صورة قاتمة عن الجو السياسي العام بالمغرب رسمها نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، خلال لقاء تواصلي نظمه حزبه بمراكش، أول أمس السبت، تحت شعار: « متطلبات النفس الديمقراطي الجديد »، أوضح فيها بأن الفاعلين السياسيين يشعرون بأنهم يلعبون في ميدان بدون جمهور، معتبرا بأن مبعث الخطورة في الأمر هو أن المغاربة أصبحوا منهمكين في أمور أخرى لشعورهم بأن هؤلاء الفاعلين لم يعودوا يلعبون الدور المنوط بهم، مرجعا السبب إلى ما وصفه بـ »الأخطاء القاتلة التي مورست في البلاد »، ومؤكدا بأن تجاوز ذلك ينطلق من إعادة الثقة في الفاعلين السياسيين، وترك الفضاء السياسي عاديا وسويا، وترك الأحزاب التاريخية والجادة تقوم بدورها في تأطير المواطنين.
وأضاف بأن ما يتم تداوله داخل المجتمع يعبّر عن حيرة ورفض، وإن كان يحمل أحيانا تجاوزات تمس رموزا أو مؤسسات وطنية لها مكانة خاصة، فإن ذلك لا يمكن أن يشكل ذريعة لعدم الاهتمام به، ومحاولة فهم لماذا يصر شباب على مغادرة البلاد؟ ولماذا أصبحت فئات متوسطة تفكر في العيش خارج المغرب وتقتني أملاكا في بلدان أخرى؟
ولفت إلى ظاهرة قال إنها أصحبت حديث الصالونات الضيقة، ولا تتم إثارتها علنا رغم خطورتها، وهي عودة ظاهرة الرأسمال الجبان، أي هجرة الأموال بسبب شعور أصحابها بعدم الاستقرار، مع كل ما يتسبب فيه ذلك من تأزم للأوضاع، وتراجع للاستثمارات وفرص التشغيل وللرواج الاقتصادي، وهو قال إنه يجب مواجهته بالوضوح والتعبير عن إرادة حقيقية في الإصلاح والديمقراطية، وبناء اقتصاد وطني قوي، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وإصلاح النظامين الصحي والتعليمي، ولكن على أساس ألا يظل ذلك مجرد أقوال، فيما الممارسات على أرض الواقع تكون عكس ذلك تماما. وتابع بأن هناك وجها مزدوجا لمغرب اليوم، على جميع المستويات، صورة مشرقة متقدمة ولكن تخدشها نقائص وسلبيات كثيرة، موضحا بأن المغاربة يعيشون في حيرة من أمرهم، فإذا كان هناك تطور في البنيات التحتية وتحسن في دخل بعض الفئات، فإن هناك شعورا متفاقما بالحرمان والإقصاء وفوارق اجتماعية، وبأن ثمار التنمية المنتجة لا توزع بشكل لائق، مذكّرا بأن الملك محمد السادس أكد في خطابيه الأخيرين (بمناسبتي عيد العرش وثورة الملك والشعب)، على أن النموذج التنموي، وإن كان حقق العديد من الأمور الإيجابية، فإنه وصل إلى حده، وخلف العديد من الاختلالات، وزاد في الفوارق بين الطبقات الاجتماعية، مضيفا، من جهته، بأن قلة قليلة من المغاربة استفادت كثيرا (بزاف كَاع زادو فيه)، بطرق مشروعة وبأخرى غير مشروعة، في كثير من الأحيان، وفئات أخرى متوسطة ومحرومة لم تستفد من القفزة التي عرفتها بلادهم.
وفي مقابل التحسن في التجهيزات والفضاء العام ببعض المدن، أكد بنعبد الله بأن هناك استمرارا لمظاهر سلبية وخطيرة يتصاعد رفض المغاربة لها من خلال تعبيرات متعددة، مستطردا بأنهم في التقدم والاشتراكية ليسوا من أنصار « العام زين »، كما أنهم ليسوا من دعاة السوداوية، لكنه قال إنهم عندما يطلعوا على ما يتداول في مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى التظاهرات بالعديد من المدن (الحسيمة، تنغير، زاكَورة، جرادة) لأسباب اجتماعية صرفة، ولأسباب مرتبطة، أحيانا، بالكرامة، وكذلك للمطالبة بتوفير ظروف أمنية مطمْئنة، وتصاعد الهجرة السرية فجأة وبوتيرة أكبر مما كانت عليه في السنوات الأخيرة، فإن ذلك يدل، حسبه، بأن هناك شعورا بالقلق والحيرة لدى المغاربة.
واستدل على الوضعية المقلقة برقم صادم عن الهدر المدرسي، موضحا فيه بأن ما بين 270 ألف وما يزيد عن 300 طفل مغربي يغادرون سنويا المدرسة العمومية، مع ما يتهددهم، من أثر ذلك، من ضياع وإقصاء وبطالة.
كما استدل بوضعية قطاع السكن، الذي قال إنه يخبره بحكم توليه للوزارة الوصية عليه، لافتا، في هذا الصدد، إلى أنه وفي مقابل المجهودات الهائلة التي بذلت، هناك أسر في دواوير وجماعات قروية لازالت تعيش في ظروف سكن غير لائق وفي أحياء غير مهيكلة. وذكّر بأن حزبه ظل يدق ناقوس الخطر ويحذر من وضعية القلق المخيمة على المغرب، رغم ما جرّه عليه ذلك من ردود أفعال انتقامية، لم يكشف عن مصدرها، مكتفيا بالإشارة إلى أن ذلك لن يثنيهم عن الاستمرار في رفع المشعل بنبرة مستقلة وجرأة ووضوح، وفي التحذير من أن ما تعيشه البلاد يحتاج إلى خطاب سياسي مقنع يعيد الثقة.
وشبّه تجربة حزبه داخل الأغلبية الحكومية بملاكم قوي يتلقى الضربات ثم ينهض منها بسرعة، مؤكدا بأن حزبه لا يعنيه عدد حقائبه الوزارية، وإنما الاستمرار في تحمّل مسؤوليته من أجل محاولة الدفع إلى الأمام بمسار الإصلاح الديمقراطي، وتحقيق الكرامة، والوصول إلى بلاد بحكومة قوية، وأحزاب تلعب دورها، وتكريس الشفافية في الاقتصاد وإعمال التنافس الحقيقي، والمساواة في أداء الضرائب.
ودعا أحزاب الأغلبية إلى الابتعاد عن التراشق المجاني والعبثي، الذي قال إنه لا يعني المغاربة في شيء، مذكرا بأن حزبه أوقف الجدل السياسي مع حزب العدالة والتنمية في شأن حذف كتابة الدولة المكلفة بالماء، على اعتبار بأن النقاش الحقيقي هو أن حزبه دخل التجربة من أجل الإصلاح، ولن يسكت أو يستمر في الحكومة إذا لم يتم الالتزام بذلك، كما أنهم، في المقابل، لن يضعوا رجلا في الحكومة وأخرى في المعارضة، موضحا بأنهم يسعون للبقاء في الحكومة، على اعتبار بأن التأثير في تحسين أوضاع المغاربة لا يتأتي إلا بالتواجد في مصدر القرار، متى كانت هناك إرادة بأن يكون هذا القرار يسير في اتجاه الإصلاح، وهو ما قال إنه جرى التأكيد لهم عليه، خلال لقائهم برئيس الحكومة، فضلا عمّا ورد في الخطابين الملكيين الأخيرين.