Je suis charlie

09 يناير 2015 - 21:59

كم كانت تدهشني شخصيا تلك الرسوم التي كنت أتابعها بين الفينة والأخرى في «خبار السوق» أو «تقشاب».. تلك الرسوم التي كانت، رغم بساطتها، تؤثث مراهقتي، وكنت أعجب كيف لتلك الخطوط البسيطة أن تخلف كل هذا الأثر.. كيف لهذه الرسوم المتقشفة والجافة أن تحمل كل تلك الشحنة التي كانت توقد فيّ الابتسامة، بل حتى القهقهات. وكنت أحس بأنها تحملني إلى الأقاصي، حيث تتخفف الأشياء من كل الزوائد ولا تحتفظ سوى باللب.. بالأساسي.. حيث تكفي خطوط بسيطة وضربة ريشة لقول الدفين، وللتعبير عن صرخة الألم بمداد السخرية. ولعل هذا ما جعل الكثير من بسطاء أهل «درب السلطان» بالبيضاء، حيث كنت أعيش، يُقبِلون مثلا على «خبار السوق» (هم على كل حال كان كثر في عين المراهق الذي كنته).

ولعل تجربتي هذه الملفوفة في سذاجة المراهقة وأحلامها، هي التي جعلت «الكاريكاتور»، حينما يكون نابعا من حس إبداعي رفيع، يرتبط عندي بأمرين أحسهما دوما مترابطين، وإن بدا أنهما غير ذلك: النفاذ إلى عمق الأشياء، والتسامي على مظاهرها التي تضمر أكثر مما تُفصح. وهذا في تقديري يعطينا في النهاية تلك الرسوم الحادة التي تصرح بكل شيء وتلمح إلى أشياء وأشياء…

لا شك أن القتلة الذين هاجموا صحيفة «Charlie Hebdo» الساخرة أول أمس بباريس، وقاموا بتصفية دماء 12 بريئا بدم بارد، كانوا يسعون إلى قتل هذه القدرة الإبداعية الصافية، حيث السخرية تمنح الإنسان «فرحة الإحساس بالتفوق على الطبيعة» حسب تعبير شارل بودلير. وبما أن القتلة يحاولون دائما التخفيف من وطأة جرائمهم على أنفسهم، فإنهم يبحثون لها دوما عن تبريرات. وليس من تبرير هذه الأيام أفضل من «الانتقام للإسلام وللنبي محمد».

ولكن ما يجهله أو يتجاهله هؤلاء القتلة هي أن الرصاصات التي سفكت دماء الرسام العجوز «فولينسكي»، وزملائه في «شارلي إيبدو» «كابو» و«شارب» و«تينوس»، سنعاني من تبعاتها نحن.. أنا، وأنت، وهو، وهي، وكل أولئك الذين ولدوا في أرض يدين أهلها بالإسلام. وسنحمل آثارها مثل ندبة خفية لا نراها سوى في النظرات المتوجسة للآخر الذي لا يعرف عن الإسلام إلا ما يراه من سلوكيات مثل هؤلاء القتلة. هذا إن توقف عند النظرة المتوجسة فقط، ولم ينتقل إلى ما هو أسوأ.

إن دماء هؤلاء الأبرياء لم تلطخ إسفلت مقر «شارلي إيبدو» فقط، بل أضافت لطخة كبيرة أخرى إلى صورة هذا الإسلام المسكين، الذي ارتبط رغما عنه في السنين الأخيرة بالدماء والقتل والتفجيرات.

إن رصاصات القتلة أسالت دم هؤلاء الأبرياء، ولكنها لم، ولن تكسر أقلام المبدعين، سواء أكانت لرسامين أو لشعراء أو لروائيين. ولن تقتل أبدا تلك الابتسامة أو الضحكة التي تشرق من هناك.. من ذلك المكان القصي في الذات ونحن نشاهد الرسوم الكاريكاتيرية الحقة. ولن تنال من ذلك السحر الغامض الذي يغمرنا كلما وقفنا على رسم ساخر يكشف أمامنا، في خطوط معدودة ومتقشفة، ما خفي علينا وما استعصى على لغتنا المتلعثمة. 

بعد تنفيذ الجريمة.. وقف أحد القتلة وقال في الشارع «لقد قتلنا شارلي إيبدو»، لكن هذه الصحيفة الساخرة، التي لا تروق تصرفاتها لأنها لا تأبه للكياسة السياسية والاجتماعية، احتضنها الجميع بعد المجزرة ورفعوا لافتة: «je suis charlie»، مثلما نسارع إلى احتضان طفل جامح لا تعجبنا تصرفاته التي لا تقيم أي وزن للنفاق الاجتماعي التي دأبنا على الخضوع لها، فهذ الطفل يمثل بالنسبة إلينا المستقبل.. الأمل.. الحياة.  تلك «الحياة» التي قال عنها المفكر إميل سيوران: «إنها هدية يقدمها للأحياء أولئك المهوسون بالموت».

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

aziz منذ 10 سنوات

لا أعرف لماذا ..... لم يتذكر ... أي صحفي ... حنضــــــــــلة .... الكاريكاتير القلسطيني الذي قتل على يد المخبرين الإسرائليين ... ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

فارسي منذ 10 سنوات

اليست الفتنة اشد من القتل شارلي فتنت مليار ونصف المليار مسلم...انا ادين القتل و ادين الفتنة... الغرب في حاجة لعلاج الاسباب لا النتائج. انا عربي مسلم...غيور على عروبتي...ومن يعيش في الغرب يدرك صدق وقصد قولي ...فذاك في نظر الغرب لا في نظري

عبد الحميد الزروالي منذ 10 سنوات

علق على المقال ولا تعلق على التعليق, وعلق بالفارسية وليس بالعربية,لماذا تكره العرب والعربية ؟ سامحك الله يا عربي عفوا يا فارسي.

Salim منذ 10 سنوات

Si tu est Charlie, Alors tu cela veut dire que tu accepte qu'on te crache sur le visage au nom de "La liberté d'expression". Su tu accepte cela, alors bravo!!!!!

Said Benmensour منذ 10 سنوات

I am not Charlie, Je ne suis pas Charlie .

FARISSI منذ 10 سنوات

غزة عربية مراكش عربية انت انا ...والعرب لا يستحقون حتى الذكر... في الغرب لايقال للبليد يابليد بل يقال له ياعربي فكفانا استذلالا

فارسي منذ 10 سنوات

غزة عربية مراكش عربية انت انا ...وكل ما هو عربي لا يستحق ... فكفاكم...في الغرب لا يقال للبليد يابليد بل يقال له ياعربي

عبد الحميد الزروالي منذ 10 سنوات

حركة غير مسبوقة قام بها رجال,نساء,شخصيات,جمعيات,فقهاء,سياسيون,بالغون,قاصرون أميون,متعلمون,سياسيــــون, صحفيون , يمينيون,يساريون, كلهم تخلوا عن أسمائهم الأصلية مؤقتا واختاروا إسما جديدا" je suis charlie",هذا هو الشعب المغربي الأصيل. ليس عيبا أو حراما أن نتضامن مع الضحايا والأبرياء في مثل هذه الأحداث الاجرامية الارهابية التي وقعت بفرنسا مهد حقوق الا نسان,لكن على الغربيين أن يتضامنوا معنا بالمثل,فعندما تعرضت مدينة مراكش لتلك العملية الوحشية البربرية الارهابية ,لم يكن التضامن الدولي مع مراكش كالذي حظيت به جريدة" "شارلي إيبدو",ولم نر أو نشاهد "je suis marrakech",وعندما تعرضت مدينة غزة الفلسطينية للتخريب والدمار بالطائرات الاسرائيلية والحديد والنار,لم يكن التضامن الدولي في المستوى المطلوب"je suis gazza". ندين الارهاب بشتى أنواعه ونقول ونجدد "لا للارهاب لا للترهيب ,لا لقتل الأبرياء,لا للعنف ,لا للقتل ,لا للابادة,نعم للحياة. "ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا".

عبد الحميد الزروالي منذ 10 سنوات

حركة غير مسبوقة قام بها رجال,نساء,شخصيات,جمعيات,فقهاء,سياسيون,بالغون,قاصرون أميون,متعلمون,سياسيــــون, صحفيون , يمينيون,يساريون, كلهم تخلوا عن أسمائهم الأصلية مؤقتا واختاروا إسما جديدا" je suis charlie",هذا هو الشعب المغربي الأصيل. ليس عيبا أو حراما أن نتضامن مع الضحايا والأبرياء في مثل هذه الأحداث الاجرامية الارهابية التي وقعت بفرنسا مهد حقوق الا نسان,لكن على الغربيين أن يتضامنوا معنا بالمثل,فعندما تعرضت مدينة مراكش لتلك العملية الوحشية البربرية الارهابية ,لم يكن التضامن الدولي مع مراكش كالذي حظيت به جريدة" "شارلي إيبدو",ولم نر أو نشاهد "je suis marrakech",وعندما تعرضت مدينة غزة الفلسطينية للتخريب والدمار بالطائرات الاسرائيلية والحديد والنار,لم يكن التضامن الدولي في المستوى المطلوب"je suis gazza". ندين الارهاب بشتى أنواعه ونقول ونجدد "لا للارهاب لا للترهيب ,لا لقتل الأبرياء,لا للعنف ,لا للقتل ,لا للابادة,نعم للحياة. "ومن أحياها فكأنما احيى الناس جميعا".

farouk منذ 10 سنوات

العز خويا

souad منذ 10 سنوات

العز خويا

souad منذ 10 سنوات

العز خويا

عزيزي منذ 10 سنوات

je ne suis pas charlie..هناك فرق بين ادانة العمل الاجرامي الجبان والتماهي مع المجلة المعروفة بعدائها للأسلام و استفزازها للمسلمين

YASSIR منذ 10 سنوات

MOI AUSSI JE NE SUIS PAS CAHRLIE CHARLIE C EST UNE PRESS CONTRE TOUS LES RELIGIONS ET.

يوسف منذ 10 سنوات

واخا نعرف نعيش 50 عام على الخبز و زيت ولا نعيش في الدل ليعايش فيه بحالك . رحم الله الصحابة رضوان الله عليهم ولو بشوكة يمس بها رسول الله صلى الله عليه و سلم . و انتم لازلتم تهابون هؤلاء الكفار

كريمه ,؟شعارها الله الوطن الملك منذ 10 سنوات

je ne suis pas charlie et je ne suis pas terroriste

التالي