توفيق بوعشرين:أبعد من إدانة مجزرة باريس

16 نوفمبر 2015 - 14:15

9عاصمة النور تطفئ أنوارها، وتلبس الأسود حدادا على ضحايا الإرهاب الأعمى الذي ضرب باريس بقوة ووحشية غير مسبوقة هزت مشاعر العالم أجمع، ودفعت الأغلبية الساحقة من شعوب الأرض وحكومات العالم إلى التضامن والحزن وشجب البربرية الجديدة.
الإرهابي الذي صرخ «الله أكبر» قبل أن يفجر نفسه في جموع المدنيين الأبرياء صادق وكاذب في الوقت نفسه، صادق لأن الله أكبر مما سواه حقا وصدقا، لكنه كاذب لأن الله لا يقبل القتل باسمه، ولا يقبل ترويع الآمنين، ونشر الرعب باسم دينه أو باسم نبيه الذي قال عنه القرآن الكريم: «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين» (سورة الأنبياء).
لا بد للمسلمين في كل بقاع العالم أن يرفعوا صوتهم عاليا بالإدانة والاستنكار والرفض لمجزرة باريس، ولحادثة تفجير الطائرة الروسية، وللأحزمة الناسفة في الضاحية الجنوبية للبنان. رفض الاعتداء على حرمة الأبرياء واجب أخلاقي مهما كانت هوية الضحايا، فرنسيين كانوا أو أمريكيين أو روسيين أو لبنانيين، نصارى أو بوذيين، عربا أو عجما.. قتل الأبرياء له تعريف واحد في قاموس الجريمة، ثم لا بد للمسلمين، باعتبارهم الضحايا الأكبر، للإرهاب من الاحتجاج على اختطاف دينهم من قبل عصابة داعش التي تريد أن ترجعنا إلى حروب الصليب والهلال، وأن تغطي على صراعات سياسية واقتصادية واستراتيجية معقدة بغلاف ديني خادع، لتوريط السذج وضعيفي العقول في معارك ليست معاركهم، وفي حروب خاسرة تضر بهم وبقضاياهم العادلة.
هل يتصور عقل داعش الصغير أن قتل 128 مدنيا في باريس غزوة مباركة لنصر الدين والانتقام للنبي صلى الله عليه وسلم، وللرد على طائرات فرنسا التي تشارك في الحرب على تنظيم الدولة المسماة زورا إسلامية… هذا جنون ما بعده جنون. ضرب المدنيين الأبرياء في عواصم العالم إرهاب أعمى، وتوريط لأبناء الجاليات من الجيل الثالث لمسلمي أوروبا في معركة خاسرة، وإساءة للإسلام وللمسلمين، ووصب للوقود في آلة اليمين الأوروبي المتطرف، ودعم لمشروعه العنصري الذي يخوف أوروبا من الإسلام، ويصنع من الإسلاموفوبيا إيديولوجيا جديدة ومشروعا سياسيا للوصول إلى السلطة والحكم، ضاربا عرض الحائط بأسس المجتمع الحديث المبني على التعدد والانفتاح والتعايش ضمن نظام ديمقراطي لا يميز بين انتماءات المواطنين العرقية والدينية والثقافية.
هذه لحظات لتقديم العزاء ولإدانة البربرية، وللتضامن مع أسر الضحايا الفرنسيين وعائلاتهم، لكنها في الوقت نفسه فرصة للدعوة إلى الحكمة والتعقل والرد المناسب على الإرهاب. ستقتل فرنسا ضحايا باريس مرتين إذا لم تفكر مليا في أفضل الطرق لمعاقبة المجرمين.
داعش وأخواتها تريد أن تجر فرنسا وأمتها إلى ردود فعل متسرعة ومتشنجة وغاضبة.. ردود فعل ضد الإسلام والمسلمين دون تمييز ودون قدرة على فهم استراتيجية العدو. إن هدف داعش من وراء مجزرة باريس هو جر أكثر من 15 مليون مسلم يعيشون في الاتحاد الأوروبي، منهم 5.5 ملايين في فرنسا لوحدها، إلى أرض المعركة، وجعل هؤلاء ضحايا لرد فعل حكوماتهم، ومن ثم توسيع دائرة استقطاب أبنائهم إلى «الإسلام الجهادي».
داعش لا تمثل المسلمين ولا تمثل الإسلام ولا تمثل قضايا العالم العربي. داعش نبتة شريرة طلعت في دول فاشلة وأخرى مستبدة، وثالثة تعيش فوضى الحرب الأهلية. داعش هي القيح الذي يخرج من جرح مفتوح لم يجد من يعالجه ولا حتى من يعريه أمام أشعة الشمس. هذا الجرح هو العراق الذي تعرض للغزو الأمريكي خارج القانون الدولي، ثم سلمت بلاده للطائفية المذهبية لتحكم باسم الانتقام الشيعي من السنة. داعش هي الجواب الانتحاري على جرائم بشار الأسد التي لم تجد عالما له ضمير وأخلاق يدينها ويتدخل لوقفها. داعش هي ابنة الاستبداد الذي طال ليله، والفقر الذي حفر أعطابا عميقة في نفوس ملايين الشباب في العالم العربي (100 مليون شاب في العالم العربي والمغاربي عاطلون عن العمل اليوم). داعش ابنة اليأس في نفوس العرب من عالم يتفرج على جرائم الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين، وعلى صمت أوروبا وأمريكا على سياسة الميز العنصري التي ينهجها اليمين الإسرائيلي.
السوق تعولمت، والثقافة تعولمت، والإعلام تعولم، فلماذا يبقى الإرهاب محليا أو إقليميا؟ هو نفسه ركب قطار العولمة، وصارت حركته عابرة للحدود، وجرائمه بلا وطن، وضحاياه بلا هوية، وخرائطه بلا قانون.
لا يكفي أن ندين مجزرة باريس، ولا يكفي أن نتعاطف مع أسر الضحايا، ولا يكفي أن نحزن على القتلى الأبرياء. لا بد مع الإدانة والتعاطف والحزن أن نستغل الفرصة لكي نسلط الضوء على «جذور الإرهاب» الذي كبر وتجذر، وصار يعلن حروبا في الداخل والخارج، ويؤسس شبه دولة لها علم وشعب وسلطة وسلاح وخطاب جهادي يغري مئات الآلاف من المسلمين عبر العالم.
أيها الفرنسيون، أنتم أبناء ثورة عظيمة، أنتم أبناء قيم النهضة والأنوار والحداثة، فكيف تسمحون لحكوماتكم أن تسكت على احتلال إسرائيل لأرض فلسطين؟ وكيف تسمحون لبشار الأسد أن يقتل كل هذا العدد من شعبه؟ وكيف تسمحون لطائراتكم أن تقصف من الجو ثمانية ملايين عراقي وسوري هم عبارة عن رهائن لدى داعش تحكمهم بالحديد والنار، ومن لم يقتله أبوبكر البغدادي قتله صاروخ ذكي من الجو؟ كيف يسمح الشعب الفرنسي لهولاند ببيع السلاح لديكتاتور اسمه عبد الفتاح السيسي قتل في يوم فض اعتصام رابعة أضعاف من سقط في ليلة الجمعة في باريس؟ هل دم المصريين والعراقيين والسوريين والفلسطينيين أرخص من دمكم؟ هل القتل أنواع وأشكال، أم إن ملة القتل واحدة؟
مساعدة العالم العربي للخروج من الاستبداد والفساد والتعصب والتطرف ليست مهمة دبلوماسية خارج الحدود.. إنها مهمة حيوية لحفظ الأمن في داخل أوروبا وفرنسا، وهي جزء من السياسة الوقائية للحفاظ على حياة المواطن الفرنسي والبلجيكي والألماني. كلما اتجه العالم العربي نحو الديمقراطية والتنمية والاستقرار والتحرر، توقف عن إنتاج الإرهاب والعنف وتهديد أمن الجيران في عالم بات قرية صغيرة.. أصغر كثيرا مما نتصور.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

أسامة حميد منذ 7 سنوات

"زخات مطرية قوية وعواصف رعدية مرتقبة بالعديد من مناطق المملكة" هذا العنوان تابث في الصفحة الأولى لهذه الجريدة منذ ما يقرب من سنة! الرجاء تحيين هذه الصفحة وإزالة هذا الخبر الذي يضلل القراء وخصوصا المهتمين منهم بالفلاحة خاصة بعد التأخر الحاصل في نزول الأمطار. اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.

DRISS DE RABAT منذ 7 سنوات

Malgré la complicité de ce sujet Bouachrine a pu nous convaincre par cette analyse logique et académique dont je souhaite que cet attentat soit une leçon à nous tous de bien vouloir accepter de faire une réconciliation afin de continuer à vivre en toute tranquillité et liberté

عابر سبيل منذ 7 سنوات

Monsieur Bouachrine, c'est plagia ce que tu viens de faire. Ton "article" est une copie de ce que Tariq Ramadan a dit sur sa page Facebook. Wa baz! استاد بوعشرين، كلامك او بالأحرى "تحليلك" منقول من كلام طارق رمضان على صفحته بالفيسبوك!

استيلو احمر منذ 7 سنوات

و يقدر طارق رمضان يكون اقتبسها من شي واحد آخر...ما فيها باس أظن أن الأمر لا يشكل عائقا...الناس فالناس و....

استيلو احمر منذ 7 سنوات

Ah bon!!! C'est votre commentaire qui n'est pas pertinent du tout! Revenez en arrière dans le temps...lisez l'Histoire pour savoir qui a declenché le terrorisme, ce n'est nullement les musulmans...au contraire , les musulmans sont toujours visés et ciblés par les autres nimporte où dans le monde (Onde, myanmar, chine, ..

مغربي على قد الحال منذ 7 سنوات

تركيا وأندونيسيا وماليزيا دول علمانية بحكم دساتيرها وآليات الحكم فيها المسلمون في سنغافورة اقلية صغيرة كل هذه الدول حكمتها دكتاتوريات صارمة لعقود بعد استقلالها لم تستدع الديني كأداة للحكم بفعل التنوع الديني والمذهبي الكبير لشعوبها الغريب ان تلك الانظمة رحلت لكنها تركت بلدانا قابلة للتطور السريع في حين ان صدام ومبارك وسياد بري وصالح والقذافي وبشار لاحقا لم ولن يتركوا الا الخراب وراءهم لم يكونوا رجال دولة كانوا اصغر من ذلك بكثير كانوا قطاع طرق شهوانيين من الصنف الردئ المشكلة انهم جاؤوا من قاع المجتمع وحتما هم يعبرون عن شئ ما في الثقافة والفكر السائد فعليا في تلك المجتمعات بعيدا عن العامل الخارجي الذي ان وجد فلأنه تم استدعاؤه كما قال مالك بن نبي

ali ahmed منذ 7 سنوات

الإرهابي الذي صرخ «الله أكبر» قبل أن يفجر نفسه في جموع المدنيين الأبرياء صادق وكاذب في الوقت نفسه، صادق لأن الله أكبر مما سواه حقا وصدقا، لكنه كاذب لأن الله لا يقبل القتل باسمه، ولا يقبل ترويع الآمنين، cette phrase est copiée de TARIK RAMADAN cher Bouachrine. Tu n'as qu'à regarder son mur Facebook, juste après les attentats

abdelali منذ 7 سنوات

Paris et bayreut fi loubnan. Joj darbat fi nafss al makan fi nafss al ataw9it Chi tafssir svp?

meed meed منذ 7 سنوات

lbarbariya ljadida???

M.KACEMI منذ 7 سنوات

"كلما اتجه العالم العربي نحو الديمقراطية والتنمية والاستقرار والتحرر، توقف عن إنتاج الإرهاب والعنف وتهديد أمن الجيران في عالم بات قرية صغيرة.. أصغر كثيرا مما نتصور.". هذا بالضبط ما ثبت أنه مستعص على العرب دون غيرهم في هذا العالم، وكأن تربتهم غير قابلة لاستناب الديمقراطية. وأما لماذا فالأمر مدعاة للحيرة حقا. فإذا افترضنا أن التفسير يوجد في الثقافة والموروث، وجدنا أمامنا تجربة شعوب أخرى مثيلة لنا من حيث التاريخ الاستبدادي، ولكنها تعرف الآن طريقها نحو الديمقراطية، كبعض شعوب قارتنا السمراء. وأما إذا افترضنا أن التفسير يوجد في الدين، أي الإسلام، فهناك كذلك تجارب تدحض هذه الفرضية وبقوة، كما حصل ويحصل في دول إسلامية غير عربية كتركيا وأندونيسيا وماليزيا وسنغفورة، حيث حلت هذه الدول إشكال السلطة السياسة عن طريق الديمقراطية وآلياتها، وتفرغت بعد ذلك لبيت القصيد وهو النمو الاقتصادي الذي قطعت فيه أشواط كبيرة وبنجاح لا يقبل الجدل. أخيرا، تبقى هناك فرضية ثالثة لنقاش ممكن، رغم نفور الكثيرين من مجرد طرحها، وهي مسألة العرق

elmehdiboutalha منذ 7 سنوات

جذور الارهاب المتشعبة في العالم العربي زرعها الاستعمار الغربي , وذلك بمساندته للدكتاتوريين والسفاحين وسفاكي الدماء اللصوص الخونة من أمثال بشار والسيسي والعصابة الطآئفية في العراق وغيرهم من المتحكمين في بلدان العالم العربي والاسلامي, فهؤلاء كلهم هم صناع الارهاب الحقيقي العابر للحدود.

Ahmed Hamdaoui منذ 7 سنوات

« …هذه لحظات لتقديم العزاء ولإدانة البربرية، وللتضامن مع أسر الضحايا الفرنسيين وعائلاتهم، لكنها في الوقت نفسه فرصة للدعوة إلى الحكمة والتعقل والرد المناسب على الإرهاب. ستقتل فرنسا ضحايا باريس مرتين إذا لم تفكر مليا في أفضل الطرق لمعاقبة المجرمين. … » Ssi Bouachrine vous avez raison ! Mais, ne pensez vous pas que c’est trop tard car tout ce que nous vivons maintenant est la conséquence directe de la réaction ABSURDE, Meurtrière et Suicidaire de G. W. Bush en attaquant l’Irak pour « venger » les victimes du 11 Septembre !!! …

mourad منذ 7 سنوات

mr Bouachrine ton analyse n'est pas pertinente pourquoi ne pas nommer un chat un chat daech n'est que le fruit d'une société malade ( les fous d'allah) qui vivent au 21eme siècle avec des pensées et des idées du 7éme siècle, au lieu de defendre l’invendable poses les bonnes questions pourquoi il y a que les musulmans qui peuvent commettre des atrocités pareilles , la pauvreté et la dictature exsitent en Amérique latine, asie et en afrique mais le terrorisme n'est que "islamiste" ne soyez pas dupe

اللهم قنا شر داعش منذ 7 سنوات

هذه هي الحقيقة التي لا يعالجون تجفيف منابع الارهاب من طريقها مع الأسف، وليس لهم إلا هذه الطريق، طريق المساعدة على دمقرطة مناحي الحياة في البلدان العربية والاسلامية، طريق عدم الكيل بمكيالين، طريق العدل الدولي واحترام الشعوب كل الشعوب، هذه هي الحقيقة التي لم يقتنع بها لحد الآن الغرب، ولو رفض مثلا ، مثلا، هولاند وبوتين... استقبال ديكتاتور مصر، لقالت الشعوب والله رفضوه احتراما لحقيقة رابعة وغيرها... ولكنهم لم تعجبهم ديموقراطية الانتخابات في مصر مرسي كما لم تعجبهم ديموقراطية انتخابات تركيا اردوغان، نعم، على الغرب أن يساعد المغرب في ضم أبنائه في تندوف كي يعيشوا حياة الآدميين كإخوانهم مغاربة الداخلة، وعليه أن ينتصر لحق غزة في الخروج من السجن الكبير الذي فرض عليه، وبالجملة، عليه أن يساعد - ولا يعرقل- كل ما من شأنه أن يدفع بالشعوب العربية والاسلامية إلى الاستقرار والتنمية المحلية وتطوير الذات شكرا لصاحب المقال والى لقاء

karima منذ 7 سنوات

jama3rt monafi9in ta3la aswathm 3nda lmasalh otkhras dona dalk

التالي