فرنسا تحني ظهرها للمغرب 

02 فبراير 2015 - 17:46

سارع الرئيس الفرنسي، فرنسوا هولاند، إلى إعلان لقائه بالملك محمد السادس بمناسبة زيارة هذا الأخير لفرنسا. زيارة ملكية تقع بين الطابعين الخاص والعام أُعلنت في باريس بعد ساعات فقط من توصل وزيري العدل في فرنسا والمغرب إلى اتفاق لحل الأزمة القضائية والسياسية والدبلوماسية التي استحكمت بين البلدين لمدة سنة تقريبا. هذا معناه أن المغرب نجح نسبيا في الضغط على فرنسا عن طريق تجميد الاتفاقيات القضائية، وعن طريق تجميد خطوط الاتصال الأمنية والمخابراتية خاصة (مصالح المخابرات المغربية اشتغلت طويلا على الأراضي الفرنسية منذ استقلال المغرب، وبالتالي، طورت مصالحها شبكة استخباراتية قديمة كانت مكلفة بالتجسس على المعارضين اليساريين، ثم انتقلت إلى متابعة الإسلاميين مغاربة ومغاربيين بكل ألوانهم، لهذا فإن حرمان فرنسا من كنز المعلومات التي تنزل في القفة المغربية كل يوم معناه أن الاستخبارات الفرنسية تضيع مصادر مهمة لحماية أمنها، خاصة أن الإرهاب أصبح متحركا وعابرا للحدود ومسلحا بتكنولوجيا الاتصال الحديثة).

لنرجع إلى مضمون الاتفاق الذي حصل يوم الجمعة الماضي في مكتب حارسة الأختام الفرنسية، كريستيان توبيرا.. هذه السيدة التي كانت من صقور الحكومة الفرنسية، الذين رفضوا في البداية إعطاء أي استثناء للقضاء المغربي للنظر في الدعاوى التي ترفع ضد مسؤولين مغاربة فوق الأراضي الفرنسية. السيدة توبيرا وبضغط سياسي من الإليزيه ومن الحكومة، ولاعتبارات أمنية وسياسية، قبلت العرض المغربي الذي كان موضوعا على الطاولة منذ أشهر، وهو حرمان القضاء الفرنسي من مبدأ الاختصاص الكوني للنظر في قضايا التعذيب، وعدم جواز استدعاء أي مغربي أمام القضاء الفرنسي مهما كانت التهم الموجهة إليه، وإحالة الأمر على القضاء المغربي للنظر فيه وفق القوانين الداخلية، وإذا لم تحرك النيابة العامة في المغرب الملف ولم تتصدَّ له المحاكم المغربية -وهذا أمر مستبعد جداً- آنذاك يمكن للقضاء الفرنسي أن يستعيد الاختصاص للنظر في الملف، مع تفصيل عام وفضفاض يقول إن المحاكمة يجب أن تكون عادلة ووفق معايير وشروط المحاكمات العادلة… هذا الاتفاق سيحرر في اتفاقية، وسيعرض على برلماني البلدين قريبا، وبهذا يطوى أكبر خلاف بين فرنسا والمغرب في عهد حكم محمد السادس. 

من خرج منتصرا ومن خرج مهزوما في هذه الجولة؟ لا يحتاج المتابع إلى ذكاء ليعرف أن المغرب هو الذي «انتصر»، حيث فرض وجهة نظره لحل هذه الأزمة التي انفجرت عندما دق رجال الشرطة منزل السفير المغربي في باريس يطلبون عبد اللطيف الحموشي، مدير المخابرات، للاستماع إليه لدى قاضي التحقيق بخصوص مزاعم حول وقوفه خلف تعذيب فرنسيين من أصل مغربي في معتقل تمارة، فما كان من القصر إلا أن احتج بتعليق كل أشكال التعاون مع فرنسا، واشترط حلا جذريا لهذا المشكل يتمثل في تعديل الاتفاقية القضائية بين الرباط وباريس، بمقتضاها يرفع القضاء الفرنسي يده عن ملاحقة أي مسؤول مغربي يضع رجله فوق التراب الفرنسي، مهما كانت التهم الموجهة إليه، إلى أن ينظر فيها القضاء المغربي…

هذا لا يعني أن فرنسا كانت تعتدي على أي مسؤول مغربي يدخل إليها بمزاج سياسي.. القضاء في فرنسا مستقل، والقانون الجنائي الفرنسي يؤمن بالاختصاصات الكونية في بعض الجرائم الخطيرة، مثل التعذيب والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية، وفكرة الاختصاص القضائي الكوني تعني أن العدالة الجنائية الدولية مسؤولية مشتركة بين كل الدول بغض النظر عن مكان وقوع الجريمة، وأن أي انتهاك لحقوق الإنسان يسائل المجتمع الدولي برمته، وبالتالي، فمن واجب كل الدول متابعة مرتكبي هذه الجرائم بغض النظر عن قواعد الاختصاص المكاني التقليدية… المشكلة أن هذا المبدأ يتعارض، ظاهريا على الأقل، مع مبدأ سيادة الدول، ومع مبدأ الحصانة الذي تعطيه الاتفاقيات الدولية للمسؤولين الكبار أثناء مزاولة مهامهم، ومن هنا تدخل الاعتبارات السياسية والدبلوماسية في تكييف بعض الوقائع والحالات، فقد سبق للقضاء الفرنسي أن امتنع عن متابعة وزير الدفاع الأمريكي السابق، دونالد رامسفيلد، سنة 2007، حيث انتهزت الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان فرصة وجود رامسفيلد في فرنسا، ووضعت شكاية ضده باعتباره مسؤولا عن أعمال تعذيب، لكن وكيل الجمهورية رفض تحريك المتابعة بدعوى أن الحصانة القضائية، التي تمنحها الاتفاقيات الدولية لرؤساء الدول والحكومات ووزراء الخارجية أثناء ممارستهم أعمالهم بصفتهم الرسمية، يمكن توسيعها لتشمل وزير الدفاع الأمريكي، وبهذا الدفع الشكلي جرى الخروج من هذه الورطة…

هل وزير الدفاع الأمريكي، عندما كان جيشه يعذب العراقيين في سجن أبوغريب، كان يمارس اختصاصات دستورية موكولة إليه بمقتضى القانون في بلاده حتى توفر له الحصانة؟ وهل توسيع الحصانة الجنائية، التي تعطيها الاتفاقيات الدولية حصريا لرئيس الدولة ووزير الخارجية، لتشمل وزير الدفاع وأصغر جندي في الجيش تأويل قانوني سليم من قبل وكيل الجمهورية الفرنسية يتماشى مع مبادئ العدالة الجنائية؟

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

قارء منذ 10 سنوات

ليس في المسألة انتصار او انهزام وانما الامر يهم المصالح العليا للبلدين , ففرنسا تحت حكم الاشتراكيين وفي ظل الازمة الاقتصادية كان عليها ان تدير ظهرها للمغرب من اجل الاستفادة من البترودولار الجزائري وتخضع لضغط جزائري عبر اشتراكيين فرنسيين ممتعضين من النظام المخزني المغربي واما المخزن المغربي كان عليه ان يدافع عن عناصره الاستخباراتية والعسكرية ويعبر عن غضبه من التبرم الفرنسي وفي الظروف الراهنة التي يمر بها البلدان ’ لا مناص لهما من التعاون والتفاهم لخدمة المصالح المشتركة ولو بالتنازل المؤقت عن بعض الالتزامات

بوغلال منذ 10 سنوات

السبب واضح جدا جدا... عندما قبض الأمن المغرب على جزائري عضو في جماعة إرهابية قتلت رهينة فرنسي، فهذا يعني كنزا من المعلومات، فرنسا عرفت ذلك وجاءت تتمسكن وتطلب المعلومات الثمينة المغرب قال لا ... لابد من دفع الثمن فجأت خضع هولاند وتابعته طوبيرا... وقرروا فجأة تعديل الاتفاقية، فرنسا ضعيفة في مجال المخابرات في شمال لإفريقيا... وتحتاج للمغرب لأن الجزائر بلد مخترق ضعيف.. وهذا أشار إليه وزراء داخلية فرنسيون، هذا كل ما في الامر أما كون الطوبيرا صقرا فهذا أشك فيه فليس هناك وزير فرنسي من أصول إفريقية يمكن أن يكون صقرا أبدا، لأن الصقور ليست سمراء..

المكي قاسمي منذ 10 سنوات

"فرنسا تحني ظهرها للمغرب " اعتقادي شخصيا هو أن المغرب هو من استقام في وقفته أمام فرنسا وغذا ينظر إليها العين في العين وما يعنيه ذلك من ضرورة التعامل الند للند بين الطرفين، وهو شيئ نرفع القبعة لكل من كان وراءه، وعلى رأس هذا الكل الملك محمد السادس الذي يبدو جليا الأن أن من أهدافه الاستراتجية وضع حد لعلاقة التبعية لفرنسا. تلك التبعية التي ورطنا فيها من ساهموا في مفاوضات إيكس ليبان والتي جعلتنا نتائجها ننحنى أمام فرنسا لمدة 58 سنة. لكن وكما يقول الفرنسيون "mieuxvaut tard que jamais "،والتاريخ دورات

عزيز سطات منذ 10 سنوات

استوقفتني هذه الجملة" حرمان القضاء الفرنسي من مبدأ الاختصاص الكوني للنظر في قضايا التعذيب",,,,اين هو هذا الختصاص لما حل نتنياهو بباريس مؤخرا...ام الامر فيه الكيل بعدة مكاييل...

مهاجر منذ 10 سنوات

من الجميل جدا اعتبار المغرب رابحا، ولكن الواقع لازال يذكرنا بالتبعية المغربية لفرنسا خاصة في مجال الاقتصاد. ونسأل الله التوفيق في ضمان استقلالية المغرب و سيادته.

التالي