عيد عرش محمد السادس الـ20.. النزال الفرنسي الإسباني -تحت المجهر

04 أغسطس 2019 - 19:01

لم يثر حلول الذكرى الـ20 لوصول الملك محمد السادس إلى العرش، اهتمام المواطنين المغاربة المعنيين بهذا الحكم فقط، بل أثارت هذه الذكرى وبشكل لافت اهتماما غير مسبوق من جانب صحافة دولتين أجنبيتين ترتبطان بتاريخ مشترك مع المغرب، هما كل من فرنسا وإسبانيا. سيل من التحقيقات والربورتاجات والتقارير والأغلفة الصقيلة وغير الصقيلة صدرت في الأسابيع القليلة الماضية في كبرى صحف ومجلات الدولتين المستعمرتين سابقا للمغرب.

وكان هناك تباين كبير في مقاربة الصحافة الفرنسية موضوع الحصيلة العامة لعشريتي الملك محمد السادس، حيث صدرت مجلة «جون أفريك» محملة بكم هائل من الورود التي ألقتها على وريث عرش الحسن الثاني، فيما اعتمدت الصحيفة اليمينية «لوفيغارو» نبرة نقدية لاذعة وغير معهودة، وهي التي ارتبط اسمها في ذاكرة المغاربة بحوارات الملك الراحل الحسن الثاني معها، والتي كان الإعلام الرسمي في المغرب يحوّلها إلى استجوابات مقروءة خلال النشرات الإخبارية الرئيسة.

في المقابل، دخلت الصحافة الإسبانية بقوة على الخط هذه السنة، لكنّها جاءت هذه المرة متبنية نبرة غير معهودة في جار شمالي لم يبدِ تاريخيا ودا كبيرا تجاه المغرب. كبرى العناوين الصحافية الإسبانية، تتقدمها «إلباييس» واسعة الانتشار، خصّصت ملفات مفصّلة لتناول حصيلة حكم الملك محمد السادس. هذا التناول الإسباني، وإن حاول الحفاظ على حد أدنى من المهنية والموضوعية بتقديمه بعض الانتقادات، فإنه عموما كان إيجابيا ومعززا بدعم رسمي غير مسبوق من نوعه، إذ نشرت «إلباييس» مقالا لرئيس الحكومة والمسؤول الأول عن السلطة التنفيذية في المملكة الإسبانية، يشيد بالعلاقات الثنائية بين البلدين وبالمنجزات التي حققها المغرب.

وبالإضافة إلى المبرر المهني الذي يمكن أن يفسّر اهتمام صحافة فرنسا وإسبانيا بموعد سياسي مغربي، والمتمثل في المصالح الكبيرة التي تجمع كلا البلدين بالرباط؛ فإن المشهد لم يخلُ من «نزال» بين القوتين الأوروبيتين، يذكّر المراقبين بالتنافس القديم بين الدولتين حول النفوذ والمصالح الاقتصادية داخل المغرب. فـ«تطور العلاقات الاقتصادية والتجارية بين المغرب وإسبانيا، وبينه وبين الاتحاد الأوروبي، وتطور التعاون الأمني ومحاربة الهجرة السرية انعكس بشكل إيجابي على تعاطي الإعلام الإسباني مع المغرب»، يقول عبد الحميد البجوقي، العارف بخبايا العلاقات المغربية الإسبانية.

نعثر على تفسير آخر في أحد مقالات الملف الذي خصصته صحيفة «لوموند» الفرنسية للمناسبة الوطنية المغربية، وجعلته يعتلي صدر صفحتها الأولى. «كانت هذه العلاقات (المغربية الفرنسية) أصلا قوية في عهد الملك الحسن الثاني، لكن مع بعض الحرج بسبب دكتاتوريته. وصول الملك الشاب محمد السادس إلى العرش، باعتباره حاملا الأمل وملكا للفقراء، غير هذا الوضع، وجعل بالإمكان الانخراط التام في هذه العلاقات»، تنقل «لوموند» عن الخبير جوسي كارسون.

واعترفت الصحيفة بأن علاقات الرباط وباريس تعرضت لاختبار عسير في فترة القطيعة النسبية التي ميزت عام 2014 بسبب محاولة القضاء الفرنسي استدعاء المسؤول الأول عن المخابرات المغربية، عبد اللطيف الحموشي. لكن هذه العلاقات سرعان ما استعادت منحاها الصاعد، «فالرهان الأمني كان ولايزال حيويا بالنسبة إلى باريس، التي تعرف أنها تستطيع أن تعول على الأجهزة الأمنية المغربية»، تقول «لوموند».

«إسبانيا والمغرب هما اليوم، أكثر من أي وقت مضى، بلدان مُتَّحدان بفضل العديد من الروابط، ليس فقط في الحاضر، بل بفضل علاقة استراتيجية ومستقبلية»، يقول رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز، في مقال تضمنه ملف خصصته «إلباييس» لعيد العرش المغربي. وأضاف السياسي الاشتراكي الإسباني أن إسبانيا والمغرب يمثلان اليوم «نموذجا رائعا لكيف تحول جوارنا، بظروفه الجغرافية والتاريخية، إلى علاقة مكثفة ومثمرة بين بلدين صديقين، عرفا كيف يرسخا ويقويا شعور الثقة المتبادلة».

وقد تميّز التفاعل الرسمي المغربي مع الصحافتين الفرنسية والإسبانية، في الأيام القليلة الماضية، بخطوات متسارعة، آخرها تقديم الأمين العام لمجلس الجالية المغربية المقيمة بالخارج، شكوى رسمية أمام القضاء الإسباني ضد صحيفة «إلموندو»، التي نشرت قبل أيام تحقيقا يفيد بسوء تصرف مسؤولين مغاربة وبعض أقاربهم في أموال عمومية مغربية مخصصة لدعم جمعيات مغاربة الخارج. في المقابل، حظيت الصحافة الفرنسية بخروج إعلامي لمستشارين ملكيين، قدّما تصورين مختلفين حول حاضر ومستقبل الملكية في المغرب، هما كل من عمر عزيمان، الذي دافع عن الخصوصيات المغربية، وعبد اللطيف المنوني، الذي ذهب إلى أن المملكة في الطريق نحو الملكية البرلمانية.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي