"السلطان" أردوغان.. شريك مزعج لأوروبا لكن لا غنى عنه

04 نوفمبر 2015 - 09:50

بعد فوز حزبه الساحق بالانتخابات البرلمانية، أصبح أردوغان داخليا الرجل القوي بلا منازع. بيد أن هذا الانتصار يثير قلق الأوربيين في أن يواصل أردوغان استخدام ورقة اللاجئين لابتزاز المزيد من الامتيازات من الاتحاد الأوروبي.
من كان يشك من قبل في أن أردوغان هو الرجل القوي في تركيا، فسرعان ما تبين له – بعد فوز حزبه حزب العدالة والتنمية الكاسح في الانتخابات البرلمانية – أن الرئيس التركي سياسي محنك وذو نفس طويل: فبعد أن كان سجينا سياسيا، عندما كان يشغل منصب عمدة اسطنبول بسبب تصريح استخدم فيه صورا دينية، ها هو اليوم يثبّت رئيسا للبلاد وحزبه يحكم بلا منازع. ومن غير المستبعد أن يحوّل كذلك النظام البرلماني في تركيا إلى نظام رئاسي يكون هو على رأسه، ليقترب من تحقيق حلمه، على ما يقول منتقدوه، في أن يكتب اسمه بخطوط عريضة في تاريخ بلاده، وأن يكون إلى جانب مصطفى كمال أتاتورك – مؤسس الدولة التركية الحديثة – قائدا عظيما في عيون الأتراك.

image
الصحف الأوروبية، والألمانية على وجه الخصوص، ترى فيه الآن “سلطانا” على خطى السلاطين العثمانيين في أوج قوتهم. ولكن هذا النصر الانتخابي لحزب أردوغان يثير المخاوف في أوروبا، ففي سياق متصل، علقت صحيفة نورد فيست بريسه في عددها الصادر مطلع هذا الأسبوع قائلة: “لقد نجحت المهمة: الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هو بلا منازع الفائز بالانتخابات البرلمانية في تركيا. (بيد أن) أردوغان ضعيفاً على الصعيد السياسي الداخلي كان من شأنه أن يشكل البديل الأفضل (لأوروبا)”، ذلك أن مراقبين يرون أن انتصار أردوغان قبل أسبوعين من قمة مجموعة العشرين في مدينة أنطاليا التركية سيزيد الضغوط على الحلفاء الغربيين، الذين هم بحاجة إلى تعاونه في عدة ملفات أهمها ملف اللاجئين وملف مكافحة تنظيم “الدولة الإسلامية”. ويبدو أن قلق الغربيين مبرر، ذلك أن أردوغان لم يظهر دائما تعاونه، بل كان مفاوضا قويا، وتعاون فقط عندما كان الأمر يصب في مصلحته مثلا من خلال السماح للأمريكيين باستخدام قواعد جوية على الأراضي التركية لضرب داعش. جاء ذلك فقط بعد العملية الانتحارية، التي نسبت لتنظيم “الدولة الإسلامية” في بلدة سروج التركية وأسفرت عن سقوط ما لا يقل عن 30 قتيلاً.
نائبة رئيس البرلمان الألماني كلاوديا روت تتوقع أن يكون لفوز حزب أردوغان بالانتخابات التشريعية عواقب سلبية على الاتحاد الأوروبي في أزمة اللاجئين. ففي حوار مع إذاعة “دبليو دي آر 5” (WDR5) مطلع الأسبوع قالت روت، المنتمية لحزب الخضر الألماني المعارض، إنها تعتقد أن الرئيس التركي سيُملي على الاتحاد الأوروبي شروطه في المستقبل.
كما انتقدت روت المستشارة الألمانية التي كانت أجرت محادثات مع أردوغان في إسطنبول قبل الانتخابات التشريعية المبكرة بأسبوعين، بحيث قالت: “أعتقد أن ميركل ارتكبت خطأ سياسيا كبيرا من خلال سفرها قبيل الانتخابات إلى أردوغان”.
لكن رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الأوروبي إلمار بروك اعتبر زيارة ميركل إلى تركيا في محلها، مشيرا إلى مدى دور تركيا، التي إلى جانب أنها تستضيف نحو مليونين ونصف المليون من اللاجئين، أغلبيتهم الساحقة من السوريين، تعد دولة عبور نحو أوروبا. وفي تصريحات لإذاعة إر.بي.بي. الألمانية قال بروك: “سوف لن نتمكن من حل أزمة اللاجئين بدون تركيا. ولذلك، فإن أردوغان في موقف القوي. يتعين علينا في كل الأحوال أن نتحدث معه إذا ما أردنا وقف سيل اللاجئين”، مضيفا: “الكثير يتعلق بمدى منة أردوغان علينا.”

image

تكلفة تعاون أردوغان باهظة جدا للأوروبيين
فهل سيستخدم أردوغان ورقة اللاجئين لانتزاع المزيد من الامتيازات لبلاده من الاتحاد الأوروبي الذي ترك أبوابه موصدة أمام انضمام الأتراك إليه رغم المفاوضات المستمرة منذ عام 1999؟ صحيفة ميتلبايرشه تسايتونغ (Mittelbayrische Zeitung) لا تستبعد ذلك، حيث كتبت في عددها الصادر نهاية الأسبوع قائلة: “لقد أدرك الأوروبيون وبشكل متأخر وضع العديد من اللاجئين، فيما تجاهلوا الحرب والمعاناة في سوريا.(…) والكل بما ذلك يونكر (رئيس المفوضية الأوروبية) و(المستشارة الألمانية) ميركل يرفضان إقامة أسوار على الحدود الداخلية للاتحاد الأوروبي كحل (لمشكلة تدفق اللاجئين)، لأن ذلك من شأنه أن يبرهن على فشل أوروبا.
بدلا من ذلك، يريدان حماية الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي تحت شعار: بعيد عن العيون، بعيد عن القلب.” وتضيف قائلة: “ولكن أردوغان جعل راحة الضمير لأوروبا أمرا مكلفا للغاية: فإلى جانب المليارات لبناء مآو جديدة للاجئين، طالب باستئناف مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي وبتسهيلات على سفر المواطنين الأتراك إلى دول الاتحاد الأوروبي.” وشددت الصحيفة في الوقت نفسه على أن “أوروبا ستستجيب لمطالبه ضد كل مثاليات الديمقراطية وضد كل مفهوم لسياسة المصالح الواقعية.”
رأي تشاطرها إياه صحيفة فرانكفورتر ألغيماينه (Frankfurter Allgemeine) التي علقت في عددها الصادر مطلع هذا الأسبوع على تداعيات فوز حزب أردوغان بالانتخابات البرلمانية قائلة: “تركيا تعد منذ زمن طويل دولة مفتاحا ما بين أوروبا والشرق الأوسط. فهي تؤثر على النزاعات في منطقة الجوار العربية، وتؤثر كدولة عبور للطاقة على رخاء أوروبا، ولكنها كدولة عبور للاجئين أصبحت تركيا تتحدى أوروبا. (…) وبالتالي، فإن تركيا شريك لا يمكن الاستغناء عنه، ولكنها شريك غير مريح”. وأن ينظر إلى تركيا كشريك هو في الواقع مكسب لأردوغان في حد ذاته، على ما يقول أنصاره، الذين اعتبروا أنه جلب لهم الاحترام في أوروبا، حتى وإن كان ذلك احتراما تحت ضغط الحاجة إلى تعاونه في ظل تواصل سيل مئات الآلاف من اللاجئين على أوروبا.
“لابد من لغة القوة مع أردوغان”
ولكن البعض يحذر من ترك زمام الأمور بيد الأتراك. ففي سياق متصل، كتبت صحيفة نوردفيست بريسه في عددها الصادر مطلع هذا الأسبوع قائلة: “من الخطأ التعامل مع هذا النظام بحركات خنوع وخضوع. ذلك أن أردوغان لا يعرف إلا لغة القوة”. وأضافت معلقة: “من الصواب دفع أموال للأتراك لكي يبقى اللاجئون في المنطقة ويحظوا بمعاملة إنسانية، ولكن يجب المطالبة بمقابل مناسب لذلك ومراقبة كيفية صرف الأموال. من مصلحة أوروبا ألاّ تخضع لابتزازات أنقرة، حتى وإن اقتضى الأمر أن يقوم الاتحاد الأوروبي بحماية حدوده”.

تركيا ملهمة العرب؟
ولكن ورغم كل التحفظات إزاء أردوغان وسياسته التي يغلب عليها الطابع القمعي، إلا أن تركيا قد تلعب دورا مهما بالنسبة لجيرانها العرب، على ما ترى صحيفة فرانكفورتر ألغيماينه تسايتونغ، التي كتبت في عددها الصادر اليوم الثلاثاء (03 نونبر) قائلة: “فوز حزب العدالة والتنمية بالانتخابات سيكون له إشعاع في العالم العربي. فالتركي أردوغان كان في عام 2011، عام الثورات العربية، بطل الشارع العربي وخاصة بطل الإخوان المسلمين. (وفوزه) سيدعم المحور السني مع السعودية. وقد تتحول تركيا إلى ملهم للجيران العرب، إذا ما سمح أردوغان في بلاده بما يتوق إليه العرب: ألا وهو الحرية.”

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

outsider منذ 7 سنوات

لاأدري من الذي يغيّر الآخر في الشرق الاوسط .. أهي تغيرات الأحداث تغيّر الفلسفة أم أن تغيرات الفلسفة هي التي تغير الأحداث .. ربما ينفرد الشرق الأوسط بكونه المكان الذي تتغير فيه الأحداث كما تريد الفلسفة .. وبغض النظر عن أمنياتنا في انتخابات تركيا فان علينا النظر اليها بعيون ليس فيها أمنيات بل حصافة ومعرفة بماهية الأشياء .. دون الغرق في خداع النفس أو الوقوع في خديعة العدو والاستسلام لنظرياته وفرضياته .. في الانتخابات التركية كان خصوم أردوغان من حزب الشعب الجمهوري وحزب الشعوب الديمقراطي الكردي وغيرهما يمثلون فيما يمثلون سورية ومحورها وحلفاءها .. فيما كان أردوغان وحزبه الاسلامي يمثلان الولايات المتحدة والسعودية واسرائيل والتحالف الاسلامي الغربي .. لأن نتيجة الانتخابات التركية هي الاحتكاك الديبلوماسي بين الأعداء الذين يتبارزون بالسيف على الأرض السورية وبمثابة استعراض عضلات للقوة السياسية .. وهذه الانتخابات هي التي ستقرر خروج أهم حلقة في الحرب السورية أو بقاءها وانفراط عقد الربيع العربي بعد انقطاع الخيط التركي الذي يجمعه .. وكل المماحكات عن القضايا الداخلية التي تم التبارز بها كانت في لبها الحقيقي حول نتائج الحرب في سورية التي ان انتهت بانتصار سوري انعكست على تركيا بشكل ثقيل حيث سترسو القضية الكردية في الأراضي التركية وسترسو معها الجهادية الاسلامية المهزومة التي خرجت من سورية ودخلت تركيا بكل ثقلها كملاذ أخير .. كما أن الاقتصاد التركي تراجع بفعل تأثره بالأزمات في المنطقة وخاصة بسبب القلق من نتائج الحرب في سورية وعدم الاستقرار حيث شظايا النار صارت تلفح وجه أنقرة .. اضافة الى أن الحالة الأمنية داخل تركيا كانت هاجسا مصدره نتيجة تطاول الحرب في سورية .. والحقيقة أن سورية هي التي كانت محور كل الانتخابات التركية وان لن يقل أحد ذلك .. لكن أردوغان الآن وبخلاف مايمكن أن يتوقعه الانسان أضعف مما كان لأنه يعرف أنه مقيد بشعار الاستقرار وابعاد الخوف .. والنصر الانتخابي ليس تفويضا بتطوير الحرب ولا الدخول في مغامرات عسكرية بل بالانكفاء عنها .. حال تشبه حال جورج بوش بعد فوزه الثاني .. ومع هذا فان أردوغان وان لم يقم بمغامرة غير محسوبة فانه في وضع لايستهان به .. فهو في جمهورية منقسمة على ذاتها كما كانت ولاية جورج بوش الثانية .. والتناقضات التي فجرتها الحرب السورية لن تهدأ بعد اليوم .. فقد صعدت الكردية التركية السياسية ولن تعود وستحمل معها حزب العمال الكردستاني تحت ثيابها .. وصعدت الى جانبها الطائفية السياسية والسنية السياسية .. وهذه توترات لاترحل بين عشية وضحاها في مجتمع مصاب بالعدوى العرقية والمذهبية .. الا بعد دفع ثمن باهظ .. الانتخابات التركية التي كانت انتخابات عن سورية خيبت آمال البعض ولكن يجب أن تقرأ في سياقاتها الصحيحة .. وأن لاتفرح كثيرا المعارضين الذين فهموا الرسالة على انها انتصار تركيا الاردوغانية سلفا في الحرب في سورية وسارع البعض منهم الى اعلان اعتماد العملة التركية بدل السورية في الشمال حيث تسيطر المعارضة الموالية لتركيا .. وهي قراءة متفائلة للغاية .. وساذجة للغاية .. لأن نتيجة الانتخابات التركية الحقيقية يجب قراءتها في معركة حلب القادمة التي ستشق الشعب التركي اذا ماأخطأت حسابات اردوغان .. وهناك اما أن يسقط حزب العدالة والتنمية سقوطه الحقيقي واما أن تسقط كل تركيا .. في الفوضى .. نتيجة لتفكير حزب الفوضى .. حزب أردوغان .. ان الانتخابات تعني لمن يشرحها تركيا مشطورة كما أن هناك رجلين انفصلا في شخصية رجب طيب اردوغان .. ولاأدل على ذلك مثل عبارة أن "رجب فاز بالانتخابات .. فيما خسر أردوغان مشروع "تركيا العثمانية" ..

مواطن من تطاون منذ 7 سنوات

هذه رسالة عميقة ذي دلالات ومعاني معينة يبعثها حزب العدالة والتنمية التركي لجميع شعوب وحكام وعلمانيي والحداثيين في العالم العربي والاسلامي ، وذلك للاستلهام والاقتباس من صميم المشروع الحداثي ذات الطابع الاسلامي الذي ابتكره حكام العدالة والتنمية في بلاد تركيا الذي على أساسه تطورت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمالية وارتقت الحياة المدنية للأتراك نتيجة للأفكار الجديدة التي أبدعها حزب العدالة والتنمية في ادارة الحياة العامة والارتقاء بمستوى الحياة المعيشية والارتفاع المستمر للدخل الخام القومي الذي سيتضاعف في أفق 2021 نحو 2000 مليار دولار. ولهذا يعاين أعداء الاسلام خاصة من الأوربيين والغرب تلك الذروة والنقلة النوعية التي أنجزها الأتراك الحداثيون بعيون متربصة ومترقبة لما سيحدث من تغييرات جوهرية بعد الاستحقاقات التشريعية المتميزة التي نالها حزب العدالة والتنمية بدون منازع.

التالي