أبطال مغاربة يعيشون في العراء

27 ديسمبر 2017 - 17:20

قد يعتقد البعض، خاطئا، أن التربع على عرش كبريات التظاهرات الرياضية العالمية من شأنه فتح الباب على مصراعيه لتأمين حياة كريمة تراعي حقوق الإنسان، وتحمي المرء مما قد يخبئه له المستقبل، وهي المعادلة التي انقلبت أرقامها الصعبة رأسا على عقب، وأضحت ضربا من الخيال، وحولت حياة أبطال مغاربة إلى جحيم يومي.

لم يكن أشد المتشائمين المغاربة يعتقد أن أبطالا من ذوي الاحتياجات الخاصة سيتخذون من بوابة وزارة الشباب والرياضة مكانا للعيش، وهم الذين رفعوا العلم المغربي، بالأمس القريب، عاليا في سماء كبريات التظاهرات العالمية، وحطموا أرقاما قياسية عالمية.

أبطال وجدوا أنفسهم يفترشون الأرض، ويلتحفون السماء، بعد معانقتهم للذهب العالمي في المحافل الدولية، خيام بلاستيكية صغيرة، وأفرشة مهترئة لمواجهة الأمطار وبرودة الطقس تعتبر زادهم الوحيد للتعايش مع وضع لم يكن، إطلاقا، في الحسبان، بعدما ظلوا يرصعون أعناقهم بالذهب والفضة ويحصدون الميداليات في بطولات العالم.

بجانب الخيمة، التي لا يتعدى ارتفاعها نصف متر، وعرضها مترا، جهزوا مطبخا في الهواء الطلق يتكون من قنينة غاز، وقدر، وبعض الخضر لتحضير وجبات تمنحهم بعض القوة لمقاومة الوضع، في انتظار بزوغ فجر جديد يتمنوه مغايرا لما يعيشونه من معاناة، حولت بحثهم عن الذهب العالمي إلى استياء عارم، وامتعاض شديد من تألق لم ينجح في انتشالهم من الفقر والضياع، ومساعدتهم على تأمين المستقبل تحسبا لغدر الزمان.

من « البوديوم » إلى الشوارع

وجد مجموعة من الأبطال المغاربة أنفسهم عرضة للشارع، تتقاذفهم الاكراهات، وينخرهم الإحساس بالحيف والظلم نتيجة التمييز، الذين يعانونه قياسا مع ما يعيشه نظرائهم من الأبطال الأسوياء من ظروف أفضل.

الأبطال أبدوا إصرارا غير مسبوق، بعدما قطعوا على أنفسهم عهد مواصلة الاعتصام إلى حين الاستجابة لمطالبهم، التي تتركز أساسا في منحهم تعويضات مالية تساعدهم على تأمين مستقبلهم بعدما تم إجهاض حلم التوظيف، وإيقاف العمل به سنة 2011.

يقول البطل العالمي عز الدين النويري، صاحب ذهبية ورقم قياسي عالمي في الألعاب البراأولمبية لندن 2012 تخصص رمي الجلة، وصاحب ذهبية الألعاب البرلمبية بريو ديجانيرو 2016، إن الأبطال العالميين المغاربة من ذوي الاحتياجات الخاصة يعانون في صمت، وتابع في حديثه مع « أخبار اليوم » قائلا » اعتصامنا أمام الوزارة المكلفة أكمل شهره الثالث دون انقطاع، أول اعتصام كان سنة 2013، والثاني سنة 2015، غير أنه بسبب عدم الاستجابة لمطالبنا قررنا استئناف الاعتصام، لكن هذه المرة لن نتنازل عن مطالبنا حتى تتم الاستجابة لها، لأننا فعلا سئمنا من الانتظار ».

c

وتابع بنبرة حادة فيها أسى » نتوصل بمبلغ 50 درهما )5 دولارات( كتعويض عن اليوم الواحد خلال المعسكرات الإعدادية للمنتخب الوطني، وعليه فهل تعتقدون بأنه بهذا المبلغ المالي الهزيل يمكن أن نعيش حياة كريمة ونستعد بالشكل الأمثل لتمثيل بلدنا في كبريات الملتقيات العالمية؟ قطعا لا.. وعليه فإننا نطالب بإدماجنا في سلك الوظيفة حتى نخوض التداريب بمعنويات مرتفعة، ونؤمن مستقبلنا بعد نهاية مسارنا الرياضي ».

واستطرد قائلا » قاومنا حرارة الصيف المرتفعة، وألسنة الشمس الملتهبة ونحن نعتصم أمام بوابة الوزارة، وها نحن نعاني من قسوة البرد وتساقط الأمطار خلال فصل الشتاء القارس، لقد قطعنا على أنفسنا عهدا بمواصلة النضال حتى تحقيق مطالبنا، والاستجابة لها، ولن نعود خطوة إلى الخلف ».

وفي معرض رده عن سؤال حول مدى تأثير الاعتصام على استعداداتهم للرهانات المقبلة، قال النويري » نحن 7 أبطال فزنا بأكثر من 18 ميدالية في بطولات العالم، والألعاب البراأولمبية، نخوض الاعتصام المفتوح وننتظر الاستجابة لمطالبنا التي لن نتنازل عنها كيفما كان الحال، نقضي اليوم تحت الخيمة في عز البرد القارس والشتاء، ونوزع مواعيد التداريب فيما بيننا حتى نجمع بين الحفاظ على جاهزيتنا، والاستمرار في الدفاع عن مطالبنا، فئة منا تواصل الاعتصام أمام بوابة الوزارة، وأخرى تخرج لخوض الحصص التدريبية اليومية، سواء في الغابة أو في القاعة المغطاة ».

ذهب فرنكفوني يتحول إلى « فحم »

يعكف عبد الكبير جدي، البطل المغربي والفرنكفوني المتوج أخيرا بذهبية الألعاب الفرنكفونية في مسابقة القفز الطويل لذوي الاحتياجات الخاصة (يعكف) على مزاولة مهن موسمية لمساعدة عائلته، أياما قليلة بعد رفع راية المغرب خفاقة في سماء مدينة أبيدجان الإيفوارية.
وقال جدي، في حديثه مع « أخبار اليوم »، إنه امتهن بيع « الفحم » والبصل بمناسبة عيد الأضحى بمدينة تمارة، المتاخمة للعاصمة الرباط وتحديدا شارع الفوارات، مبرزا أنه اقترض مبلغ 1000 درهما (100 دولار) لاقتناء البضاعة، التي يعكف على بيعها طيلة اليوم رفقة شريكه، الذي ساهم بدوره بالمبلغ نفسه.
وتابع جدي « بعد فوزي بالميدالية الذهبية في الألعاب الفرنكفونية قبل أسابيع قليلة، وجدت نفسي مضطرا للعمل من أجل مساعدة عائلتي، والدي يشتغل في حمام، ووالدتي تشتغل في تنظيف البيوت، أعمل من أجل توفير مبلغ لمساعدة عائلتي على شراء أضحية العيد، وادخار بعض المال لشراء ملابس مثل أقراني ».

عبد الكبير
وفي معرض رده عن سؤال حول المبلغ المالي الذي يجنيه يوميا من تجارة بيع « الفحم » والبصل، قال” لا أكسب كثيرا، المدخول اليومي يتراوح، عادة، بين 20 و50 درهما، أنا فقير رغم كوني بطل فرنكفوني وعائلتي فقيرة، ولم أجد من خيار آخر غير استغلال مناسبة العيد لبيع “الفحم” والبصل لمساعدة عائلتي ماديا على الاستعداد للعيد الديني.
وقال جدي إنه كان يجهل قيمة المنحة التي ستخصص له نظير الفوز بالميدالية الذهبية في الألعاب الفرنكفونية التي احتضنتها مدينة أبيدجان الإيفوارية بمشاركة 54 بلدا، بينها المغرب، الذي أنهى التظاهرة محتلا للمركز الثاني في سبورة الترتيب العام للميداليات بعد فرنسا، محققا أفضل إنجاز في تاريخ المشاركات الفرنكفونية منذ انطلاقتها.
واستطرد قائلا » أسمع عبر وسائل الإعلام أن المنحة التي تم تخصيصها نظير الفوز بالذهب الفرنكفوني تبلغ قيمتها 10 ملايين سنتيم، لم أتوصل بأي شيء، ولم يتحدث إلي أي مسؤول بعد العودة من الكوت ديفوار ».
وزاد قائلا “ أعيش وضعية صعبة وأعاني من الفقر في أقصى تجلياته، ويلزمني الكثير من الدعم لمواصلة رفع الراية المغربية خفاقة في سماء كبريات التظاهرات العالمية ».
وكان جدي قد تعرض لصعقة كهربائية تسببت له في بتر يده اليسرى، ليجد نفسه ممارسا في مسابقات ذوي الاحتياجات الخاصة، والتي منح من خلالها المغرب الذهب الفرنكفوني في نسخة أبيدجان الايفوارية الأخيرة.

المطالب.. بين الاعتصام والحوار

في خضم الإصرار على مواصلة النضال عن طريق الاعتصام، يرى حميد العوني، رئيس الجامعة الملكية المغربية لرياضة ذوي الاحتياجات الخاصة، أن الإقدام على الخطوة أمر مشروع، والجامعة الوصية تشاطرهم الرأي، غير أنه شدد على أن الاختلاف يكمن في طريقة بلورة هذه المطالب على أرض الواقع، وطرق إيصال الرسائل.

وتابع العوني، في حديثه مع « أخبار اليوم »، قائلا » المطالب مشروعة، لكننا لا نتفق مع طريقة التعبير عنها، طالبناهم بفك الاعتصام وفتح قنوات التفاوض مع الوزارة المسؤولة، والحكومة لإيجاد حل للإشكالية ».

وتابع قائلا » طلبنا منهم فك الاعتصام وسلك طرق الحوار للتوصل إلى حلول مرضية تستجيب لمطالبهم المشروعة، بعد إلغاء قرار التوظيف المباشر نراهن على تمكين الأبطال المغاربة من مبالغ مالية تساعدهم على مسايرة متطلبات الحياة، لا نختلف معهم من حيث المبدأ لكن الطريقة لا نراها مثالية ».

وحاولت » أخبار اليوم » أخذ وجهة نظر الوزارة الوصية في الموضوع غير أن المحاولات باءت بالفشل، بعدما ظل الهاتف، مرات عديدة، يرن دون مجيب.

e

مخيم اللاجئين الأبطال

« مخيم اللاجئين الأبطال » عبارة تستوقفك بمجرد اقترابك من البوابة الرئيسية لوزارة الشباب والرياضة، المكان الذي اختير بعناية تامة لاحتضان الاعتصام، قبل أن تشد انتباهك مجموعة من الرسائل التي وضعت لمن يهمهم الأمر تطالب بالكف عن الاحتقار، بينها  » لا للحكرة » وبجانبها لافتة أقوى وقعا كتب عليها « شرفت وطني حين دعاني.. وحين احتجت وطني رماني ».

صور المشهد، الذي تؤثثه الخيام البلاستيكية، وقنينة الغاز، وقليل من الآواني التي تستخدم في الطبخ، وبعض الأفرشة المهترئة، لا تكتمل بدون وجود الجوازات الرياضية للأبطال المعتصمين، التي وضعت، بدورها، بعناية على لوحة تتضمن الأسماء السبعة للأبطال ( عز الدين النوري، ومحمد أمكون، وعبد العالي القضيوي الإدريسي، ومريم النوغي، وإفري المهدي، وطارق زلزولي، ويوسف بنبراهيم) إلى جانب إنجازاتهم العالمية، والمتمثلة في حصد 9 ذهبيات، و4 فضيات، و5 نحاسيات في كل من الألعاب البراأولمبية بلندن 2012 وريو ديجانيرو 2016 وبطولة العالم بكل من هولندا 2006، وفرنسا 2013، وقطر 2015، ولندن 2017.

محنة الاقتياد إلى مخفر الشرطة

مع توالي الإنجازات الكبيرة للأبطال المغاربة في مختلف الأصناف الرياضية، وعودة قطار الرياضة الوطنية إلى سكته الصحيحة بعد سنوات من التواضع، استبشر الأبطال البرالمبيون خيرا بالربيع الرياضي، وظنوا أن خضرته ستنعكس بشكل إيجابي على واقعهم المرير، وستتحول معه معاناتهم اليومية مع الإعاقة وقلة ذات اليد إلى فرج طال انتظاره، قبل أن تتكسر أحلامهم على صخرة الواقع، ويصطدموا بمستجد قلب حياتهم رأسا على عقب، وأطلق رصاصة الرحمة على واقعهم المزري.

مع استعداد سنة 2017 للفظ أيامها الأخيرة، حكم على الأبطال المعتصمين بفك الاعتصام بالقوة، ومغادرة بوابة الوزارة على مثن سيارة الشرطة، واقتيدوا إلى الدائرة الأمنية للاستماع إلى أقوالهم، في مشهد تحول معه ذهب الميداليات التي كانت تطوق أعناقهم إلى محنة، الشئ الذي حكم عليهم بتغيير صفاتهم من أبطال عالميين إلى مذنبين معتقلين.

يقول النويري » تم نقلنا على مثن سيارة الشرطة إلى مقر الدائرة الأمنية، وتم اتهامنا باحتلال بوابة الوزارة وعرقلة السير العادي لمصالحها، وبعد الاستماع إلى أقوالنا عدنا أدراجنا إلى مكاننا مشيا على الأقدام، وقضينا الليل بأكمله نتسكع وسط دروب العاصمة الرباط حتى الصباح، موعد عودتنا إلى مكان الاعتصام، الذي لم نقوى على قضاء الليل فيه بعدما تم تجريدنا من الخيام والأفرشة وأغراضنا الشخصية ».

وختم قائلا » رغم كل ما وقع، ويقع، لن نستسلم، ليس لدينا من خيار آخر غير مواصلة التداريب والاستمرار في مسلسل النضال حتى تبزغ شمس الانتصار ».

g

 

 

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

مواطن منذ 6 سنوات

يجب مقاطعة التظاهرات الدولية من طرف الرياضيين

التالي