في الوقت الذي حوّلت فيه السلطات المغربية قانون محاربة الاتجار بالبشر إلى وسيلة لاعتقال وسجن وتشويه سمعة الصحافي ومؤسس جريدة « أخبار اليوم » توفيق بوعشرين؛ جاء التقرير السنوي للخارجية الأمريكية حول وضعية هذه الظاهرة في العالم، مثقلا بالانتقادات الموجهة للحكومة المغربية، والتوصيات التي تطالبها بمحاربة المظاهر الحقيقية للاتجار بالبشر. التقرير قال إن المهاجرين الأجانب، خاصة منهم الأفارقة وبعض القادمين من آسيا، يبقون عرضة للاستغلال والاتجار من طرف شبكات متخصصة، تقوم بإكراههم على العمل وممارسة الدعارة، خاصة منهم النساء والأطفال. التقرير الأمريكي عاد ليضع الأصبع من جديد على الأسباب الحقيقية التي حملت المغرب على إصدار قانون لمحاربة الاتجار بالبشر، وقال إن شبكات إجرامية توجد بمدينة وجدة تقوم بإرغام المهاجرات على ممارسة الدعارة، خاصة النيجيريات. هذه الشبكات تقوم بالتقاط هؤلاء المهاجرات بمجرد عبورهن من الجزائر نحو المغرب، وتفرض عليهن الالتحاق بأنشطة الدعارة، مقابل إيصالهن إلى أوروبا. وأوضح التقرير أن ضحايا الاتجار بالبشر في المغرب يتحدرون، أساسا، من الكوت ديفوار والكونغو الديمقراطية ونيجيريا. وأوضحت الوثيقة أن أفراد هذه الشبكات غالبا ما يحملون جنسية الضحايا، حيث تركز الشبكات الكاميرونية على إخضاع المهاجرات الكاميرونيات لممارسة الجنس والعمل بالإكراه، فيما توجّه الشبكات النيجيرية الضحايا إلى التسول. فيما تعاني بعض الفلبينيات والأندونسيات اللواتي تصلن إلى المغرب، من العمل القسري وعدم الحصول على الأجر بعد تشغيلهن في المنازل، علاوة على حجز جوازات سفرهن وتعريضهن للعنف.
التقرير السنوي الجديد وإن خفّف من حدة حضور موضوع المغاربة والمغربيات الذين يخضعون للاتجار بالبشر في الخارج، إلا أنه سجّل استمرار تعرض مواطنين مغاربة للاستغلال في أعمال السّخرة وممارسة الدعارة، خاصة في أوروبا والشرق الأوسط. وهكذا قال التقرير الأمريكي الجديد إن المغربيات تتعرضن للإكراه على ممارسة الدعارة في الخارج بعد تعريضهن لقيود على حرية الحركة وتهديدهن بالاعتداء الجسدي والمعنوي، كما « يشارك بعض الأجانب ومعظمهم من أوروبا والشرق الأوسط، في السياحة الجنسية للأطفال في المدن المغربية الكبرى ». التقرير، ورغم الإجراءات التي قامت بها الحكومة في السنة الماضية لتجنّب الانتقادات الدولية المعتادة، استهلّته واشنطن بالمقدمة المعهودة في الجزء الخاص بالمغرب، والتي تقول إن « الحكومة المغربية لا تحترم بشكل كامل القواعد الدنيا في مجال محاربة الاتجار بالبشر، لكنها تبذل جهودا معتبرة لتحقيق ذلك ». التقرير قال إن السلطات المغربية بذلت جهودا جديدة في هذا المجال، لكنها ليست كافية لإخراج المغرب من الصنف الثاني لدول العالم، والتي لا تحترم القواعد الدنيا في هذا المجال.
التقرير شدّد في مختلف فقراته على أن الاتجار بالبشر يرتبط، أساسا، بالشبكات التي تستهدف المهاجرين غير الشرعيين القادمين من إفريقيا، والتي تقوم باستغلالهم في أنشطة مثل الدعارة والعمل تحت الإكراه. ودعا التقرير السلطات المغربية إلى تركيز الجهد أكثر في محاربة هذه الأنشطة، ومراعاة حالات المهاجرين الذين يرغبون في الحصول على اللجوء أو يحتجون إلى الحماية في مواجهة شبكات التهجير والاتجار بالبشر. كما جزم التقرير بكون المغرب لم يشرع بعد في تمويل ودعم البرامج الخاصة بمساعدة ضحايا الاتجار بالبشر.
التقرير الأمريكي نقل عن السلطات المغربية قولها إنها فتحت تحقيقات في 80 قضية مرتبطة بالاتجار بالبشر عبر الاستغلال الجنسي والتشغيل بالإكراه في العام 2018. رقم اعتبرته واشنطن متقدما مقارنة بمعطيات سنة 2017. فيما بلغ عدد الأشخاص المتابعين في قضايا الاتجار بالبشر في 2018 نحو 231 شخصا. كما قدّم المغرب حصيلة تتضمن تفكيك 188 شبكة للاتجار بالبشر في العام الماضي، تتألف من أكثر من 1100 شخص، دون أن يتضح ما إن كان هؤلاء جميعا قد خضعوا للمحاكمة. وسجّل التقرير في المقابل قيام السلطات المغربية بحملات أمنية تستهدف المهاجرين الأفارقة المستقرين بالقرب من مدينة سبتة المحتلة، وإقدامها على ترحيلهم بشكل جماعي نحو مناطق بعيدة دون تمييز بين طالبي اللجوء والأطفال القاصرين، وبين باقي المهاجرين.
التقرير قال إن المغرب يواصل وقوعه في خطأ يتمثل في الخلط بين الاتجار بالبشر والتهجير، كما لم يقم حتى الآن، بأي متابعة لمسؤولين حكوميين متورطين أو متواطئين في أنشطة للاتجار بالبشر. وتوقّف التقرير عند حالة دبلوماسي مغربي يعمل في إطار البعثة الدائمة لدى الأمم المتحدة في نيويورك، اتّهم بالتورط في عمليات احتيال على القواعد القانونية الخاصة بالحصول على التأشيرة لتوظيف عدد من العمال الأجانب، وأنه وإلى غاية كتابة التقرير بقي الملف مفتوحا ولم تتمكن السلطات الأمريكية من محاكمته بسبب تمتعه بالحصانة الدبلوماسية.