مراكش الخضراء

15 نوفمبر 2016 - 22:00

تنازلت مراكش لمدة 11 يوما عن لونها الأحمر، ولبست الأخضر عنوانا لترحيبها بـ«كوب 22» وأهله، حيث سيتقرر مصير العالم ومصير الحياة على الأرض، ومصير مستقبل أبنائنا في مدينة البهجة هذه الأيام.
قبل «كوب 21»، في باريس الذي كان له مفعول الصدمة، لم يكن العالم مهتما بهذا القدر بعشرين كوب مضت، أي بعشرين سنة ضاعت قبل أن يستيقظ البشر على حقيقة الكوارث التي تحيط بسلامة البيئة، ومخاطر ارتفاع حرارة الأرض، وما تشكله التغيرات المناخية من مخاطر على الحياة فوق الأرض، واليوم مع «كوب 22» في مراكش ينتظر الرأي العالمي من قادة الدول الكبرى المرور من القول إلى الفعل، من الشعارات إلى الإنجاز، من النوايا الحسنة إلى القرارات الفاعلة.
المطلوب اليوم من السياسة أن تكون حازمة تجاه سلطة الشركات واللوبيات، وأصحاب المصالح الذين يقاومون برنامج الإصلاحات البيئية، ويقفون أمام الأجندة الخضراء مانعين اقتصادا أخضر إيجابيا من الميلاد.
اليوم خرج موضوع التغيرات المناخية من الصالونات ومن القاعات المغلقة للقرار، ومن كواليس المساومات الضيقة، وأصبح موضوعا على طاولة أوسع.. طاولة المجتمع المدني الحي والفاعل والمؤثر، ولهذا اكتسبت قمم الكوب الأخيرة زخما قويا وفاعلا، وأصبحت مساحة مناورات السياسيين والصناعيين والتجار ضيقة، وأصبح الطلب متزايدا على نموذج تنموي واقتصادي جديد، ينسجم مع الحفاظ المستدام على البيئة، وعلى التقيد بالمعايير الخضراء مهما كلّفت هذه العملية من وقت وجهد ومال وإبداع، حيث إن الاستثمار في سلامة البيئة رهان كبير، لكن تدميرها جريمة مضمونة النتائج الكارثية.
في مؤتمر باريس، التزم سادة العالم بالسعي إلى تخفيض حرارة الأرض بدرجتين مئويتين، ما اعتبر انتصارا للبيئة ضد المخاطر التي تتهددها، خاصة مع تحقيق شرط 55 دولة التي تمثل 55 ٪‏ من الحجم الإجمالي للغازات الدفيئة. وأكثر من ذلك، فوتيرة التصديقات متواصلة، وتظهر انخراط الدول غير المسبوق في تبريد حرارة الأرض، وتخفيف المخاطر الموجودة على سلامة الإنسان والحيوان والنبات. في اجتماع مراكش تنتظر البشرية قرارات عملية، وانطلاق العداد إلى الوراء لإنقاذ أمنا الأرض، هذا هو الرهان العالمي، أما الرهان المحلي فهو استغلال هذه المنصة الكبيرة لإظهار مدى التزام بلد صغير مثل المغرب بجهود الحفاظ على البيئة. بلد لا يتوفر على إمكانات الدول الكبرى، ومع ذلك يبذل مجهودا للإسهام في نقاء البيئة أكثر مما يسهم في تلويثها. هذه هي الرسالة الأولى، أما الرسالة الثانية فهي إظهار مميزات ومؤهلات البلد في مجالات عدة، سياسية واقتصادية وثقافية وسياحية وبيئية، وإظهار مدى انخراط المملكة في منطق العصر والتزامات الدول الكبيرة. نحن بلد لا يتوفر دائما على فرص لعرض نفسه أمام العالم نظرا إلى ثقافة الانعزال داخله، ولقلة موارده، وضعف ولوجه إلى الميديا العالمية بشكل إيجابي، فلا أقل من أن يتعرف عليه العالم وهو ينزل ضيفا عليه لمدة 11 يوما. إنها قمة كبرى ستدخل إلى التاريخ إذا نجح قادة العالم في ترجمة التزاماتهم إلى أفعال، وإذا نجح المجتمع المدني في رفع سقف انتظارات القمة، وإذا نجح المغرب في تنظيم تظاهرة عالمية هي الأولى من نوعها في إفريقيا والعالم العربي. هذه هي الرهانات الموضوعة في سفينة «كوب 22»، التي انطلقت قبل أسبوع في جو بديع من التنظيم وحرارة الاستقبال، وتفاعل المغربي مع كل أجناس الأرض في مدينة جميلة ونظيفة وآمنة، وتتوفر على بنية استقبال سياحي عز نظيرها في إفريقيا.
الذي يزور مراكش هذه الأيام، ويتجول في القرية البيئية التي تحتضن «كوب 22»، ويقف على حجم المجهودات الجبارة التي بذلت من أجل توفير أفضل استقبال لأكثر من 45 ألف مشارك في التظاهرة الأضخم في العالم، يسأل نفسه: إذا كان المغرب يتوفر على كل هذه الإمكانات اللوجستية والتنظيمية والأمنية والسياحية ليصنع من مراكش ما هي عليه الآن، فلماذا يترك مدنا كثيرة في الأركان الأربعة للمملكة غارقة في الفوضى والقبح وضعف البنيات الأساسية؟
إنه السؤال الذي يتردد على لسان الكثيرين ممن يزورون مراكش هذه الأيام، وجوابه من ثلاثة عناصر:
أولا: البلاد تحتاج إلى مشاريع كبرى، ومواعيد أكبر، والتزامات داخلية وخارجية لتعطيها قوة دفع أكبر نحو الإنجاز، ونحو التطور، ونحو الابتكار، مثل ما هو حاصل الآن مع «كوب 22»، لأن القدرة على التعبئة ضعيفة في بلدنا، والقدرة على الإنجاز أضعف، ولأن الإدارة آلة معطلة، والفساد مرض ينخرها. لقد رأينا كيف لعب حلم التحاق تركيا بأوروبا دورا كبيرا في تقدمها، وفي إصلاحاتها الاقتصادية والاجتماعية، تماما مثل ما وقع لإسبانيا في أواخر السبعينات قبل أن تلتحق بالاتحاد الأوروبي.
ثانيا : لا بد من التفكير في نموذج جديد لإدارة المدن غير النموذج الحالي الذي أبان عن فشل ذريع. لا بد من إعادة النظر في الوصاية التي تمارسها وزارة الداخلية على المجالس المنتخبة خارج أي قانون أو منطق، وفي الوقت ذاته، لا بد من البحث عن حل لضعف مردودية المنتخبين، وقلة خبرتهم في إدارة المدن الحديثة، وذلك بفصل السياسة عن التدبير، فتعطى للمنتخبين صلاحية الاختيارات الكبرى وتحديد الأولويات والبحث عن الموارد المالية، فيما توكل الإدارة والتدبير إلى خبراء في مجال إدارة المدن بكل تعقيداتها، مع العمل على تسريح جل موظفي الجماعات الذين يمتصون كتلة أجور مهمة في ميزانية المجالس المنتخبة بدون مردودية.
ثالثا: لا بد من مراجعة النظام الضريبي الذي يحرم مجالس المدن من مداخيل مهمة، ويجعلها مشلولة اليد أمام كثرة المتطلبات، فجل المدن بالكاد تؤدي فاتورة الكهرباء والماء والنظافة والنقل وكتلة أجور الموظفين، فيما تعجز عن الاستثمار في البنيات التحتية، وفي توفير مقومات جعل المدينة مدينة، فمثلا، لا يعقل أن تحتوي الدار البيضاء على أكثر من مليون و200 ألف سيارة تجوب شوارعها كل يوم، بما يتطلبه هذا الأسطول الضخم من طرق ومواقف سيارات وعلامات تشوير، علاوة على ما تتسبب فيه هذه السيارات من تلوث.. فيما ضريبة السيارات تذهب كلها إلى خزينة الدولة، ولا يصل منها شيء إلى ميزانية المدينة.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

محمد ناجي منذ 7 سنوات

ليس المهم الاكتفاء بنجاح تنظيم التظاهرة ،، بل الأهم من ذلك استمرار تفعيل روحها والعمل على تحقيق أهدافها في كل مدن المغرب .. يجب ألا يكون الهدف هو مجرد الدعاية واستقطاب السياح بل خدمة البيئة والمناخ فعلا وبكل صدق .. وبيئة المغرب ومناخه لا يقتصران على مراكش فقط،، بل هي تشمل المغرب بكامله . فإذا تحقق هذا فذلك هو النجاح الحقيقي لهذه التظاهرة ، وإلا فهو نجاح كاذب مزور ، يراد به البهرجة والدعاية ، ولا يستحق أن تُـنفَق عليه كل تلك الأموال الطائلة

عبد الكريم ايت علي منذ 7 سنوات

انت ترى المدينة /مراكش قد تحولت بين عشية وضحاها من مقبرة للأحياء الى عروس في هودجها ، فقط لأن شخصيات هامة ستقوم بزيارة لتلك المدينة ... فتُعبد الطرقات وتبلط الممرات ويعاد صباغة الجنبات والواجهات وتربط شبكات الماء الصالح للشرب وتستنبت المناطق الخضراء وتزود المؤسسات بالكهرباء وتصلح المصابيح العمومية المعطلة وتنظف المستشفيات وتهرول سيارات الإسعاف بحثا عن المرضى ، ويتواطأ المسؤولون المحليون فيَحجبون أحزمة الفقر ودور الصفيح خلف جدار عازل قد يكلف ميزانية بناء عمارة أو مدرسة أو مستشفى ... كل هذا " ينجز" في ظرف قياسي بأموال محجوزة في صناديق تدعى " صناديق الكوارث " . فإذا انتهت الزيارة بسلام تنفس أكبر مسؤول محلي الصعداء ولجأ الى أخذ حمام ساخن يُـدلِّك به عظامه قبل أن يستقبل الهيآت المسؤولة عن تدبير الشأن المحلي من موظفين ومنتخبين ليتلقى منهم التهاني والتبريكات على نجاح الزيارة ، إذ لم تخلف وراءها "ضحايا " أو فضائح ، بعدها يشرع في التأشير على مصاريف الزيارة وتكاليف التنقلات التي قد تصل الى أرقام خيالية ، ثم يقتطع لسعادته إجازة مفتوحة للتخلص من الرُهاب والحمى اللذين لازماه طوال فترة الاستعدادات ... هذا حالنا في كل الميادين .تنقصنا الديمقراطية الحقيقية اما كثرة المجالس واللجان والرؤساء فهذا ما يستنزف الميزانيات فقط

alhaaiche منذ 7 سنوات

Allah ihdik a si Taoufiq, Rah Ghir Lakhwa Al Khawi Ach kayaaref Lehmar Lesskinjbir On est devenu une société mafieuse, Makayen Ghir Al Gamila, ou rechwa, Ou Lekdoub Ou Nifak Le plus grand mensonge c'est PAM, qui est crée, protège et nourrit par Al Makhzen Le PAM a échoué, Al Makhzen se positionne du Cote RNI Et demain, ca va être un autre parti, Si le RNI échoue et il va échouer Hit Kharej men Al Khayma Mayel, Bhal Tracteur, ou moul Tracteur

حاتم السفياني منذ 7 سنوات

المرجو تصحيح العنوان ، حيث ورد في النسخة الورقية : مراكش الخضراء.

التالي