القصة الكاملة لاستعادة المغرب لمقعده في الاتحاد الإفريقي

01 فبراير 2017 - 15:00

موفد “اليوم 24” إلى أديس أبابا: يونس مسكين

كل شيء كان يوحي أن يوما استثنائيا وتاريخيا ينتظر المقر الفخم للاتحاد الإفريقي. العاصمة الإثيوبية أديس أبابا زادت إلى حالة الاستنفار التي تعيشها في الأيام العادية، بسبب توتراتها السياسية الداخلية، حدثا سنويا يحج إليه جل الرؤساء والقادة الأفارقة. الجيش الإثيوبي يطوّق هذه البناية الشاهقة التي شيّدها التنين الصيني هدية للأفارقة، وحضور البزات العسكرية والأسلحة الرشاشة يزداد كثافة كلما اقتربت من المقر. “إنهم أغبياء، لا يفهمون شيئا، انظر كيف يلوّح بيده”، يقول سائق سيارة الأجرة الذي أقل مبعوث “أخبار اليوم” لتغطية القمة الإفريقية الـ28 في عهد الاتحاد الإفريقي. غضب السائق سببه وقوف جنديين بأسلحتهما الرشاشة أمام السيارة، مطالبين إياه بنصف دورة والعودة من حيث أتى.

تشهر “أخبار اليوم” شارتها الأمنية، ويتحدث سائق سيارة الأجرة محاولا شرح أن إيصال الضيوف يندرج ضمن الخدمات المرتبطة بالقمة. “إنه لا يعرف حتى أن هناك قمة إفريقية، لا يردد إلا ممنوع ممنوع”، يعلّق السائق، قبل أن يلوّح ضابط للشرطة يقف وسط الملتقى الطرقي معطيا إشارة السماح بالمرور.

 

ترقب وتوجس

 

لا أحد كان له خبر يقين حول ما سيجري تحت القبة الضخمة لقاعة الجلسات الكبرى للقمة الإفريقية، لكن ولوج الباب الرئيس للبناية كان يثير إحساسا خاصا وغريبا بأنه “يوم الحسم”. هل تراه المغرب ينجح فعلا هذه المرة في تحقيق “خبطة” دبلوماسية كبرى في “أرض” الخصوم وأمام “جمهورهم”؟ أليس طعم الهزيمة المرة للمنتخب الوطني لكرة القدم أمام نظيره المصري في الليلة السابقة، نذير شؤم لما يمكن أن تؤول إليه الأمور هذا اليوم؟ ألا يوجد داخل هذه البناية جيش من الموظفين والخبراء المعبئين والمدربين على خدمة المحور القوي داخل إفريقيا وأكثر مكوناتها عداء للمغرب؟ لكن في المقابل، ألم يحج غالبية القادة الأفارقة أمس قبيل مباراة المغرب ومصر إلى مقر الإقامة الملكية بفندق شيراتون؟ ألم يستجب الأمين العام للأمم المتحدة، وأنطونيو غوتريس، والرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن للدعوة الملكية؟ أليس كل هذا مؤشرا على أن مجيء الملك شخصيا إلى الديار الإثيوبية دليل على وجود ضمانات باستعادة المقعد الإفريقي للمغرب، بعد 33 سنة من انسحاب والده الحسن الثاني؟

أسئلة وهواجس اختلطت في أذهان كل المغاربة الذين انتقلوا في ساعات مبكرة إلى مركز المؤتمرات التابع للاتحاد الإفريقي. مبعوث “أخبار اليوم” قام باختيار من بين بدائل كثيرة ممكنة، وقرر حجز مكان له في الصف المخصص للصحافيين الراغبين في دخول منصة الصحافة بالقاعة الكبرى، قاعة نيلسون مانديلا.

يعود سيل جديد من الأسئلة ليطرق باب الأذهان تطغى عليه فرضية ماذا لو كان الضغط الدبلوماسي المغربي قد نجح في كسر شوكة دلاميني زوما، رئيسة المفوضية الإفريقية، وحملها على الإفراج عن قرار عضوية المغرب تلقائيا كما تنص على ذلك قوانين الاتحاد؟ فهو سلك المسطرة في أصغر تفاصيلها، قدّم الطلب يوم 22 شتنبر، وحرص على إرغام زوما على تبليغه للدول الأعضاء، وقامت دبلوماسيته بالتحرك اللازم لاستصدار ردود رسمية من هذه الدول، وجلها كان لصالحه. وأكثر من كل ذلك، بادر إلى المصادقة على القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي، وأودع وثائق هذه المصادقة دون إبداء أي تحفّظ يذكر.

ماذا لو فُتحت أبواب القاعة وتبيّن أن المنظمين خصصوا مكانا للمغرب يحمل علمه، وكان هناك استقبال خاص على شرف العضو الجديد؟ لقطة لن يجود التاريخ بمثلها، وتستحق كل العناء لحضورها وتصويرها من زاوية قريبة وواضحة، ولو هاتفيا.

 

فرحة مؤجلة

 

أكثر من ساعتين من الانتظار وافتراش الأرض ذهبت سدى بمجرد فتح الأمن الخاص للاتحاد الإفريقي باب القاعة. الأخيرة على حالها كما وجدتها “أخبار اليوم” في اليوم السابق، حين ولجت إليها يدفعها فضول البحث عن المقعد الذي يفترض أن يشغله الوفد المغربي بعد حصول المملكة على العضوية. الترتيب الأبجدي للحروف اللاتينية يجعل المغرب يقع بين دولتي مالي وموريتانيا، والمقعد الذي تشغله هذه الأخيرة بالضبط هو الذي يفترض أن يشغله المغرب، فيما تنزاح موريتانيا وكل الدول التي تليها إلى المقاعد التي تقع على يساره.

الوفدان الجزائري والممثل للبوليساريو ضمن أوائل الوفود الملتحقة بالقاعة، “الصدفة” من جعلت زعيم الجبهة إبراهيم غالي يدلف من باب القاعة على بعد خطوات قليلة من الوزير الأول الجزائري عبد المالك سلال. غالي يرتدي “الدراعة” الصحراوية كما لو كانت رمزا وطنيا، بينما هي بالنسبة لجل المغاربة واحدة من الأزياء المحلية على غرار الجلباب و”الحايك” و”البلغة”… سلال يتوجه وحيدا نحو مقعده ويجلس في صمت وهدوء، فيما كوكبة من مرافقي إبراهيم غالي تبدي حركية غير عادية. “وزير” الخارجية في الجبهة محمد سالم ولد السالك يتحرك ذات يمين ويسار، بين هذا الوفد وذاك، ثم يعود لينحني على إبراهيم غالي متحدثا إليه. قبل أن يصدح مكبر الصوت برسالة باللغتين الفرنسية والإنجليزية، تخبر القادة أن الاجتماع الأول مغلق وسينعقد في قاعة أخرى.

لا شيء هناك يوحي بأن الفرحة التي ينتظرها المغاربة ستكون سريعة ومبكرة إلى هذا الحد. علم كل دولة يعتلي مقعد رئيسها، فيها وزعت بعض الوثائق ووضعت أمامهم. لا يعقل أن تعلن الجلسة المغلقة المبرمجة قبل الجلسة الافتتاحية قبول المغرب، ويدخل بالتالي المغرب دون ترتيب مسبق. زوما نجحت إذن في منع العلم المغربي من ولوج القاعة مادامت هي رئيسة للمفوضية. لكن البرنامج النهائي الذي تم نشره عشية موعد القمة، ضمن برمجة الموضوع المغربي في أجندة اليوم الأول من القمة، وزوما لن تفلت على الأقل من معركة مواجهة أصدقاء المغرب الكثر والمستميتين في الدفاع عن عودته.

مرّت الجلسة الافتتاحية رتيبة مملة كما هو الحال في مثل هذه اللقاءات الدولية، الأمين العام الأممي غوتريس ينتشي بإلقاء أولى خطبه المسموعة أمام أكبر تجمع لرؤساء الدول يشهده منذ اعتلائه المنصب، ومحمود عباس يستحث مشاعر الأفارقة وميولاتهم التحررية، ويقول لهم: “أعرف أن لديكم مصالحكم وأن إسرائيل تتقرب منكم، لكن رجاء لا تجعلوا ذلك على حساب حقوق الفلسطينيين”. فيما زوما تمعن في “تعذيب” المراقبين بحديثها المطول والفارغ من المعنى لمن جاؤوا من المغرب بحثا عن حق تأبى تسليمه.

 

شحنة أمل

 

رغم كآبة الموقف ومرارة تأخير الملف المغربي إلى آخر جلسة في جدول أعمال هذا اليوم، إلا أن زوما كانت تتقدم تدريجيا نحو نهايتها. رئيس الاتحاد الإفريقي المنتهية ولايته، التشادي إدريس ديبي، وبعدما كان في قمة كيغالي الماضية أحد مناصري الإعلان المغربي بالعودة إلى الاتحاد الإفريقي، يعلن في كلمته أن خليفته ليس إلا الرئيس الغيني ألفا كوندي. هذا الأخير الذي أجمعت عليه دول غرب إفريقيا ليعتلي رئاسة الاتحاد الإفريقي خلفا لممثل الوسط، هو صديق كبير للمغرب. وقبل ذلك، هو رجل قوي الشخصية، له كاريزما يعتد بها، ومرافعات خصوم المغرب المعتادة سوف لن تنال منه إن لم تكن على أساس صحيح. هكذا راح المغرب يستلّ خنجر السيدة زوما المزروع في ظهره مند مدة طويلة. نعم انتهت الجلسة الافتتاحية دون أن يأتي أحد من المتدخلين على ذكر المغرب، لكن نقل ملفه من الجلسة المغلقة السابقة للجلسة الافتتاحية إلى أخرى بعدها، بل وبعد جلسة انتخاب رئيس جديد للمفوضية الإفريقية، يعني طرح الطلب المغربي بعد أن تكون زوما قد أسلمت المنصب إلى خليفتها.

مصدر دبلوماسي صديق للمغرب، قال لـ”أخبار اليوم” إنه وبافتتاح أشغال القمة، “تصبح المفوضية الإفريقية ومعها الجهاز الإداري بكامله خارج اللعبة، ويصير الأمر بين أيدي القادة والسياسيين الأفارقة”. شحنة جديدة من الأمل توازي شحنة التوتر الآخذ في الارتفاع في صفوف المغاربة الموجودين في ردهات البناية.

جلّ هؤلاء المغاربة هم صحافيون جاؤوا لتغطية القمة. لكن قوة ما كانت تنبعث من تطور الأحداث وتسرّب حرب الكواليس بين أصدقاء المغرب وخصومه، وتلويح بعض الأطراف بلعب ورقة التهديد بانقسام الاتحاد الإفريقي لمنع صدور القرار الذي لا يمكن إلا أن يكون في صالح المغرب. قناة “ميدي1 تيفي” حولت بهوا فسيحا في الطابق العلوي إلى استوديو غير مسبوق من نوعه، يغطي من خلاله صحافيان شابان تطورات الأحداث لحظة بلحظة. فيما فرق القناتين العموميتين ووكالة المغرب العربي للأنباء منتشرة في أرجاء المقر، “تقتنص” تصريحات ومواقف الرؤساء والوزراء، وكلها تصب في مصلحة الطلب المغربي.

فيما كتيبة أخرى من مبعوثي الصحافة المستقلة يترصدون أبواب القاعات المغلقة ويفتحون قنوات اتصالاتهم “السرية” بمصادرهم عبر تطبيقات الواتساب والفيسبوك.

قيدوم المصورين المغاربة الملقب بمصور الملوك الثلاثة، محمد مرادجي، كان يطوف أرجاء البناية الفخمة مقتنصا الصور هنا وهناك. وفي لحظة التوتر الكبرى، بدا وقد فقد السيطرة على هدوئه، وفتح محفظته، وأخرج ملفا به عدد من الصور. “انظر إلى هذه، هل يتوفر عليها أحد؟ هل يعرف أحد ما قصتها؟” يقول مخاطبا “أخبار اليوم”، ومشهرا صورة يظهر فيها الملك الراحل محمد الخامس، وقد توسط عددا من الزعماء الأفارقة، من بينهم جمال عبد الناصر ورئيس الحكومة المؤقتة للجزائر. “هذه يا سيدي صورة لمؤتمر الدار البيضاء 1961، وهذا محمد الخامس ينظم أول مبادرة لتوحيد إفريقيا، نعم الجزائر لم تستقل بعد، والمغرب يسعى إلى توحيد إفريقيا ويدعم حركات التحرر”، يصيف مرادجي. وحين أخبرته “أخبار اليوم” أنها تحدثت عن هذا الموضوع في أول ربورتاج لها من أديس أبابا الأسبوع الماضي، عاد ليضيف: “نعم، على الذين يعتقدون أن المغرب كان غائبا أن يصححوا معلوماتهم، المغرب كان دائما حاضرا، وأنا جئت اليوم لأشهد، وأقول إنني الشخص الوحيد الذي كان حاضرا في هذا المؤتمر عام 1961، وعاد اليوم ليوثق حدث عودة المغرب.

 

أربع ساعات عصيبة

 

مع اقتراب اللحظة الحاسمة، لإنهاء جلسة ما بعد الزوال انتخاب هياكل الاتحاد الجديدة وفتح الملف المغربي، كان الجميع هنا ينسى تدريجيا انتماءه المؤسساتي وينخرط في كتلة مغربية متوثبة ومتوترة ومتضامنة. صحافي يعود من ال”كافيتيريا” البعيدة عن قاعة الندوات، حاملا قنينات ماء إضافية لزملائه، وفريق تلفزيوني يوزع سندويتشات على من اضطرهم الحرص على تتبع التفاصيل إلى البقاء دون طعام طيلة اليوم. أجواء مفعمة أججها خروج رئيس البعثة الدائمة لدولة التشاد في الاتحاد الإفريقي، معلنا فوز وزير خارجية بلاده بمنصب رئيس المفوضية الإفريقية، مثيرا موجة من الاحتفال والهتافات وسط التشاديين. مشهد عزف بعنف على الأوتار الحساسة للمغاربة المترقبين. فمشهد الفرح هذا أيقظ الرغبة الكامنة في أفئدتهم، والخبر التشادي يعني أيضا أن زوما رحلت نهائيا، بغض النظر عمّ إن كان المرشح الأفضل لمصالح المغرب، أو خسارة فادحة بسقوط المرشح السنغالي، أو أخف الأضرار بعدم صعود المرشحة الكينية، المهم أن زوما رحلت، ومباشرة بعدها فُتح الملف المغربي للنظر فيه.

فتح ملف المغرب داخل الجلسة المغلقة كان إيذانا بانطلاق أربع ساعات الأكثر أهمية وزخما وتوترا بالنسبة للمغرب. أولى المصادر الدبلوماسية التي تلقفها الصحافيون المغاربة وهي تخرج من القاعة بين الفينة والأخرى، قالت إن أول ما تناولته الجلسة بعد إعلان رئيسها ألفا كوندي دراسة الطلب المغربي، هو العرض الذي قدمته الرئيسة المنتهية ولايتها للمفوضية الإفريقية، دلاميني زوما. هذه الأخيرة حضرت رغم انتخاب خلف لها، باعتبارها مازالت تمارس مهامها في انتظار “تسليم السلط”، لكن أيضا لأن خلفها التشادي تولى رئاسة جلسة أخرى لانتخاب بعض الهياكل الجديدة للاتحاد الإفريقي. التصويت الضمني للدول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي، تجسّد منذ الوهلة الأولى لمناقشة الطلب المغربي، حيث كشفت زوما عن مضمون الرسائل الجوابية التي توصلت بها من الدول الأعضاء. “هناك 39 صوتا لصالح المغرب، هنيئا لكم، الباقي مجرد كلام لن يكون له تأثير”، تقول دبلوماسية إفريقية للصحافيين المغاربة المتلهفين لمعرفة ما يجري بالداخل.

معطى سرعان ما عادت مصادر أخرى لتقلل منه، موضحة أن الأمر يتعلق فقط بـ33 صوتا “خالصا” لفائدة المغرب، أي الموافقات الصريحة على الطلب المغربي بدون إبداء ملاحظة أو تحفظ. رقم سيخفضه دبلوماسي جزائري تحدثت إليه “أخبار اليوم” في نهاية الجلسة، إلى 29 صوتا فقط، وهو ما تبيّن أنه ترجمة لحرص خصوم المغرب على إظهار دخوله في صفوف الاتحاد على أنه جاء بناء على الأغلبية البسيطة فقط، وليس أغلبية جد مريحة.

 

الصراع يحتدم

 

تدريجيا، كانت الكتلة البشرية المرابطة أمام المدخل الرئيس لقاعة نيلسون مانديلا تصبح مغربية خالصة، والموضوع بات يهيمن على الأجواء داخل المقر بكامله رغم وجود رهانات أخرى مرتبطة بانتخاب أعضاء هياكل الاتحاد الإفريقي. عدا بعض الوجوه الدبلوماسية المغربية القليلة التي ظهرت في بعض اللحظات، كان الصحافيون يتحولون إلى وفد المغرب داخل القمة. الجميع انصهر في عمل جماعي اختفى فيه التنافس والبحث عن السبق، كل يوظف مهاراته في اقتناص المعلومات من داخل القاعة ويقتسمها مع الآخرين.

دبلوماسي من إحدى دول شمال إفريقيا، طلب عدم الإشارة إلى هويته، تعاطف مع “أخبار اليوم” حين توجهت إليه وهو يخرج من القاعة في عز الاجتماع: “أنت مغربي؟ وتريد معرفة ما يدور بشأن المغرب؟ في الحقيقة لم أكن مركزا ولدي مهمة محددة أشتغل عليها، لكن لأنك مغربي سأعود وأستقصي لك الأخبار وأعود”. وبالفعل دخل مصدرنا ومكث أكثر من نصف ساعة، قبل أن يعود إلينا بمعطيات مفصلة. سلوك قالت مصادر “أخبار اليوم” إن زوما لاحظته أثناء الاجتماع، وتدخلت لتطلب من الدبلوماسيين الذين يدخلون ويخرجون كثيرا بالجلوس في مقاعدهم واحترام سرية الجلسة. “أنصت، لقد جمعت لك أقصى ما يمكن من المعطيات”، يقول مصدرنا الدبلوماسي بعدما أصدر لنا إشارة خفيفة للحاق به بعد خروجه من القاعة. “لقد استمعت لبعض المداخلات وسألت زملائي عن بقية المعطيات، زوما قدمت عرضا في البداية، قالت فيه إنها تلقت الطلب المغربي، ووزعته على الأعضاء، وتلقت ردودا تتضمن أغلبية مؤيدة. لكنها عادت لتستدرك بالقول إنه ونزولا عند طلب 13 دولة، استصدرت رأيا قانونيا من مكتبها المختص، وأن الأخير يقول بوجود إشكالات في الطلب المغربي، تتمثل في نزاعه الترابي مع عضو مؤسس في الاتحاد”.

ثاني أبرز المداخلات التي نقل مصدر “أخبار اليوم” مضمونها، كانت للرئيس التشادي، والرئيس المنتهية ولايته للاتحاد الإفريقي. إدريس ديبي، أمسك العصا من الوسط، واستهل تدخله بالقول إن النصوص القانونية للاتحاد ومساطره لا تتضمن أية تعقيدات في حقيقة الأمر، وأن كل ما تنص عليه هو التعبير عن الرغبة في الانضمام عبر طلب، ثم الحصول على تأييد الأغلبية البسيطة من الأعضاء. الرئيس التشادي عاد ليستدرك بالقول، إن هناك مشكلا حقيقيا يين المغرب وعضو بالاتحاد الإفريقي، هو البوليساريو، وأنه يفضل حلّ هذا الإشكال بينهما من الآن، بدل تركه يتحول إلى سبب في انقسام الاتحاد الإفريقي لاحقا. وفيما اكتفى رئيس الوفد المصري بإعلان تأييده للطلب المغربي دون أية ملاحظات، في غياب الرئيس عبد الفتاح السيسي، استعرض المصدر الدبلوماسي لـ”أخبار اليوم” المرافعة التي قام بها زعيم البوليساريو إبراهيم غالي، والتي تضمن الفكرة نفسها التي قالها “وزير” خارجيته محمد سالم ولد السالك لـ”أخبار اليوم” في عدد الاثنين الماضي. “غالي قال إن المغرب له حدود ثابتة وأخرى متحركة”، قال المصدر وهو يمسك رأسه بيده لحث ذاكرته على استعادة كل ما قيل. وأوضح أن غالي أشار إلى مادة في الدستور المغربي هي بمثابة تحفظ ضمني على القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي، وهي المادة 42 التي تعتبر الملك ضامنا للحدود “الحقة” للمملكة.

 

جنوب إفريقيا تتزعم الحرب 

 

كل ما سبق كان متوقعا قبل انطلاق الجلسة، مثله مثل الموقف الجزائري الذي نسج على منوال إبراهيم غالي في مطالبة المغرب بإقرار حدوده كما هو معترف بها دوليا. لكن شيئا ما كان يجعل المغرب في هذه اللحظات العصيبة في مواجهة مفتوحة ومباشرة مع جنوب إفريقيا. بدءا بالقاعة نفسها التي تحمل اسم الزعيم التاريخي نيلسون مانديلا، ومرورا بالرئيسة السابقة للمفوضية الإفريقية دلاميني زوما، وانتهاء بطليقها الرئيس الحالي لدولة جنوب إفريقيا جاكوب زوما.

الزوج زوما يجسّد قصة فريدة في السياسة والحياة، التقيا في 1982 وجمعت بينهما السياسة ليرتبط المناضلان في صفوف حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، وهما المنفيان بسوازيلاندا هربا من نظام الميز العنصري في جنوب إفريقيا. زواج استمر 16 سنة، لكن السياسة التي جمعتهما هي نفسها التي عادت لتفرقهما، حيث لم يعد تنافسهما خافيا، ليحدث الطلاق بينهما في 1998، أي عاما واحدا قبل أن تصبح طبيبة الأطفال وزيرة للخارجية على مدى عشر سنوات، ثم تنتقل منها إلى وزارة الداخلية، كل ذلك في إطار حرب مكشوفة مع جاكوب زوما، حيث تعتبر دلاميني زوما المرشحة الأوفر حظا لخلافته في زعامة الحزب وربما رئاسة البلاد.

لكن في هذا المساء، أصبح الـ”كوبل” الجنوب إفريقي سمنا على عسل، يتبادلان الأدوار في محاصرة الطلب المغربي وإعاقة وصوله إلى بر الأمان.

ألفا كوندي شيفرة عودة المغرب

“عليك أن تعرف أن رجلا اسمه ألفا كوندي هو الذي صنع فرحتكم هذه الليلة”، يقول مصدر دبلوماسي حضر الجلسة المغلقة لـ”اليوم 24″، مضيفا أن “مواجهة كلامية مباشرة وشنآنا وقع بينه وبين جاكوب زوما، حيث رفض الأخير اللجوء إلى التصويت، كما رفض التسليم بما أفرزته الرسائل الجوابية للدول الأعضاء، ليرد عليه كوندي بالقول: هل تريدون الديمقراطية أم لا، أليست الديمقراطية حوارا وأغلبية وأقلية؟”

مواجهة كانت أصداؤها تصل إلى البهو المقابل لجلسة نيلسون مانديلا، وجل من يخرجون منها لسبب أو لآخر، يرددون عبارات الطمأنة والتهاني أمام الصحافيين المتوترين.

حوالي الساعة الثامنة والنصف من تلك الليلة المشهودة، بدا المشاركون في الجلسة وقد خرجوا فجأة بشكل جماعي، بعضهم ألقى عبارات تهنئة سريعة ورحل، والبعض الآخر وقف مبشرا المغاربة المنتظرين بانضمام بلادهم الرسمي. تفاصيل ما أنهى تلك الجلسة الصاخبة، تتلخص في صمود الرئيس الغيني ألفا كوندي أمام تصعيد الرئيس الجنوب إفريقي جاكوب زوما. وفي الوقت الذي كان معسكر خصوم المغرب يدفع في اتجاه منع الاحتكام إلى التصويت واعتبار الملف غير منته في انتظار موعد آخر، توافق المشاركون في النهاية على حل يحفظ ماء وجه الرافضين لعضوية المغرب، يتمثل في اعتبار المغرب عضوا في الاتحاد الإفريقي على أساس الرسائل التي بعثتها الدول إلى المفوضية الإفريقية.

لحظة إعلان الخبر اليقين والنهائي كانت إيذانا باستسلام جل المغاربة المتحلّقين في باب القاعة لانفعالاتهم، ضحك ودموع وزغاريد تعالت بمجرد تأكيد أوائل الدبلوماسيين والوزراء المغادرين اتخاذ القرار. “آجي آ خويا نفرحو راه شحال هادي ما فرحو المغاربة، حتى الكرة والعاب القوى ما بقات كاتفرحنا”، يقول أحد الصحافيين مخاطبا مبعوث “اليوم 24”. فيما كانت أجواء الفرح هذه مثار انزعاج واضح من جانب وفد جبهة البويساريو، خاصة منه أربع نساء قطّبن حواجبهن ورددن عبارات الاستهجان تجاه الزغاريد التي أطلقتها المغربيات فرحا باستعادة مقعد غادره المغرب منذ 33 عاما.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

nawal.abouelwafa منذ 7 سنوات

فيت تتمة درتو لينا تشويق

otman منذ 7 سنوات

شكرا للصحفي يونس مسكين الذي جعلنا في قلب الحدث

التالي