الريف.. القنبلة الموقوتة

11 مارس 2017 - 21:30

منذ 5 أشهر والاحتجاجات الشعبية، التي اندلعت في الريف بعد مقتل بائع السمك محسن فكري، لا تهدأ إلا لتعود بقوة، معيدة إلى الأذهان كوابيس الماضي التي جعلت من الريف منطقة منبوذة في مملكة العلويين، يحاصَر فيها «الأوباش»، كما قال عنهم الراحل الحسن الثاني ذات خطاب، ويسلط عليهم الفقر وكل اللعنات.

الحراك الشعبي، الذي أطلقته الوفاة المأساوية لمحسن فكري، سرعان ما أخمدته مبادرات السلطة، وانتقال وزير الداخلية شخصيا إلى بيت أسرة محسن فكري حاملا رسالة تعزية ملكية، والتزاما رسميا من طرف الدولة بالذهاب في التحقيقات إلى أبعد مدى. اعتقل بضعة متهمين في واقعة الوفاة المأساوية، ثم انطلقت أطوار المحاكمة في الأيام الأخيرة، وأسفرت، في أولى محطاتها، عن تمتيع المتهمين بالسراح المؤقت، دون أن يثير ذلك أي رد فعل في الشارع، ما يعني أن القضية تم تجاوزها. فلماذا يستمر الحراك الشعبي في منطقة الريف مشتعلا رغم انطفاء شرارته الأولى؟ ألا يعني ذلك أن داء العطب قديم، وأن ألسنة اللهب ترسلها جمار ثاوية في عمق الرماد؟ أليست حقيقة الأمر تعود إلى عقود طويلة من الإقصاء والتهميش و«الحكرة» الجماعية لسكان هذه المنطقة؟ ثم، ماذا عن سنوات المصالحة والعهد الجديد التي جعلت من الريف إحدى أولى الأولويات الوطنية؟ هل فشلت هذه المحاولة، أم إن الأمر لا يعدو أن يكون بقايا إرث قديم؟

شعارات الحراك، المستمرّ في قلب منطقة الريف منذ عدة أشهر، تكاد لا تخلو من عبارات «القمع» و«المخزن» و«الحكرة»، في مجال ترابي تردّد جباله أصداء هذه الكلمات عشرات المرات قبل أن يخفت صوتها. صدى يتردّد في الجغرافيا كما في التاريخ، حيث مازال كل شيء هناك يحيل على الثورة الأولى في القرن العشرين ضد الاحتلال الإسباني، والثانية التي اندلعت بعد الاستقلال في مواجهة جيش الحسن الثاني. فالعقود الأربعة التي قضاها الحسن الثاني في السلطة لم تشهد سوى ما يكرّس القطيعة ويعمّقها، من انقلابات عسكرية رأى فيها البعض تورطا لبعض المنحدرين من المنطقة، واحتجاجات شعبية في الثمانينات، وصف الحسن الثاني منفذيها بالأوباش. سجلّ جعل الريف أول المعنيين بإرادة التغيير والمصالحة التي عبّر عنها محمد السادس بمجرد توليّه الحكم، حيث أصبح واجهة رئيسة لرحلاته الصيفية، ومقصدا لبرامج التنمية وفك العزلة والتحديث.

لكن الأحداث الاجتماعية الأخيرة كشفت فداحة الخصاص التنموي الذي مازال ينخر المنطقة، وفشل الدينامية الجديدة، التي انطلقت بعد رحيل الحسن الثاني، في تحريك عجلة تنمية حقيقية تقنع سكان الريف. خصاص شبه شامل، يشمل فرص الشغل للشباب، والولوج للخدمات الأساسية، من تعليم وصحة وربط بشبكات الماء والصرف الصحي. بل إن الإحصاء العام للسكان، الذي جرى في العام 2014، كشف استمرار النزيف الديمغرافي الذي عاشته هذه المنطقة في سنوات الرصاص، في مؤشر على أن الجمر مازال دفين رماد منطقة لا تهدأ إلا لتثور من جديد.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

al maghrib منذ 8 سنوات

o mal al wydad jat fetri9 al khawana

Mohamed منذ 8 سنوات

عنوان غلط القنبولة الموقوتة هي الشاوية امزاب العلوة صابرين وغادين ندويو

التالي