قال محمد شقير، باحث في الشؤون الأمنية والعسكرية، إن الاغتيال السياسي جزء من اللعبة على السلطة.
يعيد اغتيال الصحافي جمال خاشقجي إلى الأذهان حوادث اغتيال سابقة لشخصيات سياسية وحقوقية وغيرها عبر العالم. ما دلالات اللجوء إلى هذا النوع من الجرائم، في نظرك؟
الصراع السياسي يتخذ عدة أشكال منها الوشاية والتصفية الجسدية عبر الاغتيال، وهي وسائل للصراع السياسي، واللجوء إلى هذه الوسيلة يعكس مدى حدة الصراع بين الأطراف السياسية، وتخوف السلطة القائمة من أن يخلق لها المعني بالأمر المشاكل، أو يتسبب في حدوث ارتباك حول سلطتها، من خلال البوح ببعض الأسرار التي من الممكن أن تلحق بها الضرر. ارتبطت الاغتيالات السياسية بعدد من الأنظمة، منها الأنظمة العربية، وكلما كان النظام أكثر ديكتاتورية كان هنالك احتمال اللجوء إلى هذه الوسيلة بشكل أكبر، نظرا إلى أن طبيعة الأنظمة المنغلقة لا تقوم على المحاسبة. والأنظمة العربية في مجملها أنظمة ديكتاتورية، صدام حسين، مثلا، كان يلجأ إلى هذه الأساليب لتصفية المعارضين، وكذلك نظام بشار الأسد، وحتى المغرب لجأ إلى هذه الأساليب في فترة معينة، والنموذج هو اغتيال المهدي بنبركة الذي مازالت قضية اغتياله غامضة.
هل يمكن القول إنه بالرغم من وجود القوانين الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، والتطور التكنولوجي مازالت الجريمة السياسية خيار عدد من الأنظمة والحكومات لإخراس الأصوات المزعجة، سواء كانوا صحافيين أم معارضين؟
هذا يرتبط بصاحب القرار السياسي في نظام معين، ومدى تقديره لنجاعة أسلوب الاغتيال بالنسبة إليه، ومدى اعتباره أن هذه الوسيلة هي المثلى، والتي من الممكن أن تجنبه تهديدات ومخاطر قد تمس سلطته، وحينما يصل إلى هذه المرحلة، تتكون لديه قناعة بأن الشخص المستهدف يجب تصفيته. أظن أنه ربما هذا ما يمكن أن ينطبق على اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي، لأن القرار السعودي جاء بعد فشل كافة الأساليب التي اتبعها لإقناعه بالعودة إلى المملكة، فأصبح، بالتالي، يشكل خطرا متنقلا لأنه كان قريبا من دوائر القرار في السعودية، ويحمل أسرارا قد تستخدم ضدها.
هل يحمل اغتيال خاشقجي أو الاغتيالات بشكل عام رسائل إلى كل صوت إصلاحي يفكر في الخروج عن «القطيع»، والتغريد خارج السرب في البلدان العربية؟
دون شك، فمثلا، ابن سلمان في الفترة الأخيرة لجأ إلى اعتقال عدد من الأمراء والمعارضين، وجرى ابتزازهم، فالاغتيال بالتأكيد وسيلة لإسكات وتخويف المعارضين الواقعيين أو المحتملين. من منظور الحيوان السياسي، كما قال ميكيافيلي، يبقى الاغتيال من أنجع السبل للتحكم في السلطة وإقصاء كل الخصوم. من جهة أخرى، حتى الطريقة التي جرى بها الاغتيال، ورغم الضجة التي أثارتها، ستجعل أي معارض يفكر عشر مرات قبل أن يفتح فمه.
الاغتيال ربما يحقق أهدافا معينة للجهة التي قامت به، لكن، في المقابل، ألا يمكن القول إنه رغم التصفية التي تطال الشخص المعني جسديا، بيد أنه يخلد نفسه في التاريخ، ويسجل بطلا قوميا أو شهيدا، أو ما شابه ذلك؟
الأكيد أن الاغتيال يؤدي إلى تخليد أسماء المغتالين، فمثلا بنبركة وتشي غيفارا وكينيدي وكل من اغتيلوا أصبح زمنهم السياسي خالدا حتى بعد مقتلهم، ويحملون رمزية خاصة، وكل الاغتيالات التي وقعت أضفت حياة أخرى على المستهدفين، وحتى وإن جرت تصفيتهم جسديا لكنهم ينعمون بخلود لا ينعم به أي سياسي عادي. والخلود السياسي امتياز نادر بالنسبة إلى السياسيين، لأن عمرهم السياسي يكون دائما محدودا، فيما الذين يجري اغتيالهم يخلدهم التاريخ، ويعلقون في ذاكرة الناس رغم مرور سنوات، ولنا نماذج كثيرة لأسماء لم تنسَ، من قبيل لينكولن وكينيدي وبنبركة وتشي غيفارا.
هل يمكن القول إن الاغتيالات ستبقى ما بقيت السياسة وما بقي الصراع على السلطة؟
الاغتيال مرتبط بالحياة السياسية التي تمتاز بما يسمى بالحيوانية السياسية، والحيوان السياسي، كما قال أرسطو، فيه جانب حيواني يوظفه في التعامل مع الخصوم والمعارضين، والاغتيال مظهر من مظاهر هذه الحيوانية التي تنتشر على الخصوص في الأنظمة المغلقة والشمولية، فيما تقل في الدول وفي الأنظمة الأكثر ديمقراطية. صحيح أنها لا تنعدم بصفة نهائية، لكن تبقى أقل حدة وأقل درجة مقارنة بالأنظمة الشمولية التي يصبح فيها الاغتيال لغة في التواصل السياسي. كل الأنظمة العسكرية تلجأ إلى هذا الأسلوب وسيلة من وسائل التحكم السياسي، وأي منافس أو معارض يصل إلى مرحة معينة يجري اغتياله، إما مباشرة، أو من خلال الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، وهذا ما يبرر تركيز هذه الأنظمة على تطوير الآلية الأمنية التي صرف عليها أموالا طائلة، لأنها تدرك أن هذه الوسيلة هي نقطة قوتها في التعامل مع كل ما يهدد سلطتها من معارضين وغيرهم. الاغتيال سيبقى إذن صفة لصيقة باللعبة السياسية والحياة السياسية، والفرق يكمن فقط في أنه في الأنظمة الديمقراطية، التي تعرف توازنا في السلطة، يقل فيها اللجوء إلى هذا الأسلوب مقارنة بالأنظمة الديكتاتورية.