ضج موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك» بين مستخدميه في مدينة تطوان، خلال اليومين الماضيين، بسبب وفاة رجل دين مسيحي ينتمي إلى كنيسة «سيدة الانتصارات» الكائنة بساحة مولاي المهدي وسط المدينة، ما أثار موجة من الجدل وردود أفعال متشنجة على مبادرة المسلمين تقديم التعازي والترحم على القس.
وخلف تداول خبر تعرض القسيس الكاثوليكي، أنطونيو ألكادي فرانسيسيانو، يوم الخميس الماضي لحادث مأساوي حينما كان يتابع أشغال استبدال بوابة حديدية للكنيسة، تراشقا كلاميا بين مؤيدين لتقديم التعازي في وفاة أي إنسان بغض النظر عن انتمائه الديني، وبين آخرين يعيبون على المسلمين الذين يترحمون على رجل الدين المسيحي، بدعوى عدم جواز ذلك الأمر في تعاليم الدين الإسلامي، حسب زعمهم.
ورغم أن مدينة تطوان عرفت منذ القديم بتجانس مجتمعها باختلاف أديانه ومعتقداته، حيث عرفت في فترات سابقة وجودا كبيرا للطائفة اليهودية، والمسيحية، قبل أن تتناقص أعدادها في السنوات الأخيرة، فإن أماكن العبادة مازالت شاهدة على إقامة أفراد الطوائف المذكورة رغم أقليتها، وإحيائها طقوسها الدينية الخاصة بها.
وكتب أحد المعلقين، تفاعلا مع خبر وفاة القس الكاثوليكي: «فلترقد روحك بسلام أيها الإنسان الذي كله تسامح وإنسانية وطيبة، مع أنه كان ينصر الأفارقة مقابل إطعامهم، فلا يسعنا إلا أن نتأسف على طريقة موته، ولا يجوز أن ندعو له بالرحمة والجنة»، مستدلا على كلامه بآية من القرآن الكريم (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ).
بل أكثر من ذلك، استحضرت تعليقات فايسبوكية أخرى نصوصا ثانية من القرآن الكريم للاستدلال على زعمها بعدم جواز الترحم على غير المسلمين، ومن ذلك قوله تعالى في سورة التوبة (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ)، حيث وظف عدد من «المتعصبين» هذه الآية القرآنية لتبرير فكرة «تحريم الترحم على غير المسلمين».
من جانبه، انتقد الناشط الحقوقي، محمد بنعيسيى، التعليقات الفايسبوكية المتهجمة على الأشخاص الذين بادروا إلى الترحم على القس أنطونيو ألكادي، مذكرا بمناقبه الكثيرة، أبرزها مناصرته ودعمه الإحساني والخيري للمهاجرين الأفارقة وغيرهم، معتبرا أن النقاش السائد بشأن الموضوع يفرز وجود تيارين في المجتمع؛ «مؤيد للتسامح الديني»، وتيار آخر «متشدد» و«متعصب».
وتابع قائلا: «وإذا كان لي أن اقنع الطرف الثاني، فربما لن أجد أفضل مما صاغه الفيلسوف الفرنسي باسكال في إطار ما يسمى برهانه حول الإيمان. فإذا استبدلنا بعض قواعد برهان باسكال حول الإيمان بالترحم على القس المسيحي، كما على أي شخص آخر عرف بعمله لفائدة الإنسانية، فستكون نتيجة البرهان هي الترحم على الفقيد والدعوة له بالرحمة والمغفرة».
على المستوى الرسمي، زار أعضاء من مجلس جهة طنجة-تطوان-الحسيمة، نيابة عن رئيس مجلس الجهة إلياس العماري، الذي تعذر عليه الانتقال إلى مدينة تطوان بسبب تزامن يوم الجنازة مع نشاط رسمي للمجلس، مسؤولي الكنيسة الكاثوليكية، وقدموا واجب العزاء في وفاة القس الرئيس أنطونيو ألكادي فرانسيسيانو «antoño alcade»، الذي وافته المنية في حادث مؤلم.
وحسب بلاغ لمجلس الجهة على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك»، فإن أعضاء الوفد المكون من أربعة أعضاء ينتمون إلى فرق حزبية من الأغلبية والمعارضة، عبروا عن مواساتهم وتعازيهم للرهبان وأتباع الكنيسة في هذا المصاب الأليم. من جهته، عبر المسؤول الكنسي عن شكره وتقديره لالتفاتة مجلس الجهة.
تجدر الإشارة إلى أن قسيس كنيسة سيدة الانتصارات بتطوان ووري الثرى صباح أول أمس السبت، بالمقبرة المسيحية، إذ شيع جثمانه في موكب جنائزي مهيب يتقدمه الرهبان والراهبات بلباسهم الديني، وحضره أفراد من الطائفة المسيحية أغلبهم من الإسبان والمهاجرين الأفارقة، وعدد من المسلمين من أبناء مدينة تطوان.