعد بالبيع، على أساس أن العقار تثقله رهون وتقييدات لفائدة الغير.
لكن وفي ماي 2024، سيُفاجأ بنضو بأن العقار قد تم بيعه لشركة « أبرار التعمير ». والحال كما تشدد الشكوى، أن الأخوين أبو الغالي توصلا من الموعود لها بالبيع، أي شركة بنضو، بمبالغ مالية خارج نظر الموثق كجزء من الثمن بئريعة تطهير العقار مما يثقله، وكان صلاح الدين أبو الغالي يلتقي بعبد الرحيم بنضو بشكل يومي تقريبا دون أن يخبره بأنه بصدد بيع العقار للغير.
حرر عقد البيع من طرف الموثق صلاح الدين شنكيطي في 12 أكتوبر 2022، وكان عبد الصمد أبو الغالي بوصفه المسير الوحيد لشركة « إندوسميد »، وشركة « مدينوس »، وهما شركتان ذات مسؤولية محدودة، قد التزم بصفة نهائية لا رجعة فيها بأن يفوت لبنضو قطعة أرضية مساحتها 65713 مترا مربعا، تستخرج من الملك المسمى « تيران المنصور »، والبالغة مساحته الإجمالية 9 هكتارات و70 آرا و53 سنتيارا.
اتفق الطرفان بحسب العقد، على أن يكون الثمن 750 درهما للمتر المربع، أي ما مجموعه 49 مليون و248 ألف و750 درهم (حوالي خمسة ملايير من السنتيمات)، يؤدى عند توقيع عقد البيع النهائي.
حدد الطرفان شهرين أجلا لإبرام العقد النهائي مع التزام الطرف الواعد بالبيع بأن يقوم بالإجراءات اللازمة لاستخراج ما مساحته 65713 مترا مربعا من مجموع مساحة العقار، وذلك داخل أجل الشهرين المشار إليه في العقد. كان الطرف الواعد باليع قد التزم في العقد بالامتناع عن التصرف في العقار أو رهنه أو كرائه أو التصرف فيه بأي وسيلة من الوسائل طوال مدة سريان الوعد بالبيع ما لم يتم فسخه قبل الأوان.
في المقابل، فقد التزم بنضو بألا يقوم بإجراء أي تقييد احتياطي على العقار، وأن لا تُحول للغير حقها فيما تم التعاقد بشأنه. ولقد اتفقا كذلك على أن عقد الوعد بالبيع يفسخ بقوة القانون متى تم فسخه من طرف أي واحد من الطرفين مع إشعار الطرف الآخر. وقد تسلم عبد الصمد، شقيق صلاح الدين أبو الغالي شهادة من الموثق تتضمن تصريحه بأنه بمجرد توصله من بنضو بالمبالغ اللازمة لرفع اليد عما يثقل العقار من تحملات، فإن يلتزم بالقيام بالإجراءات اللازمة لأداء باقي دين البنك وقدره 30 مليون درهم، ومبلغ 10 ملايين درهم لفائدة شركة أخرى تسمى « تابريك ».
« أبو الغالي يظهر في الشيكات »
تدعي شكوى بنضو أن الطرف الواعد بالبيع استمر في استخلاص مبالغ مالية بدعوى تخصيصها لتنفيذ التزامه باستخراج القطعة الأرضية من المساحة الإجمالية. 10 شيكات سُلمت لهذا الغرض من لدن بنضو إلى الشقيقين أبو الغالي، صلاح الدين وعبد الصمد في الفترة ما بين 14 أكتوبر 2022 و17 يوليوز 2023.
ثلاثة شيكات من هذه، بحسب الشكوى، ذهبت مباشرة لفائدة صلاح الدين أبو الغالي باسمه، أو سحبها بنفسه. في كل شيك مليون درهم. بالإضافة إلى هذه الشيكات الثلاثة، فقد تلقى صلاح الدين أبو الغالي كما تقول الشكوى، شيكين اثنين لفائدة الشركة التي يسيرها، واسمها « سايلور كروب ».
في المجموع، كان المبلغ الذي تلقاه صلاح الدين أبو الغالي وشقيقه، كما تفيد الشكوى، هو 9 ملايين درهم.
ستتطور القصة مع مطلع عام 2024، فالشكوى تقول إن صلاح الدين أبو الغالي طلب من بنضو أن يلتقي معه عند الموثق، وخلال هذا اللقاء وبحضور أخيه، أخبره أبو الغالي بوجود مفاوضات بينه وبين « بنك إفريقيا » لخفض مبلغ الدين على أساس الالتزام بأداء مبلغ 40 مليون درهم.
بموجب بروتوكول اتفاق مبرم بين البنك المذكور وشركة « إندوسميد » وشركة « كتري رون »، وصلاح الدين أبو الغالي وشقيقه عبد الصمد، ونزهة العدلوني، بوصفهم كفلاء، يقضي بأن الشركات المدينة وكفلائها قد التزموا بإرجاع الدين على أساس حصر دين شركة « إندوسميد » في 60 مليون درهم يؤدى منه 40 مليونا بواسطة التزام صادر عن الموثق شنكيطي مقابل تسليم رفع اليد عن الرهن المثقل به العقار ضمانا لأداء مبلغ 75 مليونا و268 ألف درهم.
استجابة إلى ذلك، تخلص الشكوى، أودع عبد الرحيم بنضو في 25 يناير، لدى الموثق شيكا مسحوبا على بنك إفريقيا بمبلغ 40 مليون درهم بعد أن اقترض هذا المبلغ من بنك. وهو المبلغ نفسه الذي تم تحويله إلى حساب الموثق بصندوق الإيداع والتدبير.
بعد توقيع هذا البروتوكول، تشدد الشكوى على أن صلاح الدين أبو الغالي وأخوه، طالبا من الموثق أن يقوم باستخراج شهادات المحافظة العقارية المتعلقة بالرسوم الفرعية المستخرجة من الرسم العقاري الأم.
في 7 فبراير 2024، أودع الموثق بالبنك كتابا أرفقه بتصريح بإيداع المبلغ المشار إليه، تنفيذا للتعليمات التي تلقاها من طرفي عقد الوعد بالبيع، كما أشار فيه إلى أرقام الرسوم العقارية الفرعية، وختم كتابه بأن تسليم الالتزام هو مقابل رفع اليد النهائي عن الرهن.
لكن، وخلافا لكل تلك الالتزامات، وكما يقول بنضو في شكواه، فإن شركتي « إنسوميد » و »ميدنوس » ممثلين من طرف عبد الصمد أبو الغالي، وبمقتضى عقد محرر بتاريخ 26 أبريل 2024، ستفوتان إلى شركة « أبرار التعمير » في شخص ممثلها القانوني فيصل كرماشي، مجموع الملك المسمى « تيران المنصور » بثمن إجمالي قدره 60 مليون درهم.
يشير بنضو في شكواه، إلى أن بالرغم من كون اسم عبد الصمد أبو الغالي هو الظاهر في الوثائق، إلا أن من كان يقوم بكل الإجراءات هو أخوه صلاح الدين أبو الغالي، وهو « أمر ثابت من عدة قرائن ووثائق، وإن احتاج الأمر إلى شهود فإن المشتكي مستعد للإدلاء بأسمائهم ».
ماذا يتعين على أبو الغالي أن يفعل الآن؟
تنقل هذه الشكوى الأزمة التي تسبب بها أبو الغالي داخل حزبه إلى مستوى آخر. وكما ذكرنا، فقد أخلى هذا القيادي نفسه من اي مسؤولية في هذا النزاع.
في بيانه الثاني، الصادر الخميس، أوضح أبو الغالي أن عائلته « تمتلك 9 هكتارات من الأراضي في مديونة منذ حوالي 40 سنة، والمسؤول عنها والمكلّف بها قانونيا هو شقيقي عبد الصمد، الموقع على الوعد بالبيع، والمعتمد لتدبير عقارات العائلة، وهذه الهكتارات التسعة موضوعة تحت الرهن لفائدة أحد البنوك المغربية… وفي سنة 2022، اتفق شقيقي عبد الصمد مع مسؤول جهوي، على أن يبيعه ستة (6) من تلك الهكتارات، على أساس أن يقدّم مبلغ البيع إلى موثّق، وهو أحد أعضاء البام بدوره، ليستكمل مسطرة أداء دين البنك لرفع الرهن البنكي، وباقي الحجوزات، وتمكين المشتري من تملّك العقار المُباع، وعلى هذا الأساس، أُنجز وعدٌ بالبيع مدّة صلاحيته 6 شهور مغلقة… والحال أن الأمر طال حوالي سنتين دون تمديد للوعد بالبيع أو إتمامه، وجراء ذالك تكبّد شقيقي عبد الصمد خسارة مالية جسيمة ارتفعت فيها فوائد دين البنك لأكثر من مليار سنتيم! ولكي يخرج شقيقي من هذه الوضعية المأزومة، إتخذ قرار اللجوء إلى مشترٍ آخر بعد انتهاء صلاحية الوعد بالبيع المذكور لأكثر من سنة ونصف، ليتمكن من أداء دين البنك ووقف نزيف الفوائد، ورفع اليد عن الحجوزات الأخرى، خصوصاً أن البنك كان قد هدد باللجوء لبيع العقار المرهون بالمزاد العلني ».
يشدد أبو الغالي على أن « الخلاف التجاري بين متعاملين اثنين هما: عبد الصمد أبو الغالي والمسؤول الجهوي، وأن صلاح الدين أبو الغالي عضو القيادة الجماعية للبام لا علاقة قانونية له بالملف، ليس هو من باع ولا من اشترى، بل شقيقه عبد الصمد المعني المباشر بالملف ».
متحدثا عن « أساليب غامضة » يجري بواسطتها تقديم قضيته، ينتقد هذا المسؤول الحزبي « حديث أربعة أعضاء من المكتب السياسي عن « شكايات » هكذا بالعموميات، وبطريقة غامضة وملبسة وملتوية بشكل مقصود للإيحاء بأن الشكايات ذات صلة بملفات الفساد، رغم محاولة تبرئة الذمة بالاعتراف بأن « القضية عبارة عن مشكل تجاري خاص » »، مضيفا أن « الأمر وصل إلى حد انتحال صفة وكيل الملك وتوجيه تهمتي « النصب والاحتيال »، ثم انتحال صفة القاضي وإصدار حكم بالإدانة ».
مستغربا من صدور هذه التعليقات « في شبه « باشوية » أنشئت داخل حزب الأصالة والمعاصرة »، يؤكد أبو الغالي على أن « ليست هناك قضية أصلا، ويتحدثون عن شكاية، ولا وجود لأي شكاية لدى المصالح القانونية المختصة، وإلاّ كانوا وزعوا نسخاً منها ». ويخلص إلى أن « الهدف هو افتعال قضية الغاية منها تلطيخ سمعتي لإبعادي قسريا في هذه المحطة السياسية بالذات، التي تستفرد منسقة القيادة الجماعية فاطمة الزهراء المنصوري(..) بكل ما يتعلق بمشاورات التعديل الحكومي، بدل تشكيل لجنة لذلك ».