بعد أقل من سنة على مغادرته قصر الإليزيه الرئاسي، في حفل تسلم وتسليم « السلطة » لخلفه إيمانويل ماكرون، أصدر السياسي الاشتراكي ورئيس الجمهورية الفرنسية السابق، فرونسوا هولاند، كتابا تحت عنوان “دروس السلطة” les leçons du pouvoir، يسلط من خلاله الضوء على تجربته السياسية في فترة الأعوام الخمسة التي قضاها في سدة الحكم. كتاب هولاند الجديد « دروس السلطة » الصادر عن « دار ستوك »، تضمن استعادة مفصلة لولاية الرئيس الفرنسي السابق، التي انتهت بأن أصبح أول زعيم فرنسي
في التاريخ الحديث لا يسعى لإعادة انتخابه وتجديد ولايته، والأجدر بالذكر أن هولاند أوضح في مقدمة الكتاب الذي استهله بالتفاصيل والمشاعر الذي رافقته خلال الساعات الأخيرة لمغادرته الإليزيه، (أوضح) أنه اتخذ قرار إصدار هذا الكتاب، بالضبط يوم حفل تسليم السلط، ولعله يحاول من خلال هذا الكتاب
« التفسير والتبرير وقول كل شيء، قبل أن تنسب له أشياء.. والتاريخ لا يرحم ».
بعد الهجوم الإرهابي على مقر المجلة الفرنسية الساخرة « شارلي إيبدو » سنة 2015، الذي أودى بحياة 12 شخصا بينهم شرطيان، رفعت السلطات الفرنسية حالة التأهب في العاصمة باريس وضواحيها، وأعلن قصر الإليزيه عن اجتماع أزمة، فور زيارة رئيس الجمهورية فرانسوا هولاند مكان الهجوم.
برنامج هولاند، عشية الاعتداء الإرهابي على مجلة « شارلي إيبدو » كان مكثفا، بعد زيارته لمكان الواقعة التي هزت أركان المجتمع الدولي، حل بالإليزيه لعقد اجتماع الأزمة، وفي الآن ذاته يتابع عن كثب تطورات البحث عن الإرهابيين الهاربين رفقة مجلس الدفاع، وفي نفس الوقت يرد على مكالمات زعماء الدول التي توالت لتأكيد تضامنهم، فكان أول اتصال تلقاه هولاند من الرئيس الأمريكي السابق بارك أوباما الذي عبر بدوره عن تضامنه، وفي نفس الوقت اتصل ليؤكد للمخابرات الفرنسية وقصر الإليزيه المعلومات المتوفرة لديهم والتي كانت محل شك؛ « الإرهابيون في اليمن هم الملهمون الحقيقيون للهجوم ».
« انتقلت إلى فندق ديو، حيث تتواجد النساء الصحافيات والعاملات اللواتي كن حاضرات أثناء الهجوم الإرهابي على المجلة، كن تتساءلن عن سبب بقائهن على قيد الحياة، تحاولن إيجاد قوة لإخبارنا بمحادثاتهن القصيرة مع الإخوة كواشي خلال الهجوم، كن متخوفات من أن مغامرات المجلة الساخرة قد تنتهي هنا.. لا أخفي تأثري بشهاداتهن وشعرت بضيق كبير، حاولت طمأنتهن ووعدتهن بأنه لن تموت مجلتهن شارلي ».
بعد لقائه بموظفات وصحافيات « شارلي إيبدو » الناجيات من الاعتداء الإرهابي، ألقى الرئيس الفرنسي السابق فرونسوا هولاند خطابه الشهير الذي أعقب الاعتداء. « مساء على التلفاز، دعوت الفرنسيين إلى التوحد والتآزر، وأعلنت أنني سأتشاور مع قادة جميع الأحزاب السياسية، فكرة الخروج في مظاهرة كبيرة للتضامن بدأت تتبلور، شجعتها. في الليل، علمت أن الشرطة تتبعت الرجلين في ريمس شارلفيل، لكن البحث لم يعط نتيجة ». « في اليوم التالي، استقبلت نيكولا ساركوزي الذي عاد إلى الإليزيه لأول مرة منذ حفل تسليم السلط عام 2012، وهو يدعو بقوة إلى الحزم ورفض أي تنازل، وهو أمر لم يكن حقيقة في حاجة إلى إقناعي به، ثم يساوي نفسه، ويدين التهاون المفترض من أحدهم أو من الآخر، ينتقد بشكل غير مباشر كريستيان تاوبيرا، ويستحضر تصريحًا لإيمانويل ماكرون حول « رغبة الشباب الفرنسيين ليكونوا مليارديرات »، وهو ما أراه خارج عن الموضوع. يستفسر أيضا عن سبب تنظيم المظاهرة ويؤكد أنه ينوي المشاركة، أجبته آنذاك أن مشاركته مرحب بها، وسيكون في مقدمة الموكب إلى جانبي، وأن كل ما نفعله هو الحفاظ على الوحدة الوطنية ». وكشف هولاند في كتابه « دروس السلطة »، أن زعيمة اليمين المتطرف في فرنسا مارين لوبين، كانت لها مخاوف خاصة قبل المظاهرة التي شارك فيها أغلب زعماء العالم، في باريس للتنديد بالاعتداءات الإرهابية، مخاوف لوبين شملت بالأساس « أمنها » بالنظر لمواقفها المتطرفة والمعادية للإسلام، « قدمت إلى المكتب لوبان، تشكو أنها غير مرحب بها في الوقفة المزمع تنظيمها، عبرت عن خوفها من ردود فعل عدائية ضدها يوم الوقفة، أكدت لها أن أمنها سيكون مضمونا وأن كل الشخصيات التي تريد الحضور للمشاركة في الاحتجاج ستكون وسيؤمن لها ذلك.. غير أنها قررت في النهاية أن تسير في مكان آخر، في قرية في الجنوب، وكانت الشخص الوحيد الذي تبنى هذا الموقف ».
أنجلينا ميركل الصديقة
واستحضر فرانسوا هولاند، عملية احتجاز الرهائن في متجر للأطعمة اليهودية في فانسان، بشرق العاصمة الفرنسية باريس، والتي انتهت بمقتل الجهادي أميدي كوليبالي وأربعة من الرهائن، « في صباح الخميس، 8 يناير 2015، سمعتُ مقتل شرطية، كلاريسا جان-فيليب، بطريقة غير مفهومة، أطلق عليها النار في الشارع في مونتروج على يد شخص مقنع مسلح ببندقية رشاشة من طراز كلاشنيكوف ومسدس.. سرعان ما فسر مجلس الدفاع هذا الاغتيال كعمل إرهابي.. أخفقت الشرطة في إلقاء القبض على أميدي كوليبالي، الذي صنفته قواتنا على أنه المشتبه به.. حوالي الساعة 9:30 من صباح اليوم نفسه، شوهد أشقاء كواشي في إحدى محطات الخدمة بالقرب من فيلير-كوتيرتس، قررنا تمديد إنذار الهجوم الذي أطلقناه في باريس عقب اعتداءات السابع يناير على الفور إلى بيكاردي، بدأنا عملية الصيد في المنطقة، في السدود وبين دوريات فتشنا المنازل السكنية بدورها حيث كان من الممكن أن يكون الفارون مختبئين ». ولم ينس هولاند مبادرة أنجلينا ميركل إلى الاتصال به قائلا: « في خضم كل هذا اتصل بي رؤساء الدول حول العالم، لإظهار دعمهم. كانت أنجيلا ميركل الأولى تحدثنا باللغة الإنجليزية، تملك ميركل نبرة جادة، بالرغم من كون صوتها ناعم، كان المفروض أن نلتقي في غضون أيام بستراسبورغ، غير أنها قالت إن أفضل شيء هو قدومها للمشاركة في المظاهرة، كانت بادرتها للمشاركة عفوية، دون تفكير أو تردد، وهو أمر نادر الصدور عنها، هي صادقة وسخية وامرأة سياسية، إنها ستشغل تعبئة دولية استثنائية، أعلم أن علاقتنا لن تعود نفسها وإلى سابق عهدها اليوم ».
« أبلغني جميع رؤساء الدول أو الحكومات أنهم سيأتون أيضًا إلى باريس. تم تشكيل الحركة، الرئيس كيتا من مالي، يعلن قدومه أيضا ويتبعه العديد من الأفارقة. سوف يكون الزعماء الأوروبيون هناك بالكامل، وكذلك العديد من القادة العرب وجودهم في غاية الأهمية في هذا الظرف. مساء يوم السبت، يخبرنا بنيامين نتنياهو أنه سيأتي. أخبرته أن محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية، بدوره قادم وأن وجودهما معا سيكون رمزا جميلا للسلام ضد التعصب. يوافق.. أدركت في تلك الأثناء أنه خلال المأساة، تتوحد الرؤية وتصير أمتنا دائما في نظر العالم أرض الحرية.. فقط باراك أوباما غاب عن الدعوة. وأعرب عن أسفه لكن جون كيري، رئيس وزارة الخارجية، كان هناك ».