الشر ينبت في حديقة الفراغ

21 فبراير 2017 - 17:00

كلما طال الفراغ السياسي في المملكة، نتيجة تأخر تشكيل الحكومة وغياب توافق وطني لإكمال الرحلة، تلوث الجو السياسي، وبدأ كل طرف يبحث عن علبة بريد لبعث رسائله إلى الطرف الآخر، حتى إن المواطنين بدؤوا يتندرون على هذا الفراغ السياسي العبثي، ويقولون: «ما حاجتنا إلى حكومة؟ المطر نزل، والمنتخب تأهل، والمغرب رجع إلى الاتحاد الإفريقي».

هذه نكتة سوداء لا تثير الضحك، بل تثير الخوف على مستقبل البناء المؤسساتي للدولة، والخوف على الوضع الاقتصادي وعلى صورة البلد في الخارج، حيث لم يسبق للمملكة أن عاشت فراغا سياسيا لمدة 140 يوما، سوى في الحكومة التي أعقبت الانقلاب العسكري الأول سنة 1971، حيث رفضت أغلبية الأحزاب المشاركة في الحكومة خوفا على سلامتها، في جو لم يكن يبعث على الاطمئنان، عكس ما يجري الآن، حيث جل الأحزاب تتهافت على المشاركة في حكومة لا يريد لها أحد أن تتشكل في قالب نتائج السابع من أكتوبر، بل يريدونها حكومة بلا طعم ولا لون ولا رائحة، ليقولوا للناخبين الذين مازالوا يثقون في قدرة صندوق الاقتراع على إفراز من يحكم: «سيرو تنبگو».

في نهاية الأسبوع، قال بنكيران جملة انتشرت بسرعة في مواقع التواصل الاجتماعي، ولقيت رواجا كبيرا على صفحات الفايسبوك، حيث قال: «لا يمكن أن يذهب جلالة الملك إلى إفريقيا ليفرج الكربات عن بعض شعوبها، ونحن هنا نهين الشعب المغربي»، ثم خرج يوم أمس ليوضح معاني هذه الجملة، التي تم إعطاؤها تأويلات عدة، بالقول: «بعض المغرضين الذين لا يستحيون أخرجوا هذه الجملة من سياقها. أنا قلت إنه من غير المعقول أن يأخذ إشعاع المغرب بعدا إفريقيا ودوليا، في حين أن الأحزاب السياسية في المغرب مازالت ‘‘حاصلة’’ في تشكيل الحكومة. لنرجع شيئا ما إلى الديمقراطية ونحكمها».

إن جل الألغام السياسية التي تفجرت، طيلة الأربعة أشهر الماضية، كانت نتيجة الفراغ السياسي القاتل الذي يخيم على المملكة الآن، ويعطل، دون مبرر منطقي، خروج الآلة التنفيذية إلى ساحة العمل، ومن ذلك أزمة الدولة مع شباط، وخروج الصراع بين الطرفين عن حدود التحكم إلى درجة غير مسبوقة في كل تاريخ حزب الاستقلال، حتى وصل الأمر إلى خروج مستشار ملكي عن واجب التحفظ في التلفزة الرسمية للرد على شباط بخصوص موريتانيا، أما رد شباط فلم يتأخر، فعمد إلى تجميد عضوية زوجة شقيق المستشار الملكي في الحزب لمدة سنة ونصف، وبعدها نشبت أزمة كبيرة في البيت الاستقلالي تهدد بإضعاف حزب علال الفاسي، ودفعه إلى أن يلقى مصير حزب عبد الرحيم بوعبيد.

ومن آثار الفراغ السياسي في الجهاز التنفيذي، كذلك، الاحتجاجات التي اندلعت في الريف بعد مقتل بائع السمك بطريقة درامية، حيث غابت المعالجة السياسية وحضرت المقاربة الأمنية فقط، إذ لا يوجد من يتحدث مع الناس هناك عن مشاكلهم وعن إحساسهم بالحكرة. ومن آثار الفراغ السياسي الذي نتج بعد إعلان نتائج الانتخابات، التي لم تكن مرحبا بها في دوائر القرار، سوء العلاقات بين الأحزاب المرشحة لأن تكون في الحكومة وتلك غير المرحب بها، حيث صعد، ولأول مرة، رئيس إلى مجلس النواب مطعون في شرعيته السياسية، صوتت لصالحه أحزاب الإدارة ضدا على إرادة الحزب الأول والحزب الثالث في البرلمان. وعوض أن يدخل رئيس مجلس النواب من الباب، دخل من النافذة كوسيلة ضغط غير نظيفة لإدخال الوردة الذابلة إلى حكومة بنكيران، وهو الأمر الذي دفع الأخير إلى شن حملة على لشكر واختياراته. الأمور لم تقف هنا، بل إن نيرانا صديقة اندلعت بين أخنوش وبنكيران، وبين لشكر وبنعبد الله، وبين العنصر والعدالة والتنمية، وخرجت ملفات سوداء من الدرج، وتم تبادل اتهامات حول ملايير الدولارات من أموال الدعم وعن مصيرها، وفي الأخير، أصبحنا أمام دمار شامل في قلب المشهد السياسي، الذي لم تعد هناك قواعد تؤطره ولا منطق يحكمه.

لقد عادت الحرارة إلى الشارع، وبدأت الاحتجاجات تتصاعد، والغضب يتسع، وهذا طبيعي لأن الحكومة غائبة، وبرنامج الإصلاحات غير موجود على الطاولة، والذي سيحاور المتضررين معتكف في بيته يبعث الإشارات عن نفاد صبره، واستعداده للنزول إلى المعارضة، والأمل في غد أفضل يخبو يوما بعد آخر، والبطالة في ازدياد، وأكثر من 70 ألف عاطل عن العمل يئسوا من البحث عن الشغل، والدولة تعطي العدل والإحسان هدايا لتشعل أعواد الثقاب في حطب يابس وحرارة مرتفعة.

الذي لا تعجبه نتائج الاقتراع، ولا يروقه بنكيران، ويخاف المصباح، ما عليه إلا أن يعطي المغاربة بديلا آخر وحلا لهذا الوضع الكارثي، لكن الإبقاء على الفراغ السياسي لأطول مدة ممكنة هو أسوأ سيناريو يمكن أن تعرفه المملكة، التي تأكل كل يوم من رصيدها السياسي وسمعتها الدبلوماسية. يقول مثل فرنسي قديم: «c’est dans le vide de la pensée que s’inscrit le mal». فراغ السياسة جزء من فراغ الفكر، والفاهم يكمل من عندو.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

منتصر منذ 8 سنوات

لا اتفق مع الاستاد بنكيران من منطلق خلفياته السياسية لادارة شؤون البلاد، فبالرغم من معرفته الجيدة انه قدم 5 سنوات عجاف للمغاربة، بقي منغلقا على نفسه بنفس العقلية التي ادار بها الملفات الاجتماعية "انا احكم انا اسود" حتى بعد تكليفه بملف تشكيل الحكومة، اصطدامه هذا مع الادارة التي احترمت نتيجته و مهام تكليفه من دون تسجيل أثر يحسب ضدها لن تعفيه من الحق في شيء، سي بنكيران خلق الفراغ من نفسه لنفسه و لمغربه بنرجسيته المعهودة بعد الفوز ، لماذا؟ أحاول الاجابة لكن لم اجد الجواب

مراد منذ 8 سنوات

كلام في الصميم.رغم عدم اتفاقي مع قرارات بنكيران.الاشعبية.

mustapha منذ 8 سنوات

bravo الدباغ خديجة je vous félicite vous avez tout dit et bien dit. on veut la démocratie et reformer le système électoral, c urgent avant de refaire les élections

الدباغ خديجة منذ 8 سنوات

خديجة الدباغ في ظل ديمقراطية عرجاء ومعطوبة من الأساس ، في ظل نظام انتخابي معاق وملغوم ، في ظل أحزاب سياسية انتهازية ، وصولية ، مسلوبة الإرادة واستقلالية القرار ، في ظل فساد عام للمشهد السياسي والاقتصادي والرياضي ، في ظل صحافة صفراء وأقلام مأجورة ، في ظل سياسة العهر والمجون والفجور والضحك على الذقون. لا يمكن إلا أن نعيش قحطا سياسيا لا يدر ، وواقعا سورياليا عبثيا هجينا ، انمحى فيه العقل والمنطق .وكيانات مخزنية تحركها اياد خفية ، كراكيز تتحرك وفق سيناريوهات الطبقة الحاكمة لتفريغ الأحزاب الوطنية والديمقراطية من محتواها وضرب مصداقيتها وتعليب دورها في انتخابات صورية والحد من تغلغلها في صفوف الجماهير الشعبية. لوبيات الفساد ستبقى تنخر في البلاد وبنكيران وحده لن يقدر على إسكات عويل الذئاب ونباح الكلاب .

simo منذ 8 سنوات

la balle est chez le roi, il devra faire respecter les résultats des urnes par les différents intervenants dans la scène politique. ce jeu d'enfants doit s'arrêter le plus rapidement possible.

البلوكاج ... منذ 8 سنوات

ما هي حاجتنا الى حكومة راكمت الاصفار على مستوى الحوار الاجتماعي الذي يتم الحديث عنه هذه الأيام بسريالية ، فلم يحدث في تاريخ الحكومات المغربية التي تعاقبت على ادارة الشأن العام ما حدث خلال حكومة عبد الاله بنكيران حتى مع تلك الحكومات التي قادتها احزاب مسماة ادارية وليست سياسية لها قاعدة " شعبية " ، والسبب ان منهجية الحوار عند بنكيران لم تاخذ طابع اجتماعي بقدر انزاحت الى السياسي حيث كان بنكيران يتفاعل مع الحوار كما لو انه يتفاعل مع احزاب سياسية ، وبالتالي الهاجس السياسي لدى حزب العدالة والتنمية هو ما ظل وسيظل يحدث البلوكاج في كل شيء . ونعتقد ان " البلوكاج " الذي عرفه المستوى الاجتماعي لم يأخذ حيزا من الاهتمام بالقدر الذي ناله السياسي رغم اهميته على مستويات متعددة وعلى الخصوص مستوى الاستقرار والانصاف في البلاد ، ولا يزال هذا "البلوكاج" حاضر في المشهد الاقتصادي والاجتماعي المغربي ... وبالتالي الفرقاء الاجتماعيون لا يأملون خيرا من حكومة بنفس الرئاسة ستكرس نفس منهجية التفاوض والتدبير الذي كثيرا ما اتسمت بدكتاتورية استبدادية لا تعترف بحق جميع الاطراف حيث ذهبت الحكومة إلى فرض تصوراتها عنوة من غير استشارة او تفاوض اعتقادا من الحكومة ان هناك " احزاب سياسية " تستثمر ذلك لفرض عرقلة سياسية ، وبالتالي الحديث عن مأسسة الحوار الاجتماعي في ظل عقلية مشحونة بالهواجس السياسية لا يمكنها الا ان تكرس البلوكاج حتى على مستوى الحركات الاجتماعية – الأساتذة المتدربون وباقي الاحتجاجات – ما كان يفرض على وزارة الداخلية او بعض الوساطات المدنية التدخل لفك " البلوكاج " ... هناك مشكل في العقلية التدبيرية التفاوضية ، ومشكل نفسي لدى الفاعل السياسي الذي لا يستطيع التمييز بين العديد من المستويات ويعطي مسافة بين كل واحدة منها ،فهل الأحزاب السياسية هي من صنعت البلوكاج " الاجتماعي " الفاعلون الاجتماعيون المستقلون يعرفون جيدا من خلال الممارسة السابقة وبنفس الوجوه السابقة لن يدهبوا بعيدا الى الأمام ولن يستطيعوا تجاوز " البلوكاج " ، البلوكاج حاضر في المشهد السياسي المغربي بأشكال مختلفة وان كان بعضها غير مرئي بشكل واضح ، وبالتالي المواطن والبلد هو من يؤدي التكلفة ، ونحن نرى حجم التكلفة الكبير التي بدأت تتراى بعض آثارها والتي ستتضخم مستقبلا ، وسيكتشف المغاربة حجم الكارثة ... لا يكفي ان تتشكل الحكومة اذا كانت حكومة شعبوية عبثية بدون رؤيا استراتيجية ، ولنا في الحكومة السابقة من عبثية سياسية خير دليل . اليس في قتل انتظارات المغاربة وفي تعطيل الحوار الاجتماعي اكبر اهانة الى المغاربة ، فمن يسعى فعلا الى اهانة المغاربة ... ما هذا الا مجرد نمودج قدمناه وهناك العديد من النمادج التي لا يسع المجال للحديث عنها ...

ركراكية مغربية منذ 8 سنوات

نشبت ازمة كبيرة في البيت الاستقلالي تهدد بالدفع به لان يلقى مصير حزب عبد الرحيم بوعبيد. .هدا كلو زهر عند الاستقلال باش يلقى مصير حزب لشكر...ياك وخا مات لو الحوت و مشات خبيرتو مع الواد تراس البرلمان..و قولو باز...و مالك متضايق السي بوعشرين و مفقوس...زعما ايلا جات الحكومة الجديدة غا تلقى الخدمة ل 70000 من المعطلين و تحل المشاكل ف رمشة عين...كون كانت قادة كون كونت راسها ف رمشة عين...غير برد ووقتاش ما جا الخير ينفع

alhaaiche منذ 8 سنوات

A si Taoufiq, Lemen taawed zabourek Rah Leblad amra Ghir Bkoulika ala Khouh Rah Ghir Stel À la Khouh

Pureminded منذ 8 سنوات

Mohamed Zaghnoune ou Lakhnoune ou je ne sais plus comment t'appeler dans tous les pays qui se disent démocratiques c'est le peuple qui choisissent qui va gouverner , qui va aller dans l'opposition et qui va quitter la vie politique à jamais et pas le souverain Sauf que les règles du jeu sont différents chez nous Alors avec ça il faut très bien l’éclaircir dans une nouvelle constitution qui doit élaborer démocratiquement avec une ligne gras (double) sur cette dernière

Saratte منذ 8 سنوات

في جميع الأحوال حزب العدالة و التنمية سيكون هو الطرف الناجح و لو ذهب الى المعارضة سيعود متجذرا و اكثر نجاحا سياسيا

محمد زغنون منذ 8 سنوات

لماذا هذه المواربة وهذا الإحتياط الصادر عن كل من يحلل أزمة تشكيل الحكومة؟ ابتداء من بنكيران وأعضاء أمانة حزبه وكل من يدور في فلكه والكثير من الأقلام الصحفية وعلى رأسها أنتم يا أستاذ بوعشرين، لتصرخوا بأعلى أصواتكم بالحقيقة التي يعلمها ويكتمها الجميع، الملك لايريد بنكيران ولا حزبه في الحكومة وتسيير الشأن العام، الملك لايريد تكرار السنوات العجاف الأربعة التي مرت ثقيلة على قلوب كل المستفيدين من المخزن، الملك والقصر والمخزن لا يثقون في بنكيران ولن يثقوا فيه أبدا ولا يريدون التعاون معه بتاتا رغم استماتة الأخير في نيل ثقته...

hammad. Fr منذ 8 سنوات

Plusieurs pays ont joué avec le feu pour faire peur ou pour plus de profit Haram. MAINTENANT il regrette leur action. C?EST PAS NORMAL DANS UN PAYS LIBRE DIGNE DE CE NOM de ne pas s'inquiété du devenir du Maroc. Même que les immigrés ne tirent aucun avantage de ce bled que nous faisons vivre avec nos euros et dollars. Le roi devait intervenir et depuis longtemps et envoyer akhannouche aux oubliettes de l'histoire

مواطن منذ 8 سنوات

زعما أسي بوعشرين حكومة السنوات الخمس العجاف والمصابة بتخمة الآربعين وزيرا كانت الإصلاحات ورشا لايتوقف على طول البلاد وعرضها،والبطالة تتناقص بشكل كبير،والحوارمع المتضررين يوتي أكله كل حين،و....الله يعفو

علال بورزة منذ 8 سنوات

فهمنا انت حيت عييتنا من التقلاز من تحت الجلابة!!!

رشيد منذ 8 سنوات

Bravo monsieur taoufik

hicham منذ 8 سنوات

أتساءل بكل مرارة ما مستوى الوطنية عند من يحركون هته الأقزام السياسية؟ هل فعلا مغربهم ليس مغربنا؟ وإن كان صحيحا هل يدرك هؤلاء الأغبياء أنهم يثقبون قعر السفينة التي تحمل المغربين؟

التالي