يتعرض “البيجيدي” لحملة إعلامية مكثفة منذ أشهر، مستعينة في ذلك بوقائع بعض قادة الحزب، أمثال آمنة ماء العينين، التي نُشرت لها صور بدون حجاب، ومحمد يتيم، الذي التُقِطت له صور مع خطيبته غير المحجبة، قبل أن يتم التركيز أكثر على “المعاش الاستثنائي“، الذي أمر به الملك للأمين العام السابق للحزب، عبدالإله بنكيران. حملة واسعة ومركزة في الإعلام الورقي والإلكتروني و“الفايسبوك” تدفع إلى التساؤل: هلنحنأمامتحولقيميفيصفوفالإسلاميين،قديكونمقدمةلتحولفيالهويةوالمرجعية؟أمأنتلكالانتقاداتماهيإلاحملةسياسيةجديدةضدهذاالحزبتُوظفسلاحالأخلاق،بعدمافشلتفيالعثورعلىسلاحأقوىفعالية، مثلالفسادوغيره؟
من خلال تحليل الخطاب الإعلامي المنتقد لـ“البيجيدي“، يمكن التقاط فكرة أساسية تتردد بعناوين متشابهة في أكثر الأحيان، وهي أن هذا الحزب، الذي كان يتخفى وراء الأخلاق والفضيلة والدين، أبعد ما يكون عن ذلك، بدليل أن قادته “يتحجبون في الرباط، ويتعرون في باريس“، وهذا ينم عن “ازدواجية في السلوك“، كما تكشف عن أقنعة متعددة لوجه واحد، وبالتالي، فإن ادعاءه المرجعية الدينية ليس ادعاء نزيها، بل من أجل الاستعمال السياسي، أي للحصول على أصوات في الانتخابات. وذهب بعضهم بعيدا في القول، إذ اعتبر أن تحولا أخلاقيا قد حصل، وأن الحزب بصدد تحول في الهوية والمرجعية.
غير أن عرض هذه الادعاءات على بساط النظر الموضوعي، يكشف تهافتها. وفي هذا الصدد، يرى خالد يايموت، أستاذ العلوم السياسية، أن مسار التحولات القيمية لا تخص حزب العدالة والتنمية وحده، بل تهم المجتمعات ككل، وهي نتيجة للعولمة وتعميم النموذج الاستهلاكي الذي تروج له، ونتيجة لتأثير الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي. ويذهب يايموت إلى أن هذا التحدي “أكبر من الدول والتنظيمات“، ومن الطبيعي أن يتعرض “التدين الحركي للضغوط، وأن تقع بعض الانزلاقات التي تُنتقد، ولا تعكس التوجه العام داخل الحزب“.
ويعبّر سمير بودينار، رئيس مركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية بوجدة، عن الطرح نفسه، إذ يرى أن “عملية التحول في القيم صعبة ومعقدة وطويلة المدى، لأن القيم في النهاية هي معايير تضبط السلوك الفردي والجماعي“، مؤكدا أن “الذي يقع الآن، هو تحول على مستوى السلوك، أما المعايير الأخلاقية فيما هو مكتوب ومعلن، فلازالت واضحة“. واعتبر بودينار أن الحركة الإسلامية بتفاعلها مع الواقع “تتأثر أيضا، بمشكلاته وأعطابه البنيوية ومشكلاته الأخلاقية، وهذا هو الذي يفسر في الكثير من الأحيان، التساهل والتعايش مع بعض الظواهر التي كانت مرفوضة سابقا“.
نحن إذن، إزاء سلوكات “خاطئة“، رفضها الحزب صراحة على لسان أمينه العام، سعد الدين العثماني. لذلك يرى مصطفى بوكرن، أستاذ الفكر الإسلامي، أنها لا تعبر عن تحول في المرجعية، فـ“التحولات الجديدة في سلوك بعض قادة “البيجيدي” لا علاقة لها بمراجعة جديدة في قراءتهم للنصوص الدينية“. بل إن حديث بعض قادة الحزب عن الحياة الخاصة والشخصية في الآونة الأخيرة يحدث في “سياق دفاعي” في نظر امحمد جبرون، أستاذ التاريخ السياسي، لكن “لحد الآن ليست بين أيدينا خطابات نظرية معتبرة تؤسس لشرعية الحرية الشخصية ومداها وحدودها، ومن ثم، لازال الأمر فيه قدر من الالتباس والغموض، بحيث لا يمكن أن يفهم من مثل هذه الدفوعات أن أعضاء البيجيدي مع ولائهم للمشروع السياسي للحزب يمكنهم أن يشربوا الخمر، ويفطروا رمضان، وأن يكون من بين أعضائهم شواذ.. لأن ببساطة هذا مقتضى الحرية الشخصية واستقلالها عن الموقف السياسي، ومثل هذا المفهوم لازال حزب العدالة والتنمية بعيد عنه“.
وإذا كان الحديث عن تحول قيمي جوهري في صفوف الحزب مستبعدا، فإن المرجح هو أننا إزاء هجمة إعلامية سياسية تستغل “الحياة الخاصة” لبعض قادته، أي سلاح الأخلاق. ويأتي ذلك بعدما فشل خصوم الحزب في ترويج “تهمة أخونة الدولة” في حقه، يقول مصطفى بوكرن، لأن “الإسلاميين أثبتوا أنهم ملكيون أكثر من الملك“. ومن تم، فقد “رأى خصومهم أن أحسن وسيلة للمواجهة، استعمال خطابهم السابق ضدهم، بهدف إثبات أن هذا التيار لم يلتزم بالحجاب تدينا، بل التزم به لأغراض سياسية، والحصيلة التشكيك في صدق رصيده الأخلاقي“.
ويذهب سعيد السالمي إلى أن “التركيز على أخلاق “البيجيدي” معناه أن خصومه لم يجدوا شيئا جديا لاستهدافه بواسطته“، وقال: “عندما كان حزب العدالة والتنمية في المعارضة لم تكن أخلاق قياداته تثير كثيرا اهتمام الخصوم السياسيين للحزب. لكن بعد فوزه بالانتخابات التشريعية في 2011 وتوليه قيادة الحكومة، ظلت الأذرع الإعلامية المقربة من الدولة العميقة ومن خصومه تتصيد الأخطاء والتسريبات المتعلقة بالفساد، ورغم التهويل الذي كان يصاحبها، فقد كانت ملفات محتشمة، وأحيانا من محض الخيال، وهذا ما يفسر إلى حد بعيد الضجة التي أثارها هذا الأسبوع معاش بنكيران، الذي سقط على خصومه كهدية طال انتظارها“.