غويتيصلو بالعربي.. المغرب العربي من الأعلى -الحلقة1

01 يوليو 2019 - 18:21

بعد مرور سنتين على وفاته يوم 4 يوينو 2017، تعيد «أخبار اليوم» خلال هذا الصيف نشر، في حلقات، مجموعة من المقالات التي سبق ونشرها الكاتب الإسباني العالمي خوان غويتيسولو (ازداد سنة 1931) ، في صحيفة «إلباييس» منذ سنة 2000 حول المغرب، بشكل خاص، والمغرب الكبير والعالم العالم، عامة.

في رحلة جوية من المغرب، الذي كان مبتهجا بالسقوط المدوي لإدريس البصري، وزير الداخلية النافذ في العشرين سنة الأخيرة، إلى تونس؛ اخترقت الطائرة التابعة للخطوط الجوية التونسية المجال الجوي للجزائر، حيث انهار في غضون بضعة أشهر الوهم الذي رافق انتخاب عبد العزيز بوتفليقة رئيسا للبلد، إذ إن السلطة الحقيقية مازالت في أيدي ما يسمى بالمافيا السياسية والمالية التي تسيطر على البلاد، وتطيح أو تغتال الرؤساء الذين عينتهم.

إذا كان الإسلام السياسي المتطرف هُزِمَ عسكريا، فإن الديمقراطية والسلام يبتعدان مثل سراب. مسافر في المقعد المحاذي لي، وهو مهندس من وهران ويستقر بالدار البيضاء، لخص لي وضع الجزائر مع بوتفليقة قائلا: «كيف يمكن الرجل الذي حشرنا في الحفرة التي نحن فيها أن ينقذنا؟». كان هو، أيضا، مسافرا إلى تونس، البلد الذي لم أزره، كما قلت له، منذ 32 عامًا. تابع قائلا: «تونس تغيرت كثيرا، ستلاحظ ذلك. يا ليتنا كنا نعيش مثلهم! لكني أنصحك بألا تتكلم كثيرا عندما تحط الرحال بها، وبألا تخوض مع أي شخص في القضايا السياسية».

الانتكاس الديمقراطي في العقد الأخير في تونس ظاهرة مثيرة للدهشة، في ظل كثافة سكانية تنحصر في تسعة ملايين نسمة، وزراعة مزدهرة، وسياحة في توسع مستمر (أكثر من خمسة ملايين زائر سنويا)، ومستوى عيش أفضل من البلدان الشقيقة في المغرب الكبير، ومعدل الأمية أقل بكثير من البلدان الأخيرة، تبدو الصورة التي رسمها لي جاري الغريب للوهلة الأولى مضحكة وسخيفة. لكن جولة في زقاق العاصمة ومنطقة المدينة القديمة الجميلة تعزز هذا الانطباع؛ الشوارع نظيفة، ولا وجود للمتسولين، والسلع الاستهلاكية المعروضة كما في أي مدينة أوروبية. اختفى الزي العربي والعثماني التقليدي، لقد قضت عليه الكمالية النضالية البورقيبية، كما أن كل النساء، والشباب والصغار، يلبسون على المنوال الغربي، بعيدا عن التحدي الذي لايزال ينتظر النساء المغربيات. لقد فُرضت العلمنة من قبل المجتمع، ولم تعد تُصدم أي أحد. كل شيء يؤكد الجو المتقدم والمتسامح الذي تروجه مكاتب السياحة التونسية بنجاح في ألمانيا وفرنسا وإيطاليا والدول الاسكندينافية. لكن لوحة الواجهة الجميلة هذه تخفي واقعا مختلفا كليا. السلطة المطلقة للجهاز البوليسي النظامي -الذي أُسس، أولاً، للقضاء على الحركة الإسلامية، وثانيا، لقمع أي تطلع لمعارضة ديمقراطية- التي رصدها بشكل واضح كتاب نيكولاس بو وجان بيير توكي، «صديقنا بنعلي»، ومقالات كاترين سيمون («La Tunisie de Ben Ali»، المنشور في لوموند، 21-23 أكتوبر 1999)؛ تَظْهرُ بمجرد النبش قليلاً على السطح؛ في الحقيقة، الجهاز البوليسي هو العمود الفقري للنظام بأكمله. هناك مراقبة كاملة للسكان، كما أخبرني بذلك طلاب الجامعات والدبلوماسيون وأعضاء منظمات حقوق الإنسان غير المرخص لها. لا أحد يستطيع تحريك حتى أصبعه. أي انتقادات للنظام وقبل كل شيء لرئيسه المطلق، يعرض صاحبه لمجموعة واسعة من التدابير الزجرية التي تبدأ بمصادرة جواز السفر، كما أن العديد من الأشخاص الذين تحدثت معهم لا يمكنهم مغادرة البلاد، وصولا إلى مختلف أنواع التهديدات، والابتزاز، وأعمال التخويف والمشاهد الوحشية البغيضة. في تونس، لا يصل قمع السلطة إلى ما كانت عليه من قبل أساليب العسكرييْن أوفقير والدليمي بالمغرب؛ لا توجد دوريات قمع شاملة، أو قوائم لا حصر لها من الضحايا، مثل أولئك الذين يظهرون في المغرب الجديد كما تسطع الشمس في يوم جميل.

الخوف المستبطن في تونس، من لدن النواة المهنية والنقابية والجامعية المعارضة للنظام، يشرح كيف أنه في الوقت الذي يستمر النظام في التنكيل بالمعارضين الذين يرفضون حكمه المطلق وتعسفه، يتقلص، في المقابل، عدد الأشخاص المستعدين للانبطاح له. يحرص الأخ الأكبر على إخراس الشعب وإخضاعه. يأكل التونسيون ويصمتون، إنهم يعلمون أنه في مناطق أخرى لا يجد الكثيرون ما يأكلونه، لذلك يجب عليهم التزام الصمت.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي