قدم الكاتب نور الدين العوفي، الباحث والخبير في الاقتصاد، نقدا شديد اللهجة للدولة والحكومة المغربية فيما يتعلق بمسار التعليم وأزمة المدرسة العمومية بالمغرب. إذ اعتبر أن الدولة تسير نحو تفويت المدرسة إلى الخواص، مشيرا إلى أن خطابها حول التربية والتعليم مليء بالمفارقات والتناقضات.
في هذا السياق، قال العوفي، في محاضرته « المدرسة العمومية »، التي ألقاها مساء الجمعة الماضية بمقر الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، إن إصلاح التعليم المغربي اليوم، بات عملا مركبا وشاقا، مرجعا الأمر إلى المفارقات والتناقضات التي يتسم بها واقع المدرسة العمومية، وكذا الخطاب الرسمي السائد حولها. هنا، تساءل المحاضر عم يقصد الخطاب الرسمي عندما يتحدث عن الجودة، وعندما يربط المدرسة بالأداء والنجاعة والتنافسية وسوق الشغل، إلخ. إذ اعتبر أن كل هذه المفاهيم تحيل على قاموس المقاولة الخاصة، ولا تنسجم مع الخطاب المتداول حول المؤسسة العمومية، موضحا أن هذه المصطلحات انتقلت من الحيز المقاولاتي الخاص إلى المجال العمومي، من السياسة الميكرواقتصادية إلى السياسة الماكرواقتصادية.
من جانب ثان، لاحظ العوفي أن الخطاب حول المدرسة العمومية هو قاموس مقاولاتي، حيث أكد أن الدولة تفكر في هذا المجال العمومي بمنطق السوق والعرض والطلب. كما عبر عن اعتقاده أن الدولة ظلت، إلى حدود الميثاق الوطني لإصلاح التعليم، تعمل على إخراج المدرسة العمومية من أزمتها. هنا، قال إن تحولا عميقا حدث بعد ذلك، قوامه أن الدولة أصبحت بصدد تخفيف محورية المدرسة العمومية في البرامج الحكومية، مؤكدا أن هذا التحول يشمل مجالات أخرى في القطاع العمومي، تتجسد أمثلته في موجة الخوصصة الجديد التي ستقبل عليها الحكومة سنة 2019.
بالإضافة إلى هذا، انتقد العوفي الخطاب الرسمي الذي يتميز بالتناقض، حيث قال إن هذا الخطاب يتحدث عن العدالة الاجتماعية، بينما تتجه السياسة الحكومية نحو تعميق الفوارق الاجتماعية. كما لاحظ أن أشياء خفية كثيرة تحدث بعيدا عن الخطاب الرسمي السائد، مبينا أن خطاب الدولة مخاتل يسير في اتجاه معاكس للسيرورة الإجرائية. وأكد أن إصلاح التعليم يحتاج إلى توافق مجتمعي، لا إلى قرارات أقلية حكومية، على أن تكون شروطه الأساسية مجانية التعليم وتعميمه. لكنه اعتبر أن إرادة التوافق غير موجودة الآن، مبينا أن إرادة البنك الدولي هي القائمة.
وذكر العوفي أن مشروعية الدولة تقوم على الوفاء بواجباتها في مجالات التعليم والصحة والأمن والخدمات العمومية، متسائلا في الآن ذاته: هل تستجيب الدولة لهذه الغايات؟ وأجاب قائلا إن مشروعية الدولة تصبح موضع شك، إن لم تكن تستجيب لهذه الغايات. وحذر المحاضر من أن يؤدي تفكيك المدرسة العمومية إلى قتل التماسك الاجتماعي، حيث نبه إلى أن وجود مدارس خاصة مغربية ودولية، ذات توجهات متباينة، سينتهي إلى تصدع الهوية المغربية، وإلى بروز صراعات بين الشرائح الغنية والفئات الفقيرة، معتبرا أن بعض مظاهر ذلك بدأت تظهر في المجتمع المغربي خلال السنوات الأخيرة.
من جانب آخر، اعتبر العوفي أن النقاش الدائر حول الدارجة هو نقاش زائق، شبهه بورم طفيلي يشوش على النماء الطبيعي. إذ اعتبر أن مسألة اللغة ينبغي أن تكون محسومة. كما دعا الأساتذة والطلبة والتلاميذ، الذين سماهم بـ »الشعب الكبير »، إلى الدفاع عن المدرسة العمومية، مثلما دعا الأحزاب والنقابات وجمعيات المجتمع المدني إلى تعبئة المواطنين من أجل الحفاظ على هذا المكسب الاجتماعي. وختم قائلا: « يجب أن نقاوم الآن من أجل أن تبقى المدرسة العمومية. وهذا من مصلحة الوطن! ».