هناك العشرات من الحانات في الدار البيضاء حيث يمكنك أن تعثر على عاملات جنس رخيص، وعلى امتداد الشوارع الرئيسة في وسط المدينة، تصطف تلك الحانات وكأنها تدعوك إلى استهلاك سريع بسعر صغير. وبعض الزبناء يعرفون أن عاملات الجنس الرخيص لا يخططن دوما لتحويل أجسادهن إلى حصالة نقود، ويكفيك أن تسدد لهن ثمن بعض قنينات الجعة، فيحتسبنها أجرة للخدمة الجنسية، وبعضهن يضطررن إلى القبول بذلك، فيما أخريات لا يشكل ذلك بالنسبة إليهن فرقا مهما. في زنقة بيير بارون، صادفت بعضهن، ممن ليست لديهن مشكلة في أن يغادرن معك ويقدمن لك خدماتهن الجنسية دون أن يقبضن الثمن.
حورية إحداهن، وقد روت لي حكايتها مع الجنس الرخيص: «مرة، كنت في حانة في شارع مصطفى المعاني، ورغب في زبون، ولم أمانع في ذلك، ومشكلتي أني لا أطلب الأجر مقدما، وبعدما قضى مني وطره، حملني بسيارته حتى محل سكناي في سيدي مومن، وهناك رماني بالقوة خارج السيارة. كانت الساعة متأخرة ليلا، وكنت مصدومة من فعله، لكني لم أقاوم. لقد تركته وغادرت».
على طول شارع لالة الياقوت، هناك بيع منتظم للخدمات الجنسية الرخيصة من دون أي رقابة. في كل الحانات المتراصة في الشارع، توجد عاملات جنس رخيص. هن متشابهات إلى حد كبير، لكنهن يختلفن بشكل مؤكد عن عاملات الجنس في الأرصفة. في أعلى الشارع، هناك حانة أقنعنا حارسها بأن يستميل إحداهن كي تتحدث معنا بشأن مهنتها، ولم يمانع في ذلك، لأنه، كما قال، «يحس بالتعاطف معهن، لأن وضعهن مثير للشفقة».
قدمني إلى سيدة تبلغ من العمر 42 عاما، كانت تدخن بشراهة سجائر رخيصة، وعلى طاولتها جعة من النوع الرخيص أيضا. أول ما بدأت به هو أن أخبرتنا بأننا يجب أن ندفع ثمن الجعة، فوافقنا على ذلك. لدى حورية قصة مختلطة لأنها تتشكل من مستويين للجنس الرخيص: الجنس في الرصيف والجنس في الحانات الحقيرة. وبالطبع، كانت لديها تجربتها حينما كانت أكثر شبابا في بيع الخدمات الجنسية بثمن أعلى، لكنه «زمن ولى، ولم نستفد منه شيئا».
كانت تلك المقدمة أفضل ما يمكن أن نبدأ منه، لأننا عادة نفهم كيف ينتهي المطاف بعاملات الجنس إلى الرصيف أو إلى هذه الحانات بطريقة مباشرة، بينما الحقيقة قد تكون عبارة عن سوء تقدير كبير من لدن عاملات الجنس. تروي حورية: «لدي تاريخ طويل في هذه المهنة المقيتة، وحينما كنت في سن العشرين، كان مدخولي اليومي لا يقل عن 300 درهم، لكن الشباب ذبل، ولم أعد لافتة لنظر الزبناء، وحياتي لم تتغير طيلة تلك السنوات.. كنت قد جمعت بعض المال، واقتنيت به شقة صغيرة مازلت أسكنها، وهي كل ما أملك حاليا، وهي ربحي الوحيد من بيع جسدي». بعدما كبرت حورية في السن، حاولت أن تتحول عن مهنتها الأصلية كبائعة جنس لتصبح مقدمة شراب في إحدى الحانات، وقد عملت بالفعل في تلك الوظيفة لنحو خمس سنوات، لكنها في حقيقة الأمر، لم تكن بعيدة عن مهنتها الأصلية في ذلك المكان، لأن الزبناء كانوا يرغبون فيها بعد نهاية يوم العمل، وهي نادرا ما رفضت عرضا قدم إليها: «كنت أجني من عملي بعض المال، علاوة على الإكراميات، ولم أكن أنظر إلى الجنس كمصدر إضافي للمال، فاسترخصته، وأصبحت أقدم خدماتي بـ100 درهم فحسب».
تُقسم حورية مناطق الجنس الرخيص حسب خبرتها إلى ثلاث: «هناك جنس الرصيف في شارع الجيش الملكي ومحمد الخامس وتفرعاتهما، ثم هناك الجنس الرخيص في الحانات الحقيرة مثل هذه، ثم هناك جنس رخيص ثالث لكنه في حانات أفضل حالا.. هناك ما لا يقل عن 100 حانة تملؤها عاملات الجنس الرخيص في هذه المناطق، وقد لا أكون بعيدة عن الواقع إن قلت لك إن ما يزيد على 1500 عاملة جنس يعملن فقط في هذه المناطق الثلاث.. أضف إلى ذلك، أن شارع الحسن الأول أصبح مكانا مكتظا بعاملات الجنس، خصوصا بعدما قُطعت عنه حركة السير بسبب قطار الترامواي.. سيكون من الصعب تحديد العدد لكنه كبير، وعلى كل حال، فإن الطلب أيضا موجود، دعونا لا ننسى هذا».
والحق يقال، فقد كان تقاطع شارع محمد الخامس مع شارع الحسن الأول دوما نقطة رئيسة لتجمع عاملات الجنس الرخيص، ونادرا ما حاربت السلطات هذه النشاطات، وكانت أغلب تدخلاتها بسبب حدوث مشاجرات، لا بسبب النشاط القائم هناك. سعاد، عاملة الجنس التي تحدثنا إليها في بداية هذه المادة، كانت تصطحب زبناءها من رصيف شارع محمد الخامس إلى غرفة في إحدى العمارات بشارع الحسن الأول في بداية الأمر، لكن سجن «الحارس» المكلف بالغرفة في قضية غير مرتبطة بنشاط الدعارة، دفعها إلى تغيير المكان بتغيير الحارس. مازالت سعاد تعتقد أن الجنس الرخيص سيتوسع أكثر فأكثر في الدار البيضاء: «كل شيء يتوسع في هذه المدينة، وحتى الجنس الرخيص مازال يملك مستقبلا، وما يبدو عليه الحال أن العاملات الأكثر شبابا سيستحوذن على الأرصفة تدريجيا ثم على الحانات. بالنسبة إليهن، فإن العمل بهذه الطريقة أفضل لهن من المغامرة بمفردهن في سوق الدعارة».