الجامعي يكتب- شكـرا جـلالة الملك.. مسحتم الظلم وحررتم الحرية

20 أكتوبر 2019 - 13:02

النقيب عبد الرحيم الجامعي

من حقي كمواطن أن أتوجه لملك المغرب لأشكره على قرار العفو عن الصحافية هاجر الريسوني وخطيبها رفعت الأمين، وعن الدكتور بلقزيز وعن مساعديه، وأشكره على قرار نبيل ثمين وصل في عز الزلزال الإعلامي والحقوقي والقضائي والسياسي الذي حل بالمغرب وكاد يحصد سمعته، والذي تسبب فيه من قرر إطلاق عملية “الصاعقة ضد المغرب”، كما يطلق على العمليات العسكرية والحربية ضد الشعوب من قبل خصومها، وتسبب فيه من قرر بناء ملف القبض والمتابعة والحكم عليهم، فموقع الملك وصلاحياته الدستورية يسمحان لأي إنسان مغربي أو غير مغربي رأى ما رأيته وسمع ما سمعته وشاهد ما حل بهاجر ومن معها، أن يتجاوز الوسائط والحواجز التي يصنعها البعض بين المواطن وبين ملك المغرب الضامن الدستوري لحقوق وحريات المواطن، ومن هنا دعتني عقيدتي أن أعتبر أن بعفوكم حررتم الحرية من الاعتقال ومسحتم الظلم عن المظلومين.

قرار العفو الصادر رد الاعتبار لهاجر وخطيبها وللدكتور بلقزيز ومساعديه، قرار يعرف عن حق معاني الحرية ويقدرها، ويعرف ويلات السجن وآلامه، ويدرك سخافة الشطط واستغلال السلطة ويرفضها.

قرار العفو ومضامين البلاغ الصادر في الموضوع عن وزارة العدل ــ وكأنه يرحب بالوزير الجديد للعدل ــ كشف حقائق حاولت بعض الأطراف ذات العلاقة بالملف وبحيثياته إغفالها وتهميشها وإهمالها، صحح ما أفسدته المساطر وما أفسده الحكم نفسه.. قرار ميز بين الخطأ وبين الجريمة وصحح المفاهيم، مشيرا أن علاقة هاجر برفعت الأمين علاقة خطوبة وبناء أسرة، فسقطت خرافة علاقة الغرام بينهما أو علاقة خليل بخليلته وفخ نزوات الطيش، وظهر بعد دَمَــس الظُلم نور الحقيقة وهي أن الدكتور بلقزيز إنسان ليس كما صورته المحاضر والحكم جزار لحوم البشر ولا ذباحا لبطون النساء ولحميميتهن، وليس مصاص دماء وأموال باسم الطب والجراحة وباسم يمين أبقرَاط. وأن عيادته ليست وكرا لمقص الإجهاض وقتل البويضات وامتصاص العَــلق والنطف.

قرار العفو جواب إنساني على صراخ المظلومين في الملف، عفو سمع صوت هاجر ومن معها وهم من لم يسمع أحد أصواتهم ولا نداءاتهم لا أمام المحكمة ولا بالحكم الصادر عن قاضيها، العفو الصادر صوت الضمير الذي استيقظ لهاجر ومن معها لتتوقف “الحُــكْرَة”، بعدما ذاقوا وتجرعوا منها مرارات الاعتداء على حريتهم، وبعدما أهينوا في كرامتهم وقذفوا في شرفهم وصورتهم، وزيفت مساطر ضدهم وتألم آباؤهم وأبناؤهم ورفاقهم، وفي النهاية انتشرت عبر العالم اتهامات ضدهم ضالة ومضللة تصدت لها لحسن الحظ ضمائر حية من كل الآفاق والثقافات داخل المغرب و خارجة.

والعفو الخاص عنهم، ذكر في جوهره بالدلالات الفلسفية والأخلاقية لقرينة البراءة بنتُ الدستور وقرة عينه، والتي أضحت مع كل الأسف تُلقَى في الحَضيض ويُلقى معها الكثير من الأبرياء بالسجون، وليصبح بالتالي، التعامل مع السياسة الجنائية وبَالا على سُمعة المغرب، وعلى حَصانة الحرية ومكانتها في النظام الدستوري المغربي.

عفو نبيل، وفي وقت عسير أتى ليغسل وجه المغرب وسمعة المغرب من عشرات الملايين من المقالات الصحافية والاحتجاجات والتعليقات، بعدما لطـخَته الرعُونة في التدبير وضعف الكفاءة في التقرير والتهور في الإدانة وتوزيع السنوات من السجن والاعتقال، وبعدما غضِب منا الأصدقاء والأشقاء وغضبت معهم ملائكة الرحمان في السماوات طباقا.

العفو أتى في ليلة ليست كباقي الليالي، أتى مع اقتراب افتتاح المؤتمر الدولي حول العدالة بمراكش يوم الاثنين المقبل، والذي دعا إليه المغرب وفيه سيستقبل قضاة من العالم، ومحامين من العالم، وحقوقيين وقانونيين من العالم، وخبراء في مجالات العدالة ودولة القانون من العالم، وهي المناسبة التي لم يقدرها بكل الأسف أي مسؤول من مجال القضاء الفاعل في ملف اجر قبل هذه الليلة، وربما تناسوا أن من سيحضر المؤتمر يحضره وهو عالم بملف هاجر ومن معها، وعالم بالانتهاكات المسطرية التي عرفها ملف هاجر ومن معها، وعارف بأن العدالة بالمغرب لا يُسلم من ظلمها المظلوم قبل الظالم أحيانا.. وعارف بأن العدالة والمحاكمة العادلة التي قررها الدستور وركز موقعها مطلب لازال صعبا وأحيانا مستحيلا رغم البلاغات ورغم الخطابات.. وعارف بأن ثقة المواطن والمتقاضي في العدالة بالمغرب تضعف وتنحدر، وثقته في البعض من المؤسسات الحكومية والقضائية وفي بعض من يتولى تدبيرها والتحكم فيها في مهب الشكوك ورياحها القوية، ويعلم بأن المعلومة التي يمكن أن يتوفر عليها ضيوف الملتقى الدولي أقوى من كل حاكم ومن كل مسؤول، انتقلت إليهم بسرعة وهي تجوب في ثواني معدودات الكوكب الأرضي وأخواته، مما لا ندركه ببصرنا الضيق، وأن السر والعجب هو فيمن يحسب قرب أنفه ووحدَه، ويحسب أنه لا يراه أحد، ويحسب أنه الواحد القهار فوق كرسي المسؤولية يصنع بالوطن والمواطن ما شاء.

فهنيئا لهاجر وخطيبها وللدكتور بلقزيز ومساعديه بالعفو وبعدالة العفو، وشكرا للملك ولقراره الذي أعاد للحرية حرمتها، ولكن، متى سيصل المسؤولون في هيئات العدالة سن التعقل والحكمة والرشد، وإلى متى سيتحمل العفو الملكي إصلاح متاهات بعض الأحكام الظالمة وأخطاء بعض الفاعلين في أجهزتها من ضابطة ومن قضاة، ومن مساعدي القضاء ومنهم الخبراء مثلا، وإلى متى سيصل المغرب إلى بر الأمان ويطوي نهائيا صفحة الانتهاكات التي عجزت هيئة الإنصاف والمصالحة وصراع مناضليها طيها الحقيقي، الانتهاكات التي تمارسها بعض السلطات الإدارية أو الترابية أو القضائية أو الأمنية وغيرها، ومتى سيتم احترام سيادة القانون وسيتم العمل بالمحاسبة مقابل المسؤولية وسيتم خضوع كل مؤسسة وكل سلطة حكومية أو قضائية للرقابة من الشطط وتجاوز السلطة. وفي النهاية متى ستصبح عدالتنا عدالة لا ينعتها أحد، ولا ينتقد أحكامها أحد، ولا تثير شكوك أحد. ومتى سترتاح مسطرة العفو نفسها من أخطاء القضاء وأحكامه… متى؟

أنا مواطن أتساءل.. وأترك الجواب للمستقبل.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي